مهرجان كان السينمائي على الأبواب. يفصلنا شهرعن الدورة المقبلة التي ستقام بعد عشرة أشهر على الطبعة الأخيرة المنعقدة في يوليو (تموز) الماضي لحظة انحسار الجائحة. قبل أيام، أعلنت إدارة التظاهرة السينمائية الأهم في العالم عن برنامج كامل سيشغل رواد الفن السابع في الأشهر المقبلة، على أن يتم الإعلان في الأيام المقبلة عن أفلام إضافية سواء في التشكيلة الرسمية أو الأقسام الموازية. كما ستُكشف عن أسماء أعضاء لجنة التحكيم. طوال ساعة من الزمن، استعرض المفوض العام والمدير الفني تييري فريمو العدد الأكبر من الأعمال التي بلغ عددها 47 فيلماً.
ترجيحات وتوقعات
وعلى رغم أن موعد الدورة الخامسة والسبعين حُدد في النصف الثاني من شهر مايو (أيار)، فيبدو أن الكثير من التفاصيل ليست جاهزة بعد. فعشرة أشهر لم تكن فترة كافية لإنهاء عملية الاختيارات والإرساء على كل الأفلام والنشاطات التي تصنع ملامح أبرز حدث مخصص للشاشة في العالم. جرت العادة أن يظهر الملصق الرسمي أو يتم الإعلان عن اسم رئيس لجنة التحكيم قبل موعد المؤتمر الصحافي. لكن هذا العام كشف المنظمون النقاب عن مجموعة أفلام مختارة بدقة وعناية من بين 2000 فيلم أرسلت إلى المهرجان، حتى قبل أن نتعرف إلى الملصق الذي من شأنه أن يفتح شهيتنا. وكما في كل عام، يضع المؤتمر نقطة نهائية على جملة الترجيحات والتوقعات التي تسير دربها المعتاد في بداية شهر نيسان من كل عام. فمجلات مثل "فرايتي" و"ذا هوليوود ريبورتر" عودتنا أن تنشر ما توحي بأنها تسريبات من تحت الطاولة لأسماء أفلام ستُعرض في كان، ليعود ويتبين بأنها مجرد تمنيات أو تقديرات خاطئة. فقبل أيام من المؤتمر، كانت "فرايتي" قد نشرت مقالاً تتوقع فيه مشاركة جديد ديفيد لينتش في المهرجان. إلا أن الأخير، بعد انتشار الخبر على وسائط التواصل، لم ينتظر نفيه على لسان فريمو بل هرع إلى صفحته الشخصية ليقول: "لا فيلم جديداً لي في كان هذا العام".
الدورة التي ستُعقد بين حدثين سياسيين بارزين، هما الانتخابات الرئاسية التي ستأتي بنزيل(ة) جديد(ة) إلى الإليزيه والانتخابات التشريعية، ستجري في جو من الاحتقان السياسي الذي يسيطر على الشارع الفرنسي والناتج من الصراع بين مَن يريد التجديد لماكرون ومَن يرى في مارين لوبن منقذة فرنسا من آفاتها ومشكلاتها المتراكمة منذ عقود. الدورة المقبلة يعتبرها القائمون على كان أيضاً تلك التي ستعلن فعلاً عن عودة الحياة إلى طبيعتها، فلا يوجد إلى الآن ما يشير إلى فرض أي إجراءات احترازية تتعلق بالكورونا الذي انتقل من كونه جائحة تسببت بوفاة أكثر من ستة ملايين شخص في العالم، إلى مرض كغيره من الأمراض. ويبدو أن السجّادة الحمراء ستمتلئ من جديد بالنجوم والمشاهير الذين كانوا غابوا العام الماضي، على رغم إدراك المهرجان أن بعض الدول لم تعد حتى الآن إلى وضعها الطبيعي على مستوى التنقل والسفر. فمن المنتظر أن يحضر المهرجان نحواً من 35 ألف شخص معتمد من الإدارة مقابل 20 ألفاً شاركوا فيه العام الماضي، علماً أن هذا الرقم كان بلغ الـ40 ألفاً قبل الأزمة الصحية.
