تسبب قرار حظر الحكومة المصرية لنحو 1000 شركة محلية وأجنبية بضخّ منتجاتها إلى الأسواق المحلية في حالة جدل تخطت حدود المواقع الإخبارية لتصل إلى التواصل الاجتماعي، وسط توقعات بارتفاع أسعار تلك المنتجات أو مثيلاتها في الأسواق.
القرار رقم 534 لسنة 2022 المثير للجدل أصدرته الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات التابعة لوزارة التجارة والصناعة المصرية مساء الجمعة الماضي، تضمن إيقاف وشطب مئات الشركات المحلية والأجنبية أبرزها، المنتجة لشاي ليبتون وألبان المراعي وإنتاج منظف برسيل وغيرها من المنتجات ذات العلامات التجارية الرائجة في الأسواق، بعدما أكدت في قرارها أن تلك الشركات خالفت القرار رقم 43 لسنة 2016 الخاص بتسجيل العلامات التجارية الموردة لمصر.
قبل ستّة أعوام في يناير (كانون الثاني)، دشنت الحكومة نظاماً جديداً لعمل الشركات والمصانع سواء المحلية أو الأجنبية التي تضخ منتجاتها في السوق المحلية، وفقاً لقرار وزاري حمل الرقم 43 لسنة 2016 وارتكز على مجموعة من القواعد، أبرزها إعداد سجل خاص بالشركات والمصانع التي تصدّر للسوق المصرية، وشدد على عدم الإفراج عن المنتجات الواردة من الخارج إلا إذا كانت من منتجات المصانع أو الشركات المسجلة أو مستوردة من الشركات مالكة العلامة التجارية أو مراكز توزيعها المسجلة ضمن السجل الجديد.
جدل على التواصل الاجتماعي
وعقب قرار الجمعة الماضي، تجادل رواد مواقع التواصل الاجتماعي حول توقيت إصدار القرار وأهدافه، إذ زعم بعضهم أن القرار له دوافع سياسة، بينما ذهب آخرون إلى أنه يتعلق بعملية تقييد استيراد منتجات من الخارج لوقف النزيف في العملة الأجنبية، خصوصاً في ظل تراجع الاحتياطي الأجنبي من النقد، وهو ما دفع وزارة التجارة والصناعة إلى إصدار بيان رسمي صباح اليوم الأحد لتوضيح أسباب وتداعيات القرار. وأكدت أن "القرارات الصادرة بإيقاف أو شطب شركات مصدرة للسوق المصرية لا تستهدف شركات بعينها أو منتجات دول محددة".
ووفقاً للبيان الرسمي، أشارت الوزارة المصرية إلى أنها عدّلت في مارس (آذار) الماضي وفقاً للقرار رقم 195 لسنة 2022 القواعد المنظمة لتسجيل المصانع المؤهلة لتصدير منتجاتها إلى مصر الواردة بالقرار الوزاري رقم 43 لسنة 2016 بهدف تيسير الإجراءات على الشركات ووضع توقيتات زمنية محددة للتسجيل. وبموجب القرار فإنه يتعيّن على الشركات المصدرة لمصر أن "تجدد المستندات التي لها تاريخ صلاحية خلال مدة لا تتجاوز 30 يوماً من تاريخ انتهاء الصلاحية".
وأشارت إلى أن "وحدة تسجيل المصانع في الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات تراجع الملفات المقدمة من الشركات للتسجيل للتأكد من أن الشركة أو المصنع كيان قائم ويطبق نظم الجودة على منتجاته. وتشمل قائمة المستندات التي تحتاج إلى تجديد، شهادات الجودة والعلامات التجارية، إضافة إلى السجل الصناعي".
إنذار لمدة أسبوعين وتقنين أوضاع
وأوضحت وزارة التجارة والصناعة المصرية أنه "في حال وجود مستند انتهت صلاحيته، يتم توجيه إنذار لمدة أسبوعين على موقع الهيئة، وإن لم يتم التجديد، فيتم البدء بإجراءات الإيقاف لمدة عام. وفي حال عدم التجديد، يتم شطب الشركة لعدم جدّيتها، علماً أن مفوضي الشركات على علم تام بهذه الإجراءات، إذ يوقّعون إقرارات بتجديد كل المستندات المنتهية الصلاحية" .
