أُعطي الزوجان الإسرائيليان سارة ويوسي الضوء الأخضر، وأصبح باستطاعتهما بعد سنوات من الانتظار رفع دعوى قضائية ضد السلطة الفلسطينية للحصول على تعويضات ماليةٍ كبيرة عن فقدان ابنهم الوحيد ديفيد، الذي قتل في عملية إطلاق نار نفذها فلسطيني في القدس عام 2002، فالمحكمة العليا الإسرائيلية أصدرت قراراً قبل أيام، اعتبرت فيه أن السلطة الفلسطينية، تتحمل المسؤولية عن عمليات نفذها فلسطينيون ضد إسرائيل في القدس بين عامي 2001 و2002. وذلك بدفعها مخصصات للأسرى، وأكدت المحكمة في قرارها أن السلطة هي المسؤولة عن دفع تعويضات لعوائل القتلى الإسرائيليين في العمليات.
ملاحقة قضائية
المحكمة في قرارها قالت إن "دفع الأموال من قبل السلطة الفلسطينية للأسرى الأمنيين وعائلاتهم، يشكل مصادقة على العمليات والأنشطة التي قام بها الأسرى، وتبعاً لقانون الأضرار، فإن السلطة الفلسطينية متواصلة في المظالم التي تسبب به الجناة، وعليها دفع تعويضات". القرار الذي صدر بأغلبية، يفتح الباب أمام تقديم الإسرائيليين لدعاوى قضائية ضد السلطة الفلسطينية، للمطالبة بتعويضات من عائدات الضرائب (أموال المقاصة) التي تجبيها الحكومة الإسرائيلية لصالح السلطة بحسب اتفاقية باريس الاقتصادية. وسعياً لإدانة السلطة في المحاكم الإسرائيلية بدعم العمليات، يحتاج القرار بحسب ما ذكرت القناة "13" الإسرائيلية إلى وجود ارتباط معين بين الأسير والسلطة، بالتالي تغريمها بدفع تعويضاتٍ مالية كبيرة لعائلات قتلى ومصابي العمليات."
ووصف عضو الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي اليعازار شتيرن الرواتب التي تدفعها السلطة الفلسطينية للأسرى داخل السجون "كمحفزات لقتل اليهود"، وقال لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أنه "على إسرائيل القضاء على هذه السياسة. الأموال التي يتم تحويلها إلى الإرهابيين ليست فقط جزءاً من مسألة التحريض عامة، بل تشجع العرب على تنفيذ هجمات إرهابية، إنها محفز حقيقي لقتل اليهود، وعلينا توقيف هذا الجنون فوراً".
رفض فلسطيني
بدورها، رفضت السلطة الفلسطينية على الفور قرار المحكمة العليا السماح لعائلات القتلى الإسرائيليين بمقاضاتها للحصول على تعويضاتٍ مالية، وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية في مستهل جلسته الحكومية، إن قرار المحكمة "مرفوضٌ بالنسبة للسلطة الفلسطينية، وهو غير قانوني وغير شرعي"، وأن المحكمة الإسرائيلية تعتبر من "أدوات الاحتلال". مشيراً إلى أن السلطة الفلسطينية تقوم بواجبها تجاه الأيتام من أبناء الشهداء والأسرى الفلسطينيين وعائلاتهم الذين يحتاجون إلى كل مساعدة.
من جانبه، أكد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدري أبو بكر، لـ"اندبندنت عربية أن القرار "محاولة فاشلة لردع الشعب الفلسطيني وفرصة حقيقية لسرقة المزيد من أموال الضرائب تحت حجج واهية لتجفيف الموارد ووضع السلطة في مأزق حرج اقتصادياً". معتبراً أن كافة الأحداث على الساحة الفلسطينية سببها "الاحتلال" وجرائم جنوده الذين يقتحمون المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية ويقتلون ويعتقلون ويهدمون البيوت".