مواكبة العصر
يحاول المهرجان بدءاً من هذه الدورة مواكبة العصر والانفتاح على شرائح مجتمعية كثيرة من خلال اللجوء إلى منصّات إلكترونية جديدة. هذا ما تؤكده الشراكة التي عقده مع تطبيق "تيك توك"، بعد إنهاء التعاون التاريخي الذي كان قائماً مع "كانال بلوس". معلومة أخرى في هذا السياق لا بد منها: هذه آخر دورة للرئيس بيار لسكور، إذ إنه تم انتخاب إيريس كنوبلوك خلفاً له، على رغم أن انتخابها أثار الجدل في الأوساط السينمائية كونها سيدة تتعاطى "أعمال السينما" (عملت في مجموعة "وارنر" في فرعها الفرنسي لـ15 عاماً) وهناك مخاوف من أن تتسلل "نتفليكس" من خلالها إلى كان. في أي حال، هذه أول مرة في تاريخ المهرجان يُنتخب رئيساً من دون أن يحظى بإجماع.
يقول فريمو إن العالم يحتاج إلى سنتين ليتعافى بشكل كامل من آثار الوباء، لكن تشكيلة الأفلام المقترحة تشير إلى أن السنتين الماضيتين كانتا مثمرتين على الصعيد السينمائي. ذكر فريمو، وهو المسؤول الأول عن انتقاء الأفلام مع معاونه كريستيان جون، أن معظم السينمائيين منشغلون حالياً سواء في إنجاز أفلام جديدة أو للعمل في مشاريع لمنصّات العرض التدفقي، ما يفسّر صعوبة إيجاد اسم كبير لرئاسة لجنة التحكيم تتوافق أجندته مع هذه المهمة. أما عن الاحتفاء بالعيد الخامس والسبعين للمهرجان، فقال فريمو إنه سيتم الاحتفاء بحاضر المهرجان ومستقبله لا بماضيه، وفي هذا السياق سيحتضن كان نشاطات وندوات عدة تتأمل في مستقبل الفن السابع في ظل المتغيرات. "هل السينما لغة تحتضر؟"، سؤال طرحه المخرج الألماني فيم فندرز على عدد من السينمائيين في وثائقي "غرفة 666" الذي صوّره في أحد فنادق في العام 1982، وها أن هذا السؤال يعود ويلح من جديد بعد أربعين عاماً من على أرفع منبر للسينما في العالم، علماً أن فندرز سيكون من بين المشاركين في الندوات المتخصصة في هذا الشأن.
العام الماضي تم الاعلان عن 80 فيلماً في المؤتمر الصحافي وكان هذا الرقم يشمل مجمل الانتاج السينمائي الذي ظهر لعامين متتاليين. لكن العدد تراجع هذا العام، فتم الإعلان عن 47 فيلماً، وذلك في أقسم عدة: المسابقة، "نظرة ما"، عروض خاصة، خارج المسابقة، عروض منتصف الليل، و"كان بروميير" الفقرة التي تم استحداثها في العام الماضي كي تضم أفلاماً لسينمائيين مكرسين لا ترى الإدارة ضرورة إدراجها في المسابقة، هذا بعدما عاد قسم "نظرة ما" إلى ما كان عليه في بداياته، أي منبر لسينما المؤلف الشابة.
