تشارك تونس في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي التي تنطلق، من 18 إلى 24 أبريل (نيسان)، ويمثلها وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي. وتسعى تونس إلى توقيع اتفاقية جديدة مع الصندوق، تستفيد بمقتضاها من قرض قيمته 4 مليارات دولار، لتعبئة موارد خارجية لسد العجز الحاصل في موازنة 2022 وتسديد ديونها، وقد اشترط الصندوق تركيز إصلاحات هيكلية للاقتصاد التونسي، وأهمها تخفيض كتلة الأجور في القطاع العام ومراجعة الجباية وإصلاح المؤسسات العمومية ورفع الدعم.
وكانت تونس انطلقت منذ أسابيع في جولات من النقاش مع ممثلين عن الصندوق، وصفها مسؤولون تونسيون بالإيجابية. كما اتخذت الحكومة جملة من الإجراءات التي تندرج في نهج الإصلاحات المطلوبة من قبل المانحين، ومنها الرفع التدريجي للدعم على عدد من المواد والمضي في المفاوضات مع الشريك الاجتماعي بشأن إصلاح المؤسسات العمومية.
من جهته، ذكر صندوق النقد الدولي أن محادثاته الأولية مع تونس كانت شفافة وصريحة. وصرّح خبراء لـ"اندبندنت عربية" بأن تونس تسير في اتجاه توقيع اتفاقية جديدة مع صندوق النقد، وعلى الوفد التونسي المشارك، بداية الأسبوع المقبل، في اجتماعات الربيع بواشنطن أن يستغل الفرصة لتحقيق لقاءات مثمرة مع ممثلي الصندوق.
تنبؤات البنك الدولي
ويغادر الوفد التونسي في 18 أبريل متجهاً إلى واشنطن، لحضور اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي ومجالس محافظي مجموعة البنك الدولي، التي يشارك فيها محافظو البنوك المركزية ووزراء المالية والتنمية وكبار المسؤولين من القطاع الخاص وممثلون عن منظمات المجتمع المدني، إضافة إلى أكاديميين لمناقشة القضايا موضع الاهتمام العالمي، بخاصة الآفاق الاقتصادية العالمية واستراتيجيات استئصال الفقر والتنمية الاقتصادية، وفاعلية المعونات المقدمة من المانحين، بعد أن اجتمعت تداعيات الأزمة الصحية العالمية، والصراعات الإقليمية التي أفضت إلى الحرب الأوكرانية، لتؤدي إلى هشاشة اقتصاديات البلدان النامية.
وتونس من البلدان التي تواجه مخاطر الهشاشة وعدم الاستقرار الاقتصادي، إذ زادت الحرب الأوكرانية من عمق أزمتها الاقتصادية التي توشك أن تهدد أمنها الغذائي وقطاع الطاقة، فضلاً عن زيادة التهديدات المتصلة بتسديد الديون. وفي تنبؤاته الخاصة بعام 2022، خفض البنك الدولي، نسبة نمو الاقتصاد التونسي إلى 3 في المئة، بعد أن توقع في بياناته، مطلع العام الحالي، نسبة قُدّرت بـ3.5 في المئة. وقال البنك إن نمو الاقتصاد التونسي خلال 2022 سيكون مدعوماً بانتعاشة النمو العالمي بعد جائحة "كوفيد-19". ولاحظ أن نسبة النمو في نهاية المطاف ستحقق مكاسب، لكنها تبقى متواضعة لتصل إلى حدود 3.5 في المئة على المدى المتوسط، في ظل التحديات الهيكلية الموجودة والظرف الاقتصادي وعدم اليقين بشأن الحرب في أوكرانيا والعقوبات المرتبطة بها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما توقع البنك أن تبلغ نسبة التضخم 6.5 في المئة عامي 2022 و2023، وأن تصل نسبة الفقر إلى حدود 3.4 في المئة عام 2022، و3.1 في المئة خلال 2023، وأن يتراجع دخل الأشخاص الفقراء الذين يعيشون في ظل أوضاع هشة، وهم من يبلغ دخلهم اليومي 5.5 دولار أميركي، من 18.9 في المئة عام 2022 إلى 17.7 في المئة خلال 2023، مؤكداً أنهم لن يعودوا إلى المستويات السابقة قبل 2024.
وبيّن البنك أن الآفاق الاقتصادية لتونس تبقى غير واضحة، بخاصة أن الصلابة الاقتصادية عام 2021 كانت معتدلة والمخاوف المتصلة بسداد الديون لا تزال قوية بفعل عجز الموازنة والحاجات المرتفعة للتمويل.
ورأى البنك أن العوامل الكامنة وراء هذا النمو المتواضع هي ارتباط الاقتصاد الوثيق بالسياحة وهامش الموازنة المحدود ومناخ الأعمال الصعب، إلى جانب القيود المفروضة على الاستثمار والمنافسة. وأكد أن تونس باعتبارها بلداً مورداً للطاقة والحبوب، تبقى هشة أمام ارتفاع الأسعار الدولية للمواد الأولية بفعل انعكاسات الحرب الأوكرانية، وأوضح أن تسريع النمو وحماية التوازنات الاقتصادية الكبرى يتطلبان تنفيذاً سريعاً للإصلاحات، إذ تواجه البلاد صعوبات تتصل بالاستمرار في دعم المواد الغذائية، وسيؤدي ارتفاع سعر البترول إلى تأخير الإصلاحات، بحكم أن حجم الدعم سيرتفع بالتوازي مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة في السوق العالمية.