وطالب أبو بكر المنظومة القضائية الدولية والمؤسسات القانونية والحقوقية بـ "التحرك الفوري لوضع حد للتطرف القضائي الإسرائيلي المنحاز"
إصلاح النظام
قرار المحكمة الإسرائيلية جاء في خضم الضغوطات الأميركية على السلطة الفلسطينية التي تشدد على إصلاح نظام دفع الرواتب للأسرى المثير للجدل، والذي يوزع رواتب على الفلسطينيين الأسرى في السجون الإسرائيلية، أو الذين أصيبوا أو قُتلوا على أيدي القوات الإسرائيلية. كما تُدفع مخصصات رفاه إلى أولئك المدانين بارتكاب عمليات ضد إسرائيليين، وهو ما يقول منتقدون إنه "يحفز على العنف"، فيما يقول مسؤولون فلسطينيون إن الرواتب للأسرى الأمنيين تهدف إلى التخفيف من ما يصفونه "بالنظام الظالم للمحاكم العسكرية الإسرائيلية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتدفع السلطة الفلسطينية شهرياً مبلغ 400 دولار لعائلة الأسير الذي يقضي بالسجن مدة تقل عن ثلاث سنوات، و1200 دولار للمعتقل الذي تتراوح مدة أسره ما بين ثلاث سنوات وخمس. ويرتفع المبلغ مع ارتفاع مدة الحكم بحيث يصل إلى 2200 دولار لمن يحكم بفترة سجن ما بين 18-20 عاماً. ويضاف إلى هذه المبالغ مصروف الكانتين (بقالة داخل السجن)، والتي تبلغ 150 دولاراً شهرياً لكل أسير، حيث وصل عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية بحسب نادي الأسير الفلسطيني إلى قرابة 5000 أسير، 549 من بينهم يقضون عقوبات بالسجن المؤبد مدى الحياة بتهم القتل أو التخطيط لعمليات ضد إسرائيليين.
ووفقاً لمعهد دراسات الإعلام في الشرق الأوسط، هناك زيادة شهرية بقيمة 78 دولاراً للمنحدرين من القدس، و130 دولاراً للعرب في إسرائيل. فيما أشار تقرير "مركز القدس للشؤون العامة" (JCPA)، أن السلطة الفلسطينية قامت بتخصيص مبلغ 550 مليون شيقل (146 مليون دولار) لدفع رواتب للأسرى الأمنيين الحاليين والسابقين وعائلاتهم. ويشمل المبلغ رواتب وتمويل مشتريات وإعانات لأسرى محررين، ومنح لأسرى فور إطلاق سراحهم، ونفقات أخرى بحسب التقرير.
الرئيس الأسبق لقسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، يوسي كوبرفاسر قال لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" 99.9 في المئة من الأسرى الأمنيين هم إرهابيون مدانون، بإمكانهم كسب الكثير من المال بكونهم أسرى. إنها تجارة مربحة بالنسبة لهم".
في حين أكد رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس لـ"اندبندنت عربية" إن دفع الرواتب كان وما زال مسؤولية وطنية ومجتمعية، قائلاً " لن نقبل بتقليص أو إلغاء رواتب عائلات الشهداء والأسرى كما يريد البعض، والسلطة الفلسطينية لا تكترث بما تقول المحاكم الإسرائيلية وقراراتها وستواصل دفع الرواتب لعائلات الأسرى والشهداء حتى لو أنفقت آخر فلس لها على ذلك. الضغط الإسرائيلي لن ينجح اليوم ولا غداً، في ثنينا عن موقفنا".
وعبّر فارس عن مخاوفه من استمرار الضغوط على القيادة الفلسطينية لإلغاء قانون الأسرى والمحررين الذي أقرته السلطة الفلسطينية عام 2004 وتم تعديله عام 2014.