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكدت أن "قائمة أسماء الشركات التي أعلنت هيئة الرقابة على الصادرات والواردات سواء إيقافها أو شطبها، لم تستوفِ المستندات المطلوبة، ومن ثم تم اتخاذ الإجراءات القانونية حيالها تنفيذاً للقواعد المتبعة في منظومة التسجيل".كما نفت الوزارة أن "تكون القواعد الجديدة قيوداً للحدّ من الاستيراد من شركات بعينها، ولفتت إلى أن العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الجميع تشهد تطوراً ملحوظاً"، مشيرة إلى حرصها على تقديم التيسيرات اللازمة للشركات سواء المستثمرة أو المصدرة للسوق المصرية". وتابعت أنه "جارٍ توفيق أوضاع بعضها، وفقاً لقواعد التسجيل للمصانع المؤهلة للتصدير".
وأردفت أنه "تمت إعادة 122 شركة إلى التصدير مجدداً بعدما وفّقت أوضاعها منذ يناير الماضي وحتى الوقت الحالي، وأن بعض الشركات أُوقفت منذ عام 2020، بعدما أسست مصانع جديدة لها داخل مصر ولم تعُد في حاجة إلى تصدير منتجاتها إليها. وهناك شركات أخرى تحمل علامات تجارية دولية، لم تعُد تصدر منتجها للسوق المصرية في ضوء وجود فروع للشركة تعمل بها وتمتلك أكثر من 25 علامة تجارية".
إجراء مؤقت و"يونيليفر" ترد
واختتمت الوزارة بيانها بأن" الحذف من قائمة التصدير إلى السوق المحلية هو إجراء مؤقت بسبب انتهاء صلاحية شهادات الجودة ومخالفة ضوابط القرار رقم 43 لسنة 2016 الخاص بتسجيل العلامات التجارية الموردة لمصر".
في المقابل، أكدت شركة "يونيليفر مشرق" للصناعة والتجارة أن "أنشطتها الصناعية والتجارية سواء تصديراً أو استيراداً، تسير بشكل طبيعي ومنتظم وفقاً لكل القوانين والقرارات المعمول بها داخل مصر".
وأوضحت الشركة في بيان رسمي اليوم اطلعت عليه "اندبندنت عربية" أنها "سبق وتقدمت إلى الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات بطلب إلغاء قرار تسجيل فرعي خاص بأحد منتجاتها، الذي تم استبداله بقرار آخر سارٍ للمنتج ذاته منذ أغسطس (آب) 2021 دون بقية المنتجات، التي لها قرارات وزارية أخرى منفصلة وسارية". وأشارت إلى أن "أنباء المنتجات التي ذُكرت بمنع استيرادها مثل شاي ليبتون، وأخرى عارية من الصحة، إذ إن تلك المنتجات يتم تصنيعها بالكامل في مصانع الشركة بمصر، وتصدّر إلى أكثر من 45 دولة عربية وأفريقية وأوروبية".
لا علاقة للجودة ولا الدولار
من جانبه، قال الرئيس السابق لهيئة المواصفات والجودة التابعة للحكومة المصرية أشرف عفيفي إن "الأمر لا يتعلق بالجودة أو ما يهدد سلامة المواطنين كما روّج البعض، مؤكداً في تصريح خاص أن "أي منتج يدخل السوق المحلية يخضع لإجراءات السلامة صحياً وفنياً للحفاظ على سلامة وصحة المواطنين، والقرار يهدف إلى الحفاظ على حقوق الخزانة العامة للدولة ووقف إهدار المال العام". وأوضح أن "بعض تلك الشركات تعمل داخل مصر وبطريقة ما، تدخل المنتجات التي تصنعها داخل حدود الدولة على أنها منتجات واردة من الخارج، وتحصل في النهاية على دعم الصادرات الذي تقدمه الدولة لتحفيز المصدرين".
وأوضح عفيفي أنه "يجوز للشركات المصدرة لمصر التي شُطبت من سجل المصدرين لمصر التظلم من هذا القرار خلال 60 يوماً وتوفيق أوضاعها ويمكن البت من قبل وزارة التجارة والصناعة في التظلمات سواء بالقبول أو الرفض".