صعوبات وتحفظات
يشار الى أن تونس تشكو عجزاً في موازنة 2022 قدره 9.2 مليار دينار (3.06 مليار دولار)، بالتالي تحتاج إلى تمويل في شكل موارد خارجية تقدّر بـ20 مليار دينار (6.66 مليار دولار)، بحكم حاجتها إلى 10 مليارات دينار (3.33 مليار دولار) لتسديد أصل الدين بعنوان خدمة الدين للسنة الحالية، إضافة إلى سد العجز. كما يعاني البلد، الذي شهد عدم استقرار سياسي على امتداد الأعوام الـ12 الماضية، من تواضع مستوى النمو الذي لم يتجاوز معدله السنوي 1 في المئة طوال هذه المدة. وبلغت نسبة النمو 3.1 في المئة عام 2021، لكنها وُصفت بنتيجة آنية لاستعادة النشاط بعد إجراءات الغلق وليس بالانعكاسات المصاحبة لتطور الإنتاج. فقد تنامى عجز الميزان التجاري ليصل إلى 4.3 مليار دينار (1.4 مليار دولار) في الربع الأول من 2022. وارتفع التضخم إلى 7.2 في المئة في مارس (آذار). بينما فاقت نسبة البطالة 18 في المئة عام 2021. وبلغت نسبة المديونية 84 في المئة من الناتج المحلي الخام بـ114 مليار دينار (38 مليار دولار)، ما أدى إلى انحدار الترقيم السيادي لتونس إلى caa 1 مع آفاق سلبية لدى وكالة "موديز"، وccc لدى وكالة "فيتش رايتنغ". ومنع تراجع التصنيف تونس من الخروج إلى السوق الدولية للاقتراض طوال العامين المنقضيين. واضطرت إلى اللجوء للسوق المحلية، ما أثر في أداء الاقتصاد بسبب إقراض البنوك المحلية للدولة وتراجع الاستثمار الذي يشكو نقصاً في التمويل.
واستهلت النقاشات مع وفد من صندوق النقد، الذي زار تونس، خلال شهر مارس، وأوضح وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد أن المحادثات لا تزال مستمرة، في وقت ذهبت وزيرة المالية سهام بوغديري إلى القول إن الانطباعات الأولية لوفد صندوق النقد الدولي كانت جيدة. وشرح سعيد، "نحتاج إلى الاتفاق مع الصندوق لطمأنة الأسواق المالية الدولية، وسيساعدنا على تقوية ثقة المانحين والشركاء الماليين الذين يلعبون دوراً كبيراً في تطوير الاقتصاد التونسي". وأكد أنه تم عقد سلسلة من جلسات العمل مع خبراء صندوق النقد، وعرض الفريق الحكومي الخطة الإصلاحية التي يعمل على تطويرها في مجالات عدة، على غرار الوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية والدعم والجباية، مضيفاً، "نعمل بالشراكة مع المنظمات الوطنية، ونحن على تواصل مع الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة الأعراف)، ومع الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية)".
بوادر انفراج
المدير العام السابق للسياسة النقدية في البنك المركزي التونسي محمد سويلم اعتبر أن بوادر انفراج للأزمة المالية لاحت منذ انطلاق السنة الحالية، ومن شأن الحضور التونسي في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي أن يسهم في تحقيق تقدم في الملف التونسي لدى صندوق النقد.
وأشار إلى حصول تونس، مستهل الشهر الحالي، على قرض من البنك الدولي بقيمة 400 مليون دولار، خُصص لتمويل مشروع دعم الحماية الاجتماعية من أجل التصدي العاجل لجائحة كورونا، إضافة إلى قرض ثانٍ من البنك الأفريقي للاستيراد والتصدير قدره 700 مليون دولار خلال الأسبوع الماضي، وهي مؤشرات إلى استعادة الثقة التي من شأنها أن تعزز مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي.
وقال سويلم إن اجتماعات الربيع تقنية بامتياز، ولا تنطوي على لقاءات سياسية. لكنها توفر فرصة للوفد التونسي للقاء ممثلي صندوق النقد والتطرق إلى التقدم المسجل في الملف الوطني، نتجية الإجراءات المتخذة أخيراً بشأن ترشيد الدعم وتقدم المفاوضات مع الشريك الاجتماعي بشأن الإصلاحات، بخاصة المؤسسات العمومية منها. لكنها تبقى لقاءات ممهدة، ولن تؤدي رأساً إلى اقتلاع موافقة الصندوق على الملف التونسي. فالمفاوضات الرسمية بين تونس وصندوق النقد الدولي لم تنطلق بعد، ولا تتجاوز المحادثات السابقة صفة النقاشات الأولية. وعاد سويلم ليتوقّع اقتراب البلاد من إبرام اتفاقية جديدة مع صندوق النقد، لكنه استبعد حصولها على 4 مليارات دولار بمقتضاها، آخذاً في الاعتبار السقف المحدد للبلدان الأعضاء، الذي لا يسمح لتونس بهذا المبلغ، بل بمستوى أقل.
فرصة لإقناع الأعضاء
خلافاً لذلك، رأى المحلل الاقتصادي أرام بلحاج أنه يتوجب على الوفد الحكومي التونسي الذي سيزور واشنطن، أن يعمل على إقناع المسؤولين في البلدان الكبرى الأعضاء بدعم تونس خلال المفاوضات المنتظرة، مضيفاً أن البلاد لم تصل إلى الوضعية الحرجة التي تجعلها مهددة بعدم سداد ديونها، ولديها مخزون مطمئن من العملات في حدود 24.26 مليار دينار (8.08 مليار دولار). ويظل طريق تونس للخروج من الأزمة المالية رهين تنفيذها إصلاحات عميقة من خلال برنامج هادف وواضح يحظى بموافقة الشركاء الاجتماعيين، وأن تتحصل على ثقة المانحين من خلاله، وهو السبيل الوحيد لاسترجاع ثقة السوق المالية الدولية وتحسين الترقيم السيادي لتونس.