حياة كريمة
في عام 2004، سّنت السلطة الفلسطينية قانوناً ينص على أحقية أي أسير فلسطيني وعائلته في الحصول على مجموعة متنوعة من المدفوعات. ويعرّف القانون الأسير بأنه "كل من يقبع في سجون الاحتلال، على خلفية مشاركته في النضال ضد الاحتلال"، ويصف الأسرى بأنهم "جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع العربي الفلسطيني"، ونص قانون الأسرى أيضاً على "تأمين الوظائف للأسرى والمحررين وفقاً لمعايير تأخذ في الاعتبار السنوات التي أمضاها الأسير في السجن". وجاء في القانون أن "الأسرى والمحررين شريحة مناضلة، وتكفل أحكام هذا القانون حياة كريمة لهم ولأسرهم".
مدير مؤسسة "الحق" شعوان جبارين قال أنه "في حال استمرار التعرض لحقوق الأسرى المعتقلين في السجون الإسرائيلية فإن هذا سيخلق أزمة حقيقية في المجتمع الفلسطيني". من جهته، أشار حلمي الأعرج مدير مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية، أن المس بحقوق الأسرى وعائلاتهم هو استهداف للنضال الفلسطيني ولحركة المقاومة الفلسطينية جميعها، وهو ما يجب أن يتم رفضه.
خلال الأشهر القليلة الماضية، نقلت السلطة الفلسطينية، قرابة 7000 أسير من المحررين الذين يتقاضون رواتب منها على كادر الوزارات والهيئات والأجهزة الامنية التابعة لها، وأحالت آخرين للتقاعد، فيما تُصرف مخصصات 4000 أسير داخل السجون عبر البريد الفلسطيني وليس من خلال البنوك، في خطوة تهدف إلى إنهاء الخلافات مع الإدارة الأميركية حول هذه الرواتب، بخاصة بعد أن أقر الكونغرس الأميركي قانون "تايلور فورس" عام 2017 والذي يحظر المساعدة الاقتصادية المباشرة للسلطة حتى توقف مدفوعات الأسرى وعائلات الشهداء، على أساس أنهم "إرهابيون". وأشار مسؤولون في السلطة الفلسطينية لنظرائهم الأميركيين منذ بدء المحادثات قبل عام، إنهم مستعدون لإصلاح السياسة وأنشأوا لجنة مسؤولة عن صياغة تغيير السياسة. ومع ذلك، لم يتم التوصل إلى إنفراج بحسب ما هو معلن.
أجواء متوترة
بداية أبريل (نيسان) الحالي، كشفت صحيفة "إسرائيل هيوم" الإسرائيلية عن أزمة بين السلطة الفلسطينية وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في ظل إصرار السلطة على أن "القنصلية في القدس يجب أن تفتح من دون شروط مسبقة". ونقلت الصحيفة أن "رام الله ترفض طلب الولايات المتحدة تعليق دفع رواتب الأسرى الفلسطينيين كشرط لفتح القنصلية"، مؤكدةً "من المستحيل الربط بين القضيتين"، وبحسب الصحيفة، فإن زيارة وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكين للرئيس الفلسطيني محمود عباس نهاية مارس (آذار) الماضي في رام الله، جاءت لإخفاء ما يريد الفلسطينيون إبقائه بعيداً من الأنظار وهو "أزمة صغيرة بين رام الله وواشنطن تحجب العلاقات بين الطرفين".
عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف قال لـ"اندبندنت عربية" إن مسألة إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس لا تقبل المساومة أو الحلول الوسط، السلطة الفلسطينية محبطة من إدارة بايدن التي وعدت ولم تلتزم بتعهداتها، حيث تأخر افتتاح القنصلية الأميركية في القدس وكذلك مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، إنها محاولة إسرائيلية لخلط الأوراق".
بالنسبة للعديد من الفلسطينيين، فإن التضامن مع الأسرى هو مبدأ أساسي للحركة الوطنية، حيث يُنظر إلى المدفوعات أيضاً على أنها شكل أساسي من أشكال الرعاية الاجتماعية للعائلات حيث يتم سجن معيلها.
