استغرق الأمر أكثر من شهر ليصل رجال الإطفاء إلى المبنى المقصوف ويبدأوا في إخراج الجثث. لو نجا أي شخص من الهجوم الروسي على مجمع الشقق في بوروديانكا، لكان قد اختنق أو مات عطشاً قبل فترة طويلة في هذا القبر الخرساني الموحش.
يدرك فاديم، الذي تقبع عائلته تحت الأنقاض، هذه الحقيقة. لكنه لا يستطيع أن يتخلى عن الأمل. محاطاً بالحزن، ينتظر الرجل البالغ من العمر 45 سنة أمام هياكل بقايا البرج السكني العالي أخباراً عن جثث أحباء له. ثمة صياد سمك كان في الخارج صدفة حينما سقط الصاروخ، ويقبض على سترته الشتائية كأنها عوامة نجاة. إنها الحيازة الوحيدة التي بقيت له في العالم.
فقط قبيل الثامنة من ذلك الصباح القارس من مارس (آذار)، فوّت مكالمة من والدته ليدا، 64 سنة، بينما كان ينقل زوجته وطفله إلى ملجأ داخل مدرسة مجاورة.
على بعد أمتار قليلة من تلك الشقق، حاول أن يتصل بأمه مرة أخرى كي يحضها على الانتقال أيضاً. قبل أن تصل المكالمة، أُلقِي في الهواء. انقلب العالم إلى الأحمر والأبيض ورأساً على عقب. انفجرت السماء وانهارت في الوقت نفسه. عندما استقر الغبار، كان مركز المبنى المكون من تسعة طوابق قد اختفى، وحلت محله كتلة من النيران.
"كانت الضربة شديدة للغاية، لم أر أي شيء من هذا القبيل قط. لقد رمتني على الأرض"، يقول أمام المجمع المفتوح على السماء. الآن، باتت الشقة الواقعة في الطابق الثاني، حيث كانت تعيش أمه وأخوه وزوجة أخيه وأم زوجته، كومة من الخرسانة المحروقة.
ويواصل فاديم حديثه، "لا أدري إذا كانوا قد تمكنوا من الوصول إلى الطابق السفلي، لكن حتى لو فعلوا، لم يكن هناك أي سبيل للوصول إليهم. حاولت ذلك مرات عدّة، جاء القصف شديداً للغاية وكان الأمر مستحيلاً. لم يكن بوسعنا أن نفعل أي شيء غير تركهم هناك".
في الأيام التالية، مُسِحت مناطق في بوروديانكا، التي تبعد 26 ميلاً (42 كيلومتراً) إلى الشمال الغربي من كييف، بقصف جوي وبري قبل أن تقتحم القوات الروسية المنطقة وتحتلها، وتنهب المحال وتحرقها، وتطلق النار على أولئك الأوكرانيين الذين تجرأوا على المغامرة بالخروج إلى أماكن مكشوفة. وقُطِعت شبكات الهاتف وخطوط الطاقة، وشحّت الأغذية والمياه.
وبالتالي لم يكن مستطاعاً تنفيذ عملية الإنقاذ حتى حلول يوم الخميس، حين انسحبت القوات الروسية من هناك. ووفق السلطات، انتُشِلت أربع جثث من ركام الخرسانة والفولاذ بعد ظهر ذلك اليوم، بما في ذلك جثة طفل، وكانت الجثث متفحمة ما جعل التعرف على أصحابها مستحيلاً.
"لماذا استُهدِف هذا المبنى؟ لم يكن هناك جندي أوكراني واحد في البلدة عندما بدأت الحرب. كنا مجرد عائلات مع أطفال"، وفق فاديم.
"أتشبث بالأمل لكنني أيضاً لا أؤمن بالمعجزات. أريد على الأقل أن أعثر على الجثث حتى أتمكن من دفنها على النحو اللائق"، يضيف ثم ينفجر بالبكاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لقد غدت أسماء بوروديانكا، وبوتشا، وإيربين، وهوستوميل، وماكاريف مرادفة لبعض أكثر الأفعال الروسية وحشية. قبل أن يدمرها العدوان الروسي على كييف حين شن الرئيس بوتين حربه على أوكرانيا في 24 فبراير (شباط)، كانت بلدات هادئة على مقربة من العاصمة وغير معروفة عالمياً.
