بعد 11 عاماً من الشد والجذب، أوقفت سويسرا التحقيق في شأن تهم بالفساد وغسل الأموال لاحقت عدداً من كبار المسؤولين بنظام الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك ونجليه جمال وعلاء، وقرر الادعاء العام السويسري الإفراج عن 400 مليون فرنك سويسري (أي ما يعادل 429 مليون دولار) كان جمدها نتيجة للتعاون القضائي بين البلدين.
مكتب المدعي العام في سويسرا، قال في بيان يوم الأربعاء، إن التحقيقات لم تثبت الاتهامات، بعد مرور 11 عاماً على تجميد أصول احتفظ بها مبارك وكبار المسؤولين في حكومته، وبدء تحقيقات جنائية في فبراير (شباط) 2011 عقب تنحي الرئيس الأسبق، ضمت 14 مشتبهاً فيه بينهم نجلا مبارك و28 تولوا مناصب قيادية وأدواراً اقتصادية مهمة في نظامه.
وأضاف المكتب أنه "على الرغم من الاستفسارات العديدة وتحويل 32 مليون فرنك سويسري إلى مصر عام 2018، يجب على مكتب المدعي العام الآن قبول فكرة أن التحقيق لم يتمكن من إثبات الشكوك التي تبرر توجيه اتهام إلى أي شخص في سويسرا أو مصادرة أي شيء من الأصول المتحفظ عليها".
القرار السويسري جاء بعد أسبوع من حكم المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي بإلغاء عقوبات الاتحاد المفروضة على مبارك وعائلته، وإلغاء تجميد أصولهم، وكذلك إلزام مجلس الاتحاد الأوروبي بدفع التكاليف القانونية التي تكبدتها أسرة مبارك.
وعلى الرغم من المطالب المتكررة التي قدمتها النيابة العامة المصرية والحكومات المصرية المتعاقبة بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، ذكرت وسائل الإعلام السويسرية أن الجانب المصري لم يقدم ما يكفي من المعلومات لتأكيد الصلة بين الأموال المهربة وتهم الفساد والأحكام القضائية الصادرة بحق المُشتبه بهم.
وذكر بيان المدعي العام السويسري أنه "في ظل عدم وجود أدلة تتعلق بالجرائم المحتملة المرتكبة على وجه الخصوص في مصر، فإنه من غير الممكن إثبات أن الأموال الموجودة في سويسرا يُمكن أن تكون ذات مصدر غير قانوني". وأضاف البيان "بالتالي، فإنه لا يُمكن إثبات الاشتباه في غسل الأموال بناءً على المعلومات المتاحة. وتبعاً لذلك، تتوقف التحقيقات مع خمسة من المُشتبه فيهم، والإفراج عن الأربعمئة مليون فرنك سويسري المتبقية وإعادتها إلى أصحابها المستفيدين".
أسرة مبارك تشيد بالقرار
من جهتها، أشادت أسرة الرئيس المصري الأسبق بالقرار، وقال جمال مبارك في بيان "قرار مكتب المدعي الاتحادي السويسري اليوم، بعد أكثر من عقد من التحقيقات المتطفلة والعقوبات، وإجراءات المساعدة القانونية المتبادلة، يؤكد صحة الموقف الذي كنا نتخذه طوال الوقت".
وأضاف: "كانت أصولنا وأنشطتنا وما زالت مشروعة بالكامل، وأعلن عنها للسلطات المصرية المختصة، ويمثل القرار خطوة مهمة في جهودنا لتأكيد حقوقنا وإثبات براءتنا من الادعاءات الكاذبة الصارخة الموجهة إلينا على مدى السنوات الـ 11 الماضية".