أزمة مستمرة
وتقتطع إسرائيل أموالاً من العوائد الضريبية الخاصة بالسلطة الفلسطينية، للتعويض عن مدفوعات، يقول الإسرائيليون، إنها "الدفع مقابل القتل"، وشكّلت هذه القضية أزمة مستمرة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي منذ يوليو (تموز) 2018، حين صادق الكنيست الإسرائيلي على "قانون التقليصات" الذي يشرعن قضائياً الاقتطاع من أموال السلطة تحت حجة "دعم الإرهاب" وترك تطبيقه وتحديد حجم الاقتطاع إلى المجلس الوزاري المصغر(الكابينت)، الذي ترجمه بالمصادقة سنوياً على اقتطاع مبلغ يعادل المبلغ الذي يُدفع للأسرى والشهداء وعائلاتهم من أموال المقاصة (الضرائب) والذي يصل شهرياً إلى 50 مليون شيكل (15 مليون دولار). ومنذ ذلك الحين وحتى نهاية مارس (آذار) الماضي تحتجز إسرائيل 500 مليون دولار وفقاً لمصادر حكومية رسمية.
وكان وزير المالية الفلسطيني شكري بشارة في اجتماع لجنة تنسيق المساعدات الدولية للشعب الفلسطيني العام الماضي، أشار إلى أن ما اقتطعه الاحتلال خلال 14 عاماً يتجاوز 10 مليارات دولار من مختلف القطاعات".
إلغاء الاستحقاقات
في الوقت الذي تشدد فيه الحكومة الإسرائيلية على ضرورة قطع رواتب الأسرى الفلسطينين وربطها بتسهيلاتٍ سياسية ومالية للفلسطينيين، صادقت الحكومة على اقتراح رئيس الوزراء نفتالي بينيت، ووزير الخارجية يائير لبيد، ووزير الرفاه الاجتماعي، مئير كوهين، بضرورة تشكيل طاقم لبلورة السياسة بشأن إلغاء استحقاق عائلات المواطنين الإسرائيليين المتورطين في "عمليات عدائية ومخالفات أمنية، للحصول على مخصصات التقاعد، وغيرها من الامتيازات التي تدفعها هيئات الدولة له .”وينص القرار على أنه "في غضون 60 يوماً من تاريخ تشكيله، سيقوم الطاقم بصياغة توصيات للحكومة في القضايا ذات الصلة، بما في ذلك التوصيات بشأن التعديلات التشريعية اللازمة".
رئيس الوزراء نفتالي بينيت قال بعد المصادقة على المقترح "نحن مصممون على تغيير المعادلة حتى لا يكون من المجدي الانخراط في هجمات إرهابية ضد مواطنين إسرائيليين. تقديم مخصصات من الدولة لعائلات الإرهابيين هو أمر سخيف تماماً وقد حان الوقت لإصلاح الإجحاف". وأضاف أن "دولة إسرائيل ستحاسب كل من له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالهجمات الإرهابية". بدوره تحدث وزير التعاون الإقليمي عيساوي فريج ضد الخطوة. وكتب في تغريدة عبر تويتر "لا يمكن المس بمخصصات أبناء المواطنين والمقيمين".
عقاب جماعي
مؤسسات حقوقية داخل إسرائيل، أعربت عن تخوفاتها من استخدام السلطات الإسرائيلية تلك الإجراءات، حال إقرارها بشكل نهائي، كعقاب جماعي ضد المواطنين العرب، مثلما تفعل بحق عائلات منفذي العمليات بالضفة الغربية، والتي تشمل الاعتقال وهدم منازل المنفذين وحرمانهم من تصاريح العمل.
يرى مراقبون، أن القرار يفرض عقاباً جماعياً على مجموعة بريئة لم ترتكب أي جريمة، وينتهك حقوق الإنسان الأساسية للفلسطينيين ويخالف القانون الدولي والقانون الإسرائيلي، فبحسب الأخير، لا يمكن فرض عقاب جماعي، ولو بهدف الردع، بخاصة عندما يمس العقاب مجموعة من الناس التي لم ترتكب أي مخالفة".