وبرز رعب متصاعد على مدى الأسابيع القليلة الماضية تركه أولئك الذين رحلوا. والآن بعد انسحاب القوات الروسية من الشرق، كُشِف عن الحجم الحقيقي لهذه الأعمال الوحشية. ويُعتقَد أن المئات إن لم يكن الآلاف، قد لقوا حتفهم. وأعلنت المدعية العامة الأوكرانية إيرينا فينيديكتوفا، الجمعة، العثور على 650 جثة، 40 منها لأطفال، في منطقة كييف، فيما يستمر البحث عن مزيد من الجثث.
وتنكر روسيا مراراً وبقوة استهداف المدنيين وارتكاب جرائم حرب. وأفاد الكرملين، الثلاثاء، بأن المزاعم الغربية عن إعدام مدنيين في بوتشا، في شكل خاص، كانت "تزويراً وحشياً" يستهدف تشويه سمعة الجيش الروسي.
لكن في أكثر من 12 مقابلة، ناقض سكان هذه البلدات هذه المزاعم بشكل واضح. وأبلغوا عن إعدامات عرفية وتعذيب وإطلاق نار على مدنيين أثناء محاولتهم الحصول على إمدادات أو الفرار. وأُفِيد بأن بعضهم اغتُصِبوا.
وصادفت "اندبندنت" قبوراً جماعية ومواقع إعدام وقبوراً مؤقتة ومواقع تعذيب مزعوم. في بوروديانكا، تشوه آثار كبرى للحرب كل مبنى تقريباً في وسط البلدة؛ ونُهِبت المحلات كلها تقريباً. وتنتشر صناديق أحذية فارغة في الشوارع الرئيسة. ويفيد سكان محليون، إن الروس نهبوا متجر أحذية وجربوا كل زوج منها للتأكد من المقاس.
وتقول جماعات حقوقية من بينها "هيومن رايتس ووتش"، إنها وثقت حالات متعددة لجرائم حرب محتملة. وتحظر قوانين الحرب القتل العمد والاغتصاب والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية للمقاتلين الأسرى والمدنيين المحتجزين. كذلك يُحظَّر السلب والنهب.
وتردد ميشيل باشيليت، المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، هذه التحذيرات. ويفيد مكتبها بأن الفظائع المكتشفة في هذه البلدات تمثل حضيضاً جديداً في هذه الحرب، مع بروز حالات تدنيس لجثث الضحايا بعد موتهم.
وتروي الشهادات التي جمعتها "اندبندنت" القصة الحقيقية لهذه الحرب الدامية، وتسلط الضوء على قواعد اللعب الروسية في أنحاء البلاد كلها مع استمرار هجوم بوتين.
"لقد تُرِكنا هنا لوحدنا، مهجورين، بلا ماء، بلا طعام، بلا كهرباء، بلا إضاءة"، بحسب يوليا أخت فاديم، 31 سنة، التي تبكي في انتظار أنباءٍ عن جثة والدتها. وتضيف، "لم نحصل على أي تحذير، وفي لحظة انهار عالمنا من حولنا".
"حياتي كادت أن تنتهي بهذه الطريقة الغبية"
أجبر الجنود الروس رومان البالغ من العمر 15 سنة على الركوع، ودفعوا وجهه إلى التراب، ثم أطلقوا عيارين تحذيريين بجوار رأسه.
وبفارق ضئيل، أخطأته الرصاصات التي أطلقت على والده فيكتور (40 سنة) وجارٍ له كان راكعاً ووجهه على الأرض بجانبه. لقد صُفُّوا بهدف "إعدامهم" في ساحتهم الخلفية في بوتشا.
وذكر أحد الجنود ساخراً وهو يضغط فوهة مسدسه على رقبة رومان، "ربما يمكننا التخلص من المسنين والعفو عن الشاب".
قبل ذلك بلحظات، كان رومان ووالده يصلحان سقف مبناهما المدمر جزئياً بعد اختبائهما في ملجأ محصن خلال ثلاثة أيام من القصف المكثف من دون طعام أو ماء. ولم يعجب الأمر مجموعة من الجنود الذين كانوا يحتلون المنطقة، وأمرت بإعدامهما عرفياً.
يقول المراهق بصراحة، "لا أتذكر إلا انزعاجي من أن حياتي ستنتهي على هذا النحو الغبي. لكن في اللحظة الأخيرة جاء قائدهم وأمرهم بعدم قتلنا".