وبدوره، كتب علاء مبارك عبر حسابه على "تويتر"، "المدعى العام الاتحادي السويسري، بعد تحقيقات استمرت 11 عاماً، يبرئ وبشكل كامل علاء وجمال مبارك ويؤكد قانونية جميع أنشطتهم والأصول المرتبطة بهما. التحقيقات تكشف أن جميع الأصول المملوكة لهما أُفصح عنها بالكامل للسلطات المصرية المعنية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونشر مكتب المحاماة الذي يمثل الأخوين مبارك بياناً ذكر فيه أن التحقيقات أثبتت عدم وجود صلة مع أي "جريمة جنائية"، وأن التعاملات المصرفية المتعلقة بأموالهما في سويسرا لم تُظهر "أي معاملة مشبوهة من شأنها أن تجعل من الممكن ربط الأصول المودعة في سويسرا بعمل إجرامي"، مضيفاً "الغالبية العظمى من الأصول ناشئة عن الأنشطة المهنية لعلاء وجمال في مجال الخدمات الاستشارية المالية وإدارة صناديق الاستثمار في أسواق الأوراق المالية الدولية، وبخاصة خلال فترة الأداء الاستثنائي لتلك الأسواق في التسعينيات، التي لم يكن لها أي علاقة بمصر".
جدل قانوني وسياسي
قضية "الأموال المنهوبة" بدول ما سمي "الربيع العربي" أثارت جدلاً سياسياً وقانونياً لسنوات، وبخاصة في مصر وتونس، اللتين لم تفلح جهود حكامهما الجدد في استرداد أموال بالمليارات، أخفاها مسؤولون سابقون بالبنوك السويسرية، فيما استردت الحكومة المصرية بعض الأموال وفقاً لاتفاقيات مصالحة ونتيجة لأحكام بالبراءة منذ عام 2015 كان أبرزهم الملياردير حسين سالم الذي توفي في العاصمة الإسبانية مدريد عام 2019 بعد 8 سنوات من ملاحقته بقضايا "الاستيلاء على المال العام" في مصر، تعرض خلالها للتوقيف من قبل الإنتربول الدولي.
أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي العام في مصر، قال لـ"اندبندنت عربية" إن سويسرا من أسرع الدول بالعالم في رد "المنهوبات" بعد تجميد الأرصدة، مشيراً إلى أن عدداً من الدول استغلت تلك الميزة واستردت أموالها المنهوبة، ومن بينها نيجيريا وبيرو وبعض دول آسيا الوسطى، مستدركاً: "لا أعتقد أن مصر ستعيد فتح القضية بعد قرار السلطات السويسرية الأخير".
واعتبر سلامة أن الظروف الأمنية والسياسية الاستثنائية التي وقعت في مصر بعد ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013 حالت دون نجاح ما يقرب من 5 لجان وهيئات وطنية حكومية في اتباع الاتفاقيات الدولية والتعليمات والتوجيهات واللوائح والقوانين السويسرية الوطنية التي تحدد كيفية استرداد المنهوبات.
وأضاف أستاذ القانون الدولي: "خلال تلك السنوات توترت العلاقات بين البلدين أحياناً مع اتخاذ سويسرا قرارات بإنهاء قرارات التجميد عن بعض الأموال، أو التعنت في التعاون مع الجانب المصري، وفي عام 2017 استنكرت النيابة العامة المصرية قرار السلطات السويسرية بإغلاق التعاون القضائي معها بشأن الأموال المهربة، بزعم فشل المساعدة القضائية المقدمة من الجانب المصري. واتهمت مصر السلطات القضائية السويسرية بأنها تحاول التنصل من تطبيق نص قانوني جديد أقرته سويسرا كان من شأنه أن يتيح لمصر تلك الأموال".
سلامة أوضح أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والجريمة المنظمة عام 2003 تحدد جميع الآليات والخطوات التي تلتزم بها الدول لاسترداد أموالها، مضيفاً "لم تكن مصر وحدها الدولة التي أخفقت في استرداد منهوباتها من الدول الأجنبية، لكن هناك العديد من الدول التي مرت بالظروف نفسها ومنها تونس".