ذكر تقرير حديث أنه إذا كانت روسيا تريد التهرب من العقوبات، فيمكنها أن تتعلم من "قواعد اللعبة الإيرانية". ونظراً لأن روسيا تواجه عقوبات غير مسبوقة على جميع قطاعات اقتصادها تقريباً، فقد تضطر إلى اللجوء إلى حليف موثوق به يتمتع بأكثر من أربعة عقود من الخبرة في عمليات الحظر الغربية.
وحتى حرب أوكرانيا، كانت إيران الدولة الأكثر معاقبة في العالم التي تتابع العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية على روسيا. وتحتفظ روسيا الآن بهذا الرقم القياسي في ما يسميه المحللون "زواج المصلحة"، الذي من المرجح أن يزداد قوة مع تصاعد الحرب في أوكرانيا.
يرى جورجيو كافييرو، الرئيس التنفيذي لشركة "غلف ستيت أناليتكس"، أن "المصالح المشتركة في مساعدة الآخرين على التهرب من العقوبات مهمة لهذه الديناميكيات في العلاقات الروسية الإيرانية".
إيران أصبحت سيدة المرواغة عالمياً
ووسط حصار جوي متبادل بين موسكو والغرب، قال وزير النقل الروسي فيتالي سافيلييف في تصريحات سابقة، إن بلاده "تدرس حالة إيران" لمساعدتها في "التعامل مع العقوبات المفروضة على الصيانة وقطع الغيار". وفي الوقت نفسه، لا تزال إيران تشغل بعض الطائرات التي جرى شراؤها قبل الثورة الإسلامية عام 1979 التي مزقت علاقاتها مع الغرب.
وأشار كافييرو إلى اتفاق 2015 الذي وضع قيوداً يمكن التحقق منها على برنامج إيران النووي المصمم لمنع البلاد من الحصول على سلاح نووي. ولفت إلى أن عزلة إيران ستدفع طهران إلى جعل نفسها مفيدة للكرملين.
وبعد عقود من القيود الاقتصادية الغربية، أصبحت طهران "سيدة المراوغة"، باستخدام الأسواق غير المشروعة والتلاعب في تعقب السفن للالتفاف على العقوبات. وفي الوقت الحالي، تعيش روسيا أزمة مماثلة حيث يشدد الغرب على موسكو في محاولة لشل مجهودها الحربية.
لكن هل تستطيع روسيا أن تحذو حذو إيران في الالتفاف على العقوبات الغربية؟ يقول بعض المحللين، إنه كذلك بالفعل. فقد فرضت الولايات المتحدة ومجموعة الدول السبع الغنية والاتحاد الأوروبي سلسلة من العقوبات غير المسبوقة على روسيا منذ حربها على أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) الماضي.
لكن أكبر ضربة ستكون للطاقة الروسية، التي شكلت بحلول عام 2020 أكثر من نصف صادرات روسيا. وقد حظرت الولايات المتحدة وبريطانيا بالفعل النفط الروسي. واليوم، يفكر الاتحاد الأوروبي- الذي لا يزال يعتمد بشدة على إمدادات روسيا- في خطوة مماثلة، لكنه لم يتوصل بعد إلى توافق في الآراء بشأن هذه المسألة.
إحدى الطرق التي يمكن لروسيا أن تتعلم من خلالها النجاة من العقوبات المحتملة على نفطها هي تغيير السفن وإعادة تصنيف مزيجها، وهو تكتيك استخدمته إيران خلال السنوات الماضية.
ففي عام 2012، أفادت وكالة "رويترز"، بأن إيران أخفت في الماضي ملايين براميل النفط قبالة موانئ غير معروفة في آسيا هرباً من العقوبات الغربية. وقد سمحت عمليات نقل البراميل في منتصف الليل من سفينة إلى أخرى لإيران بالتنكر تحت أعلام مختلفة وبيع نفطها. إلى جانب حرص المشترين الآسيويين على عدم لفت انتباه المراقبين الغربيين. وأوضحت أن إيران لم ترد على طلب للتعليق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كيف يمكن خداع التاجر والسلطات الرسمية؟
يقول كورماك ماك غاري، الخبير الأمني في شركة "كونترول ريسكس"، إن "حوالى 8 في المئة من أكبر ناقلات النفط في العالم تعمل الآن في تهريب النفط الخاضع للعقوبات، والذي يضم إلى حد كبير منتجاً إيرانياً وفنزويلياً". وأضاف: "Ghosting هي الآلية الأكثر استخداماً، حيث تقوم السفن بإيقاف تشغيل أنظمة تحديد الهوية الأوتوماتيكية الخاصة بها أثناء نقل البضائع من سفينة إلى أخرى".
