جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وحتى "الإبادة الجماعية" التي تحدث عنها الرئيس الأميركي جو بايدن الثلاثاء في الـ 12 من أبريل (نيسان) للمرة الأولى، كل هذه الاتهامات التي تتضاعف ضد القوات الروسية هي مفاهيم دقيقة جداً في القانون الدولي، وهذه المفاهيم التي ولدت في أعقاب الحرب العالمية الثانية بالتزامن مع إنشاء محكمة "نورمبرغ" الدولية لمحاكمة الجرائم النازية، هي في قلب اختصاص المحكمة الجنائية الدولية (ICC) التي فتحت في الثالث من مارس (آذار) تحقيقاً بالوضع في أوكرانيا.
ويمكن أن تخضع هذه المفاهيم أيضاً للولاية القضائية الوطنية عندما تكون هذه الأخيرة متخصصة في مسائل العدالة العالمية، كما هو الحال في ألمانيا وبلجيكا وإسبانيا وفرنسا وسويسرا.
جرائم الحرب
تعرف "جرائم الحرب" بأنها انتهاكات جسيمة للقانون الدولي ترتكب ضد مدنيين أو مقاتلين أثناء نزاع مسلح وتؤدي إلى تحميل مرتكبيها مسؤولية جنائية فردية، بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
وهذه الجرائم تنطبق على الانتهاكات التي تطال اتفاقات جنيف التي أقرت العام 1949 في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
وهذا التعريف أدرج في المادة الثامنة من "نظام روما"، المعاهدة المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية التي تم اعتمادها في يونيو (حزيران) 1998.
وتحدد المادة الثامنة من الاتفاق أكثر من 50 نموذجاً لجرائم الحرب، من بينها القتل والتعذيب واحتجاز الرهائن وتجنيد الأطفال للقتال والتهجير غير القانوني والهجمات المتعمدة ضد المدنيين والنهب والهجمات المتعمدة ضد بعثات المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام.
ويعتبر جرائم حرب أيضاً استخدام الغاز أو الأسلحة المحظورة بشكل عام التي يمكن أن تسبب "معاناة لا داعي لها" أو "القصف العشوائي" بمثل الأسلحة العنقودية.
وجرائم الحرب من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وهذه الهيئة القضائية الدولية التي تتخذ من لاهاي بهولندا مقراً لها أنشئت العام 2002 لتحاكم بالتحديد مرتكبي هذا النوع من الجرائم، وكذلك الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، وفي وقت أقرب جرائم العدوان.
وأحدث حكم أصدرته في هذا الإطار كان في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، وهو السجن 30 عاماً لزعيم الحرب الكونغولي السابق بوسكو نتاغاندا، وهو أقسى حكم صدر عن المحكمة الجنائية الدولية على الإطلاق بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وقعت في جمهورية الكونغو الديمقراطية أوائل العقد الأول من القرن الـ 21.
الجريمة ضد الإنسانية
وضع مفهوم الجريمة ضد الإنسانية وتعريفها في الثامن من أغسطس (آب) 1945 بموجب المادة السادسة من النظام الأساس لمحكمة "نورمبرغ" الدولية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتُعرف هذه الجريمة بأنها "القتل العمد والإبادة والاستعباد والتهجير وأي فعل غير إنساني آخر يرتكب ضد سكان مدنيين قبل الحرب أو خلالها أو الاضطهاد على أسس عرقية أو دينية".
واعتمد هذا المفهوم لمحاكمة المجرمين النازيين الذين ارتكبوا جرائم لم يكن من الممكن تصورها من قبل، وبعد ذلك أدرج هذا المفهوم في المادة السابعة من نظام روما الأساس للمحكمة الجنائية الدولية، الذي ينص على أن الجرائم ضد الإنسانية هي أفعال مثل القتل والإبادة والاغتصاب والاضطهاد وكل الأعمال اللاإنسانية الأخرى التي ترتكب "في إطار هجوم واسع أو منهجي موجه ضد أي سكان مدنيين مع العلم بهذا الهجوم".
الإبادة الجماعية
واستخدمت عبارة "الإبادة الجماعية" من وجهة نظر قانونية للمرة الأولى في محاكمات "نورمبرغ" للإشارة إلى تصفية اليهود، أصبحت بعد ذلك جزءاً لا يتجزأ من القانون الدولي في العام 1948 بموجب اتفاق الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها.
وتعرف الإبادة على أنها "جريمة ترتكب بقصد تدمير مجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بأكملها أو جزء منها".
ومن بين الأحكام التي صدرت بسبب حملات إبادة ما يأتي:
- في نوفمبر (تشرين الثاني) 1994، أنشأت الأمم المتحدة المحكمة الجنائية الدولية لرواندا ومقرها في أروشا (تنزانيا)، وبعد أربع سنوات أصدرت هذه الهيئة القضائية الدولية أول أحكامها بالسجن مدى الحياة في ما يشكل أول اعتراف بحدوث إبادة جماعية ضد أقلية التوتسي الروانديين.
- في العام 2007 اعترفت محكمة العدل الدولية بأن المجزرة التي شهدتها سريبرينيتسا شرق البوسنة حيث قتل نحو 8000 فتى ورجل مسلم عام 1995 بأيدي صرب البوسنة كانت "إبادة جماعية"، وحكمت على الزعيمين السابقين السياسي والعسكري لصرب البوسنة رادوفان كاراجيتش وراتكو ملاديت بالسجن مدى الحياة.
جريمة العدوان
في ديسمبر (كانون الأول) 2017 أضافت الدول الـ 123 الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، أي تلك التي صادقت على نظام روما الأساس وليس بينها الولايات المتحدة وروسيا، "جريمة العدوان" إلى اختصاص القضاء الدولي، وتعني هذه التهمة الاعتراف بالاعتداء على سيادة دولة من قبل دولة أخرى والسماح بمحاكمة قادتها.
و"جريمة العدوان" واردة في النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية لكنها لم تدخل حيز التنفيذ بسبب طبيعتها السياسية.