أطلق نواب في الكنيست الإسرائيلي، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وإلى جانبهم رئيس "القائمة العربية الموحدة" منصور عباس، ونواب عرب من الأحزاب الصهيونية، حملة تحريض ضد رئيس "القائمة العربية المشتركة"، أيمن عودة، بعد دعوته شباب فلسطينيي 48 الذين يخدمون في الشرطة الإسرائيلية إلى رمي سلاحهم وعدم إشهاره في وجه أبناء شعبهم الفلسطيني في القدس والضفة.
وفي ذروة هذه الحملة، والتصريحات، ارتفع عدد الفلسطينيين الذين سقطوا بسلاح الشرطة الإسرائيلية بعد مقتل عامل فلسطيني، فجر الثلاثاء 12 أبريل (نيسان)، في عسقلان، بعدما طعن شرطياً إسرائيلياً خلال مداهمة ورشة عمل، ضمن حملة واسعة تقوم بها الشرطة الإسرائيلية لملاحقة العمال الفلسطينيين الذين يعملون من دون تصاريح رسمية بحسب الحكومة الإسرائيلية.
وتصاعدت التصريحات ضد عودة ووصلت إلى حد إطلاق حملة في الكنيست يقودها رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، وزير المالية، أفيغدور ليبرمان، الذي دعا إلى طرد رئيس "القائمة المشتركة" وكل مَن يتماهى مع موقفه، من الكنيست.
وتجاوبت نيابة الدولة مع الشرطة بالتحقيق مع النائب عودة بتهمة التحريض على العنف والتمرد، ودعت ما تسمى بـ"الحركة من أجل جودة الحكم" إلى تحقيق جنائي ضده، بادعاء أن تصريحاته "ترقى إلى درجة الاشتباه بالتحريض على العنف والتمرد". وتوجه أعضاء تلك الحركة إلى المستشارة القضائية جالي بهرا- ميارا لفحص "ما إذا كان قد تم تجاوز الخطوط الجنائية في التصريحات"، وفق ما جاء في طلب الحركة.
لا تراجع
وجاءت دعوة النائب أيمن عودة في أعقاب سماع عشرات الشكاوى من فلسطينيي القدس، معظمهم من النساء، قالوا فيها إن ألمهم الأكبر هو استخدام شبان من فلسطينيي 48 القوة تجاههم وتهديدهم بالسلاح الذي يحملونه ضمن خدمتهم في الشرطة الإسرائيلية.
وأطلق عودة كلامه للشبان العرب في الشرطة الإسرائيلية عبر شريط فيديو من أمام باب العامود في القدس ودعا فيه إلى عدم انخراط أي عربي "بما تسمى بقوات الأمن التي تأتي إلى هنا وتستخدم العنف وتسيء إلى شعبنا وأهالينا وإلى من يريد أن يصل إلى الأقصى للصلاة. موقفنا التاريخي أن نكون مع أبناء شعبنا الفلسطيني وأن يحل السلام ويرفع العلم الفلسطيني هنا على أسوار القدس".
وفي حديث مع "اندبندنت عربية"، قال النائب عودة إنه لم يفاجأ بالحملة ضده من قبل جميع أعضاء الكنيست وقيادات الأحزاب الذين يصمتون على جرائم قتل الفلسطينيين والتنكيل بهم وبالمصلين في الأقصى. وأضاف "وجدت من المناسب، ومن منطلق أخلاقي ووطني وإنساني إطلاق دعوتي للشبان العرب من عناصر الشرطة الإسرائيلية وعائلاتهم لمنعهم من الاستمرار بحمل السلاح، كما دعوت الجميع إلى عدم الانضمام إلى ما تسمى قوات الأمن، وهذه الدعوة، مهما كلفت من ثمن فلن أتراجع عنها، تماماً كما لن نتراجع عن موقفنا التاريخي بالوقوف إلى جانب أبناء شعبنا الفلسطيني ومساندتهم ودعمهم والعمل قدماً من أجل إحلال السلام بين الشعبين وإقامة الدولتين ووقف سفك الدماء".
وشدد عودة على أن "ما يتعرض له الفلسطينيون عموماً والمسلمون الذين يقصدون الأقصى لأداء الصلاة، خصوصاً خلال شهر رمضان، هو أمر لا يمكن السكوت عنه ولا يمكن التنازل عن أدنى حق للفلسطيني في أداء صلاته في الأقصى"، مؤكداً أن "على كل إنسان يؤمن بالعدل أن يرفض خدمة الاحتلال والقمع والقتل وأن يسعى إلى إنهائه من أجل السلام العادل الذي سيحقق الحياة الكريمة للشعبين".
طرد عودة وسجنه
في المقابل، يقود وزير المالية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب "يسرائيل بيتينو" اليميني المتطرف، حملة التحريض لطرد عودة من الكنيست. وقال إن "مكانه خارج الكنيست وتصريحاته تؤكد أنه داعٍ للإرهاب". وأصدر حزب ليبرمان بياناً يحشد الدعم لمبادرة طرد أيمن عودة من الكنيست بشكل فوري.
من جهته، دعا وزير المالية السابق، يسرائيل كاتس، إلى سجن عودة وكتب على حسابه الخاص في "تويتر" "دعوة أيمن عودة لعناصر الشرطة (المسلمين) إلى إلقاء سلاحهم، في وقت تخوض فيه إسرائيل معركة ضد الإرهاب من الداخل والخارج، هي تحريض خطير قد يؤدي إلى العنف ضد الشرطيين ويمس بأمن إسرائيل. إن مكان عودة ليس في الكنيست بل في السجن".