وتابع: "الحيلة هنا هي أن الناقلة الثانية قد تبدو ممتثلة تماماً للعقوبات، ويمكن خداع التاجر أو المستهلك للاعتقاد بأنهم اشتروا شحنة غير مصرح بها".
وفي تقرير حديث، قالت شركة "وايند وورد"، وهي شركة استخبارات بحرية إسرائيلية، إنها حددت خلال الشهر الماضي تجارة النفط الخام الروسية تحت الرادار، حيث كانت هناك عمليات نقل من سفينة إلى أخرى بين ناقلات نفط غادرت من الموانئ الروسية مع ناقلات نفط أخرى. ووصلت الناقلات التي شاركت في هذا النشاط إلى أميركا الشمالية وآسيا وروسيا وأوروبا.
وكتبت "وايند وورد" في مدونة: "بينما تعمل القيود الجديدة على تغيير سلوك السفن... يبدو أن بعض الشركات تحافظ على أعمالها كالمعتاد، من خلال إخفاء أفعالها ومحاولة إبقاء الهيئات التنظيمية في الظلام".
وفي حالة إيران، تم استخدام الأراضي الماليزية النائية كنقاط "مزج" أو "إعادة وضع علامة تجارية"، حيث يُخلط النفط الإيراني ويباع كمنتج غير إيراني للمشترين الدوليين. وكانت "الخلطات الماليزية" بوابة معروفة للتهرب من عقوبات النفط، حيث يستخدم المشترون الآسيويون- وخصوصاً الصينيون- المزيج المعاد تسميته لشراء النفط الخاضع للعقوبات.
وتسلك روسيا بالفعل مساراً مشابهاً، وقد أعيد تسمية نفطها الآن باسم "مزيج لاتفي"- مزيج روسي بنسبة 49.99 في المئة ممزوج بزيوت أخرى ويصنف على أنه لاتفيا. وذكرت وكالة "بلومبيرغ"، أن شركة "شل" البريطانية للنفط والغاز اشترت النفط الخام. ويرى المحللون أن التعامل مع النفط الخاضع للعقوبات يهدد بضرر السمعة والمال، لكن الطلب على النفط الخام قد يدفع بعض المشترين إلى أعماق الأسواق السوداء.
ويرى إسفانديار باتمانجليج، المؤسس والرئيس التنفيذي لمؤسسة "يوريس أند بازار"، أن "أسواق السلع تتعرض للضغط بالفعل بسبب مخاوف الإمداد، ولذا ليس من الواضح أنه يمكن استبدال الإمدادات الروسية".
تكتيك جديد من خلال شركات الواجهة
ووفق شبكة "سي أن أن"، فمن الناحية المالية، أنشأت إيران شبكة غامضة تستخدم شركات واجهة ومعاملات غير مباشرة لغسل الأموال وتفادي العقوبات، كما يقول المحللون، والتي يعتقد البعض أنها قد تكون معروضة للاستخدام الروسي.
ويقول ريتشارد نيفيو، الباحث في مركز كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية في نيويورك، والذي كان يشغل سابقاً منصب نائب رئيس قسم العقوبات في وزارة الخارجية ومدير الشؤون الإيرانية في الولايات المتحدة، إن هذه الشركات تُستخدم لإعطاء مظهر بأنه لا توجد صلة بإيران. وأشار إلى أن شركات الواجهة هي تكتيك من المرجح أن روسيا ستكون حريصة على التعلم منه.
وأضاف: "أعتقد أن إيران ستكون مستعدة لمساعدة روسيا فيما يتعلق ببعض أدوات التهرب من العقوبات، لكن بالطبع، هذا يفترض أن إيران يمكنها إتاحتها بسهولة". وأشار إلى أن التهرب من العقوبة ليس بالمهمة السهلة. وبينما يؤدي العثور على شركاء متواطئين إلى تأخير الانهيار الاقتصادي على المدى القصير، فإنه لا يزال يحد من فرص الربح على المدى الطويل.
وتابع: "الدرس الرئيس الذي يجب أن تستخلصه روسيا من تجربة إيران هو أن التهرب من العقوبات ومقاومة العقوبات أمر صعب... في أحسن الأحوال، يمكن لروسيا أن تهدف إلى إظهار قدرتها على الصمود أمام العقوبات، لكن هذا يعني فقط درء انهيار اقتصادي جامح... وهذا هو السبب في أن التكلفة الحقيقية للعقوبات هي تكلفة الفرصة الضائعة للنمو الضائع".