وتقول والدته تانيا، 37 سنة، إن عمه لم يكن محظوظاً مثلهم، وتضيف، "قُتِل بينما كان يحاول العثور على الطعام، لكننا لا نعرف السبب".
ويقول رومان، إنهم عثروا أيضاً على جار كانت جثته قد أكلتها الجرذان بالكامل تقريباً، وامرأة كانت قد أُطلِقت عليها النار في رأسها، وكان نصفها مفقوداً.
ويضيف بهدوء مذهل، "لم يكن بوسعنا أن نتعرف عليها إذ لم يبقَ ما يكفي من وجهها".
يبدو شارعه المسمّى "فوكزالنا"، مدمراً. فكل بيت، باستثناء بيت رومان، ضربه مخلب عملاق. وفي الوسط توجد البقايا المتفحمة لـ12 مدرعة روسية متروكة. إنها طابور تعرض في وقت مبكر من الحرب إلى نيران أوكرانية شرسة.
وتفيد السلطات الأوكرانية بإن 300 شخص على الأقل قُتِلوا في بوتشا، سقط نحو 50 منهم في إعدامات عرفية، والحصيلة مرشحة بالارتفاع مع اكتشاف جثث جديدة يومياً. والكلمة الوحيدة الصالحة لوصف بوتشا والبلدات المحيطة، هي إنها مسكونة بأرواح من ماتوا.
هناك، تهب الرياح عبر الهياكل الصدئة للمتاجر والمطاعم ومحال السوبرماركت، وهي بقايا ما كانت عليه البلدات ذات يوم. فالصواريخ والألغام غير المنفجرة عالقة في الطرق. وحُفِرت على جدران المنازل والأسوار عبارة "لم نغادر" و"أطفال في الداخل" في محاولة يائسة لتجنب استهدافها من قبل القوات المتقدمة. ومع ذلك، جُرِفت الساحات الأمامية بجنازير الدبابات.
في المقابل، يكمن الرعب الحقيقي في الجثث، بالأحرى أجزاء الجثث، المبعثرة في كل مكان. فقد عُثِر على عشرات المدنيين وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم وقد أُطلِقت النار عليهم. ولا يمكن التعرف على جثث أخرى إلا بسبب أجزاء لعمود فقري أو فك متفحم عالق داخل دبابة روسية منقلبة رأساً على عقب.
وكانت اللحظات المرعبة الأخيرة للعائلات الفارة متجمدة في لوحة مخيفة، تتضمن أنه في أحد أحياء بوتشا، ثمة سيارة محطمة منقلبة على رصيف مرتفع، وغطاء المحرك محطم بقذيفة، بينما يتدلى على الجانب مقعد لطفل لا يزال مربوطاً بحزام للأمان.
وفي هوستوميل، إلى الشمال من بوتشا مباشرة، خارج أحد المنازل، تلطخ شظايا جمجمة ودماغ وسادة هوائية، بمحاذاة ثلاثة ثقوب واضحة لطلقات نارية تخترق مسند رأس السائق. ودُفِنت جثة الضحية، وهي امرأة قُتِلت بالرصاص في حين كانت تقود سيارتها مع ابنها البالغ من العمر 11 سنة، وفق ما شرحت عائلة أنقذت الصبي. فقد وُجِد يصرخ وهو عالق تحت جثة والدته بعدما فارقت الحياة.
ثم هناك القبور.
في كل من بوتشا، وهوستوميل، وماكاريف، وبوروديانكا، أصبحت الحدائق المشتركة لشقق من الحقبة السوفياتية، قبوراً مؤقتة إذ كان من الخطورة بمكان نقل الجثث إلى المشارح.
في بوتشا، التقينا هيلينا، 61 سنة، التي دلتنا على ثلاثة قبور ساعدت في حفرها خارج نافذة شقتها. اثنان يحتويان على رجلين عاشا في المبنى وأُطلِقت النار عليهما (أحدهما حُطِّم رأسه بأداة غير حادة أولاً). أما الثالث، وهو رجل يُدعَى ليونيد، فقُتِل بقنبلة يدوية أُلقِيت على شقته "بغرض التسلية".
وتضيف وهي تبكي قرب قبره، "كان هذا المشهد الأكثر فظاعة الذي رأيته على الإطلاق. لقد قرعوا بابه [و] قذفوا بالقنبلة اليدوية إلى الداخل للتسلية. وفقد ساقاً ونصف وجهه. وتحلّت قلة منا بالشجاعة الكافية لمجرد دفنه".
