في واقعة أثارت جدلاً واسعاً في المغرب، ألقي القبض على جراح مشهور يحظى باحترام جزء مهم من المجتمع، إذ روج لسنوات عدة أنه "طبيب الفقراء" الذي يتكفل بعلاج العديد من المرضى المحتاجين.
السلطات المغربية ألقت القبض على جراح التجميل المشهور الحسن التازي وسبعة من أفراد أسرته ومساعديه ومن بينهم زوجته، بتهمة النصب والاحتيال على فاعلي الخير للاستيلاء على تبرعاتهم واللجوء إلى تزوير فواتير تتعلق بتلقي العلاجات الطبية.
وأفاد بيان للمديرية العامة للأمن الوطني بالمغرب بأن المعطيات الخاصة بالبحث تشير إلى تورط المشتبه فيهم في "تكوين عصابة إجرامية تستهدف جمع مبالغ مالية من متبرعين تحت غطاء تسوية كلف طبية لاستشفاء مرضى منتمين إلى أسر معوزة"، مضيفا أنه "يتم تقديم العلاج إليهم بالمصحة التي يعمل بها أغلبية المشتبه فيهم، إذ يتم الرفع من قيمة الكلف الطبية بشكل تدليسي قصد الاستيلاء على مبالغ مالية مهمة".
وبحسب بعض التسريبات من ملف القضية، فإن إلقاء القبض على الحسن التازي ومعاونيه تم بفضل شكوى تقدم بها أحد المحسنين إلى النيابة العامة بعدما توصل إلى وجود تلاعبات في التبرعات المالية، وبعد حصوله على وثائق تكشف تلك الاختلاسات تقدم بشكوى للنيابة العامة وطالب بفتح تحقيق في الموضوع.
وترجح التسريبات أن نجلة رئيس الحكومة المغربية هي من أبلغت عن القضية بعدما اتصلت زوجة المتهم بها مرات عدة وبشكل مبالغ فيه، قصد تقديم المساعدة المادية لفقراء يحتاجون إلى تدخلات طبية.
عمليات النصب
وتعتبر زوجة الجراح المشتبه فيها الرئيسة في القضية، إذ كانت تنسق عملية النصب على المحسنين وتتلقى أزيد من 20 مليون سنتيم (20 ألف دولار) بشكل يومي، من متبرعين بدعوى تسوية كلف طبية لاستشفاء مرضى فقراء، ويتم تقديم العلاج لهم بالمصحة التي يعمل بها معظم المشتبه فيهم، لكنها تزوّر بمساعدة باقي المتهمين كلف العلاج قصد الاستيلاء على جزء مهم من أموال التبرعات.
وأشار بيان الشرطة إلى أن "الأبحاث والتحريات المكثفة التي باشرتها مصالح الأمن الوطني مكنت من توقيف المشتبه فيها الرئيسة المتورطة في ربط الاتصال بالمرضى المفترضين والتقاط صور لهم بدعوى مساعدتهم على تلقي العلاج، قبل استغلال هذه الصور في جمع تبرعات مالية مهمة يتم تبريرها باستعمال فواتير وتقارير علاج مزورة بالتواطؤ مع باقي الموقوفين".
تهم ثقيلة
من جهة أخرى، وجهت للتازي تهم خطرة ومنها "الاتجار بالبشر عبر استدراج أشخاص واستغلال حال ضعفهم وحاجتهم وهشاشتهم لغرض الاستغلال للقيام بأعمال إجرامية بواسطة عصابة إجرامية، ومن طريق التعدد والاعتياد وارتكابها ضد قاصرين يعانون المرض، وجنحة الاستفادة من منفعة الأموال المحصل عليها عن ضحايا الاتجار بالبشر مع العلم بجريمة الاتجار بالبشر، وجنحة المشاركة في النصب وجنحة المشاركة في تزوير محررات تجارية واستعمالها وفي صنع شواهد تتضمن وقائع غير صحيحة، وجنحة ارتكاب "مقدم الخدمة الطبية" غشاً أو تصريحاً كاذباً بصفته مدير المصحة، وجنحة الزيادة غير المشروعة في الأسعار".
ويعاقب قانون مكافحة الاتجار بالبشر بالسجن من خمس إلى 10 سنوات وبغرامة من 10 آلاف درهم (1000 دولار) إلى 500 ألف درهم، كل من ارتكب جريمة الاتجار بالبشر، وترفع عقوبة تلك الجريمة إلى السجن من 10 إلى 20 سنة وغرامة من 100 ألف إلى مليون درهم (ما بين 10آلاف و100 ألف دولار) في حال ارتكاب الجريمة بواسطة التهديد بالقتل أو بالإيذاء أو التعذيب أو الاحتجاز أو التشهير، ويمكن أن ترفع العقوبة إذا كان مرتكب الجريمة حاملاً لسلاح ظاهر أو مخبئ أو موظفاً عمومياً استغل وظيفته لارتكاب الجريمة أو تسهيل ارتكابها، أو إذا أصيب الضحية بواسطة استغلاله في جريمة الاتجار بالبشر بعاهة دائمة أو بمرض عضوي أو نفسي أو عقلي عضال، أو من قبل شخصين أو أكثر بصفتهم فاعلين أصليين أو مسهمين أو مشاركين، وإذا كان مرتكب الفعل معتاداً على ارتكابه، وفي حال ارتكابها ضد عدة أشخاص مجتمعين، ويمكن أن ترفع العقوبة إلى ما بين 20 و30 سنة وغرامة من 200 ألف إلى مليوني درهم (20 و200 ألف دولار) في حال ارتكاب الجريمة ضد قاصر دون الـ 18.
وينص القانون على معاقبة جريمة الاتجار بالبشر بالسجن من 20 إلى 30 سنة وغرامة من مليون إلى ستة ملايين درهم، إذا ارتكبت بواسطة عصابة إجرامية أو في إطار عابر للحدود الوطنية، أو إذا نتجت من الجريمة وفاة الضحية، وترفع إلى السجن المؤبد إذا ارتكبت الجريمة بواسطة التعذيب أو أعمال وحشية.
بين التأييد والانتقاد
وخلفت قضية الدكتور التازي جدلاً واسعاً حيث دافع عنه كثيرون باعتباره رمزاً للطبيب المحب لفعل الخير، فيما انتقده آخرون واصفين إياه بـ "النصاب"، ويقول ياسين آدم الإدريسي أحد معارف عائلة التازي، "أعرف الدكتور الحسن التازي وأعرف زوجته الأم الطيبة والخلوقة، والشهادة لله لم أعرف عنه غير أنه رجل محترم يسعى في طريق الخير".
من جانبه، يشير الصحافي مصطفى الفن إلى أن "الحسن التازي الذي يواجه اليوم رفقة زوجته وشقيقه تهمة الاتجار بالبشر ليس طبيب تجميل فقط، بل إنه ربما ساحر أيضاً، لأني أستغرب كيف استطاع هذا الطبيب الذي نزع الله من قلبه الرحمة أن ينصب على بلد بكامله"، مضيفاً أن ذلك حصل "من دون أن ينتبه أي أحد إلى أعماله في النصب، وإلى جرائمه العمدية كل هذه السنوات الطويلة، وهذا الطبيب الذي راكم ثروة طائلة من مآسي الناس البسطاء احتال على الدولة في أكثر من وسام".