يشار إلى أنه في مطلع يناير الماضي، شطبت القاهرة 30 شركة دولية من سجلات الشركات المؤهلة لتصدير منتجاتها إلى مصر لمخالفة القرار رقم 43 لسنة 2016، وتضمنت الشركات التي شُطبت آنذاك شركات تعمل في قطاعات غذائية والملابس الجاهزة ومستحضرات التجميل، وشمل القرار شطب 6 شركات كورية من السجلات و6 مصانع تركية، وشركة سويسرية شهيرة تصنّع عدداً من المنتجات الغذائية المخصصة للأطفال، إلى جانب مصنع من إندونيسيا، وآخر بولندي، وشركة دنماركية، فضلاً عن مصنع البابطين للأجهزة المنزلية، وفقاً لبيان رسمي صادر عن وزارة التجارة والصناعة في يناير 2020.
من جانبه، نفى عضو شعبة المستوردين أحمد شيحة علاقة قرار حظر أو إيقاف الشركات بأزمة تواجه العملة الصعبة أو للحفاظ على رصيد الاحتياطي الأجنبي، قائلاً، "كمستوردين، لا نعاني الآن من أزمة في توفير الدولار الأميركي"، مشيراً إلى أن "الأزمة كانت قبل أسبوعين من الآن ولكنها انتهت، ولكن في الوقت ذاته نتوقع ارتفاع أسعار المنتجات التي تم حظرها من دخول الأسواق المصرية"، وموضحاً "أن هناك عدداً لا يستهان به من المنتجات ضمن القائمة المحظورة ليست لها بدائل، أو أن المنتجات المثيلة لها قليلة في السوق المحلية أو أقل جودة. كما أن هناك بعض العلامات التجارية التي تحظى بثقة المستهلك المصري، خصوصاً في ما يتعلق بالمواد الغذائية ومنتجات الألبان، مما يسهم في ارتفاع حجم الطلب في ظل نقص المعروض من السلع".
لا تأثير في الأسعار والمستهلكون غير مهتمين
في المقابل، نفى عضو الشعبة العامة للمواد الغذائية في الاتحاد العام للغرف التجارية حازم المنوفي، تأثر السوق المصرية بوقف تلك المنتجات، مضيفاً في تصريحات صحافية أن "حجم المنتجات التي أوقف استيرادها لا تزيد على 5 في المئة من حجم المنتجات بالسوق المحلية". وأشار إلى أن "غالبيتها لها بدائل محلية على سبيل المثال في المواد الغذائية ومنتجات الألبان".
من جانبه، قال خالد إبراهيم، صاحب أحد محال البيع بالتجزئة، إن "بعض المنتجات التي تم منعها تتمتع بالرواج في السوق وبعضها يطلبها المستهلك بالاسم، خصوصاً في منتجات الألبان والمواد الغذائية". ونفى أن تتأثر المبيعات"، مشيراً إلى أن "المستهلك المصري لا يقف عند منتج بعينه، فسريعاً ما يستبدله بآخر حتى لو أقل جودة، ويجد البديل بسهولة". هذا الأمر أكده أحمد سليمان، موظف في القطاع الحكومي، ملتقطاً طرف الحديث قائلاً، "كمستهلكين، لا يهمنا اسم المنتج بشكل كبير، هناك مواصفات أخرى أهم، فالسعر والجودة ووفرة المنتج عوامل مهمة". وأضاف، "طالما له بديل لا أزمة على الإطلاق".
1.7 مليار دولار لدعم المصدّرين
في سياق متصل، أكد وزير المالية محمد معيط أن "الحكومة مستمرة في دعم قطاع التصدير، بصرف مستحقات المُصدّرين لدى صندوق تنمية الصادرات بما يوفر لهم السيولة النقدية التي تمكّنهم من الوفاء بالتزاماتهم تجاه عملائهم والحفاظ على العمالة، على الرغم من شدة التحديات الاقتصادية العالمية".
وأشار، في بيان صحافي اليوم، أن "الوزارة صرفت نحو 33 مليار جنيه (حوالى 1.7 مليار دولار) دعماً لأكثر من 2500 شركة من المُصدّرين ضمن مبادرات رد الأعباء التصديرية المتأخرة لدى صندوق تنمية الصادرات التي بدأ تنفيذها في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 وحتى الآن.