أما عضو الكنيست اليميني المتطرف، شلومو كرعي، من حزب الليكود، فتجند ضمن حملة ليبرمان من خلال العمل على تقديم "قانون الإقصاء" ضد عودة، ويتطلب هذا القانون 90 عضواً في الكنيست للمصادقة عليه. وفي سياق تجنيده نواب الكنيست لاقتراحه، قال كرعي إن "حديث عودة مليء بالتحريض والتمرد ودعم الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، يجب أن نتحرك ونطبق قانون المساءلة ضده".
ويعتقد كرعي أن اقتراحه سيحظى بأكثر من 90 نائباً، إذ ضم في حساباته رئيس "القائمة الموحدة" منصور عباس ونواب حزبه والنواب العرب من الأحزاب الصهيونية. وقال "هناك أكثر من 90 عضواً في الكنيست سينضمون بالتأكيد إلى عملية استئصال الطابور الخامس من بيننا، وطرد هذا المؤيد الإرهابي. ما لم تفعله المحكمة العليا، يجب أن نفعله الآن. ويل للمجتمع العربي أن يكون أيمن عودة ممثلاً له".
ولم يتردد منصور عباس في التجاوب مع الصحافة العبرية بالإدلاء بتصريحات عبر فيها عن تجنده في حملة التحريض قائلاً إن "أيمن عودة تحدث ليقطع الطريق أمام أي احتمال للتعاون السياسي مع الائتلاف. إنه يستغل القضية بشكل غير لائق، بينما نحاول إعادة الثقة بين اليهود والعرب في أعقاب العمليات الشنيعة".
"خطأ أحمق"
كذلك لم يتردد اليسار الإسرائيلي في رفض حديث عودة، لكن صوته جاء خافتاً، وقلة من ممثليه علقوا على موقف عدم انضمام فلسطينيي 48 إلى الشرطة الإسرائيلية أو أي جهاز آخر لقوات الأمن الإسرائيلية. ولذلك الموقف عدة دوافع، بينها الانتقادات الشديدة التي تعرضت لها الشرطة الإسرائيلية بسبب شدة تعاملها مع العرب، حتى من قبل نواب وسياسيين من أحزاب الوسط واليسار. وانعكس ذلك في التظاهرات التي جرت في البلدات العربية والمدن المشتركة احتجاجاً على مختلف القضايا والقرارات العنصرية بينها هدم البيوت العربية ومصادرة الأراضي وصولاً إلى التضامن مع أبناء الشعب الفلسطيني. وكانت أبشع مشاهد عنف الشرطة في التظاهرات التي جرت في أحداث مايو (أيار) 2021، في أعقاب عملية "حامي الأسوار" ومحاصرة الأقصى والاعتداء على المصلين والمقدسيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في حينه، انتقد قادة أحزاب اليسار والوسط ونواب الكنيست القوة التي تستخدمها الشرطة، وما تحدث عنه أيمن عودة في الفيديو من أمام باب العامود يعكس الصورة التي سبق وعارضها نواب اليسار والوسط. إلى جانب هذا، فإن أحزاب الائتلاف من الوسط واليسار ما زالت تأمل بأن توافق "القائمة المشتركة"، التي يرأسها عودة، على اقتراح دعم الحكومة الحالية لمنع حلها والتوجه إلى انتخابات جديدة، وهذا الأمر جعل صوتهم خافتاً، وإذا ما أحرجهم إعلاميون إسرائيليون للتعليق على حديث عودة يكون ردهم مقتضباً.
واكتفى وزير الخارجية، يائير لبيد بوصف حديث عودة بـ"المخزي"، وانتقل للحديث عن موضوع آخر ليرحب بقرار بلدية بني براك، إحياء ذكرى الشرطي أمير خوري، من فلسطينيي 48 الذي أطلق النيران على منفذ عملية بني براك، ضياء حمارشة، وقتله في الوقت ذاته الذي أطلق عليه حمارشة النيران وأصابه بالقسم العلوي من جسمه وتوفي متأثراً بجراحه، وفق ما تبين من تفاصيل التحقيق.
أما عضو الكنيست يائير غولان، من حزب "ميرتس" اليساري، فوصف حديث عودة بـ"خطأ أحمق لا مثيل له". وأضاف في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية "لطالما ظننت أنه شخص يسعى إلى الشراكة والاندماج بين المواطنين العرب في إسرائيل، فهو يضع إسفيناً بين المواطنين العرب في إسرائيل واليهود. قد تكون هناك فرصة لتوسيع التمثيل العربي في الحكومة، وما قاله يغلق الباب إلى حد كبير في هذا الشأن".
تظاهرات واحتجاجات
في هذه الاثناء ومع توسع مداهمات الجيش والشرطة الإسرائيلية لتشمل جنين ومختلف البلدات الفلسطينية، تتسع المظاهرات والاحتجاجات بين فلسطينيي 48 على العمليات التي تنفذها قوات الأمن والقوة المفرطة التي تستخدمها بحق الفلسطينيين، وملاحقة العمال والمواطنين وجعل ضغط الزناد تجاه كل فلسطيني وعربي أمراً سهلاً وسريعاً.
وعبّرت هذه التظاهرات عن تضامنها مع أبناء الشعب الفلسطيني ودعت الحكومة إلى وقف عملياتها، خصوصاً في جنين والبلدات المحيطة بها.