وفي حي آخر، يخرج عدد قليل من السكان من ظل مجموعة مخيفة من الشقق ليعرضوا على "اندبندنت" قبراً حُفِر على عجل، لرجل أُطلِقت عليه النار علناً في الساحة المركزية في 16 مارس (آذار) لأن الروس اتهموه بالتصوير من نافذته.
"كنا خائفين للغاية من دفن الجثة في البداية لأنهم أطلقوا النار على أي شخص مشى إلى الخارج. ثم بدأت الكلاب تأكله، لذلك سألنا عما إذا كان بوسعنا على الأقل أن نغطيه بالتربة"، تقول آنيا، 70 سنة.
ويروي السكان إن هذه مجرد واحدة من ثلاث حالات إعدام عرفية وقعت في هذا المجمع وحده. وفي حالة أخرى، يبدو أن صبياً يبلغ من العمر 14 سنة نجا لأنه تظاهر بالموت بجوار جثة والده.
ويأخذنا ألكسي، 43 سنة، الذي عاش فوقهما بطابقين، في جولة حول المبنى، عارضاً المكان الذي خلعت فيه القوات الروسية باب كل شقة ونهبتها. اختفت التلفزيونات والكمبيوترات والملابس وحتى المناشف.
الرصيف أمام المبنى مغطى بالنقود المعدنية. "لقد نهبوا المجمع السكني كله، وصولاً إلى حصالات الأطفال. كانوا يفتحونها هنا"، يورد أليكسي باستهجان.
ويضيف، أن السكان اضطروا إلى حماية أنفسهم من خلال سد النوافذ بغسالات ومدافئ. "كنا في حاجة إلى حماية أنفسنا من القناص الذي كان يطلق النار على الناس من تلك النافذة".
"توقفنا عن إحصاء الجثث عند الجثة المئة"
على الطريق من بوروديانكا إلى ماكاريف، تكاد الجثة المحروقة جزئياً تكون مموهة أكثر مما ينبغي، فلا يمكن رصدها وسط ظلال الغابة.
ترتدي الجثة بنطالاً من الجينز وقميصاً بمربعات، ويداها ورجلاها مقيدة. إنها أصغر حجماً من أين يكون صاحبها بالغاً. يقدر الجنود الأوكرانيون الذين عثروا عليها قبل ثلاثة أيام أثناء إزالة ألغام من المنطقة أنها لفتى لا يزيد عمره على 16 سنة.
وعلى بعد لا يزيد على خمسة أمتار خلفها يقع الخندق الروسي الأول. وبعد 10 أمتار من الخندق هناك معسكر روسي من الواضح أنه تُرِك على عجل. فقد تُرِك إبريق لصنع القهوة، فيما لا يزال تفل البن في قعر إبريق آخر. وثمة جوارب وملابس داخلية متروكة لتجف على شجرة. وفي الوسط قن للدجاج، فيه دجاجتان تأكلان من كيسين مفتوحين للحبوب. وهناك عدة خياطة نصف مفتوحة وعشرات الأزرار. وتُرِك مطبخ مؤقت من دون أن تُمَس الإمدادات كلها.
ويضيف جندي يرفض إعطاء اسمه لأسباب أمنية، "عثرنا على ثلاث جثث أخرى لجنود أوكرانيين كانت أيديهم أيضاً مقيدة خلف ظهورهم على بعد بضع مئات من الأمتار. ولا نزال نحاول تحديد هوية هذا المراهق والتعرف على ما حدث".
ويبدو أن هذا المراهق هو واحد من عشرات المدنيين الذين أطلق عليهم الجيش الروسي النار في ماكاريف، وفق مسؤولين محليين. ولم تتمكن "اندبندنت" من التحقق من عدد الوفيات الحقيقي، لكنها جمعت شهادات في منطقة كييف، وكذلك شاهدت جثثاً تشير إلى أن هذه الممارسة كانت سائدة.
وفي ديميديف، الواقعة على بعد خمسة كيلومترات إلى الشمال من كييف، وقد احتُلَّت في اليوم الأول من غزو القوات الروسية، يروي دينيس، 27 سنة، الذي تطوع لتوزيع الأغذية والأدوية في البلدة، لـ"اندبندنت" إنه تعرض إلى إطلاق للنار والضرب والتجريد من الملابس والتعذيب في طابق سفلي من قبل القوات الروسية.
بعد شهر من بدء الحرب، اتهمته القوات الروسية وأحد أصدقائه، وهو أيضاً متطوع، بالكشف سراً عن مواقع روسية للقوات الأوكرانية بعدما أسفر قصف عن مقتل ثلاثة جنود روس في بيت كانوا يستخدمونه.
ويحكي دينيس إن الجنود أطلقوا النار عليهما وضربوهما وجردوهما من ملابسهما ثم حشروهما في الصندوقين الخاصين بمركبتين. وبعد ذلك، أُخِذ الإثنان كُلاً على حدة إلى طابقين سفليين مختلفين حيث تعرضا إلى الضرب، وهما ينزفان وجريحان، حتى إطلاق سراحهما.
ويضيف الشاب، "هددونا بقطع رأسينا وظلوا يرددون "مات جنودنا بسببكما". كانوا سكارى ويضربوننا باستمرار. وتبدو قدم صديقي كلحم مفروم".
في مستشفى في كييف، تشير تانيا، 50 سنة، من موشون، وهي بلدة أخرى في ضواحي كييف، إلى إن جنوداً عدوانيين أطلقوا النار على زوجها في اليد والكتف والساق، لأنه حاول الخروج لإطفاء نيران قريبة أشعلها القصف.
وتوجب عليها أن تصنع عصبة من أغطية السرير لوقف النزيف أثناء انتظارهما لفريق إنقاذ.
وبينما تتحدث تانيا مع "اندبندنت" فإن أجزاء من ساق زوجها يجري بترها. وتضيف، "أُطلِق علينا الرصاص أيضاً حين حاولنا مرتين من دون جدوى الفرار إلى بر الأمان. لقد أطلقوا يطلقون النار على أي شخص يحاول الفرار".
وفي بوتشا، في الوقت نفسه، ينقل الأب أندريه، من كنيسة القديس أندريه بيرفوزفانيي [أندراوس أول المدعوين] وجميع القديسين، إن معظم الجثث التي تلقاها تعرضت إلى إطلاق للنار وكانت أيديها مقيدة خلف ظهورها. وحملت جثث أيضاً علامات تعذيب وكانت معصوبة الأعين.
واضطر القس إلى حفر خندقين ضخمين خلف القباب المتألقة لكنيسته حينما أصبح من الخطورة بمكان أن يغامر بالوصول إلى المقبرة المجاورة، فيما فاضت المشارح بما فيها.
ويحكي الأب أندريه مشيراً إلى الحفرة، "في البداية كانت تصلنا أكياس الجثث من المشرحة لكنها سرعان ما نفذت حتى اقتصر ما نستطيع أن نفعله على وضع الجثث في هذه الحفرة"، ويضيف، "لا نعرف عدد المدفونين هنا. توقفنا عن الإحصاء عند الجثة المئة".
ووفق قوله، إن التعرف على الجثث يشكل كابوساً. لقد استُخرِجت الآن وأُرسِلت إلى كييف. وارتجل السكان المحليون حلولاً. فقد دُفِنت امرأة أُطلِق عليها النار بينما كانت تحاول الفرار من بوتشا في سيارتها، مع لوحة رقم سيارتها للمساعدة في التعرف عليها لاحقاً.
"كان الأمر شخصياً"
في بوروديانكا، لا يستطيع فاديم وأخته يوليا أن يفعلا سوى الوقوف والانتظار. الأصدقاء الذين كانت لديهم معارف هنا أيضاً يتجمعون باكين. يعمل رجال الإطفاء بجد لفتح طبقات الخرسانة بحثاً عن جثث. وفي الوقت نفسه، يعمل جيش من المتطوعين على تنظيف الشوارع المهجورة.
يحكي فاديم مستجمعاً كلماته بعد أن توقف مرات عدة، "ليس لدي أي تفسير لما حصل سوى إنه نُفذ بشكل متعمد". ويستكمل أفكاره، "من الواضح أنها منطقة سكنية، ولا قيمة استراتيجية لها غير ترهيب السكان".
ويعمل فاديم مع أخته على إعادة رسم الخط الزمني للهجوم، ويدركان أن حدة القتال تصاعدت بعد تدمير طابور من القوات الروسية.
ويستنتج، "الطريقة الوحيدة لرؤية ما جرى هي أن الهجوم المتعمد على المدنيين كان شخصياً. كان كراهية. كان انتقاماً".
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 10 إبريل 2022
© The Independent