مصاصو الدماء
فيلم الافتتاح الذي سيُعرض خارج المسابقة، سيكون "ز (مثل ز)" للمخرج الفرنسي ميشال أزانافيسيوس الذي اشتهر بـ"الفنان" (2011) الحائز على "أوسكار" أفضل فيلم، على الرغم من أنه كان انتشرت توقعات تقول إن "إلفيس" عن حياة المغني الأميركي الشهير هو الذي سيفتتح الدورة 75 (سيُعرض خارج المسابقة). "ز (مثل ز)" من نوع الكوميديا وهو يصوّر كواليس تصوير فيلم مصاصي دماء. فريمو قال إن هذا الفيلم يروي شغف السينما وهو ثاني عمل عن مصاصي الدماء يفتتح المهرجان في غضون ثلاث سنوات بعد "الميت لا يموت" لجيم جارموش في العام 2019.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
18 فيلماً ستُعرض في المسابقة، أربعة منها هي لمخرجين سبق أن نالوا "السعفة الذهبية": "توري ولوكيتا" للأخوين البلجيكيين لوك وجان بيار داردن اللذين عُرضت كل أفلامهما بلا استثناء في كان منذ انطلاقتهما في التسعينيات، وهما فازا بـ"السعفة" مرتين؛ "بروكر" للياباني هيروكازو كوريه إيدا الذي كان نال "السعفة" قبل بضعة أعوام عن "سارقو المتاجر"؛ ثم RMN للروماني كريستيان مونجيو الفائز بـ"السعفة" عن باكورته "أربعة أشهر، ثلاثة أسابيع ويوميان"، وأخيراً "مثلّت التعاسة" للسويدي روبن أوستلوند الذي كان خطف الجائزة المهيبة عن عمله المثير للجدل "المربع" قبل خمس سنوات. قامات سينمائية كبيرة تشارك أيضاً في هذه المسابقة، منها المخرج البولندي الكبير يرجي سكوليموفسكي (83 سنة) الذي يأتي بفيلم عن حمار في عنوان "هي - هان"، أو الإيطالي ماريو مارتوني الذي ننتظر له "نوستالجيا" على أحر من الجمر.
"جرائم المستقبل"
المخرج الكندي القدير ديفيد كروننبرغ هو أيضاً من الكبار الذين ينتظرهم عشّاق السينما على الـ"كروازيت" في الشهر المقبل، هو الذي يُعتبر من "أسياد" المهرجان، إذ عرض فيه عدد غير قليل من أفلامه أشهرها "كراش" الذي أحدث حينها صدمة كبيرة، قبل أن يترأس لجنة التحكيم في العام 1999. جديده "جرائم المستقبل" عودة إلى الينبوع الذي ارتوى منه طوال حياته، من "الذبابة" إلى "فيديودروم". مخرج آخر على قدر كبير من الأهمية، هو الأميركي جيمس غراي، يسجّل عودته إلى كان الذي عرض فيه العديد من روائعه، والعمل المنتظر هو "زمن القيامة"، في حين مواطنته كايلي رايتشرد تقدّم "شوينع آب"، لتسجّل به أول دخول لها إلى المسابقة. من آسيا، تحديداً كوريا، سيحضر أحد أعظم المواهب السينمائية: بارك تشان ووك. "قرار المغادرة" هو عنوان الفيلم الجديد للسينمائي الذي سبق أن أبهرنا بأفلام مثل "أولد بوي". إلى هؤلاء، هناك ثلاثة أسماء فرنسية ستتسابق على "السعفة" هذا العام: فاليري بروني تيديسكي وفيلمها "شجرة اللوز" وكلير دوني وفيلمها "نجوم الظهر" وآرنو دبلشان وفيلمه "أخ وأخت". أما من روسيا، فسيأتينا المخرج كيريل سيريبرينيكوف بـ"زوجة تشايكوفسكي" عن فصول من سيرة الموسيقي الشهير، وتجري أحداثه في القرن التاسع عشر. سيريبرينيكوف الذي كان ممنوعاً من السفر خلال السنوات الثلاث الماضية، عرض فيلميه الأخيرين في كان، من دون أن يكون حاضراً، إلا أن انتقاله للعيش في برلين أخيراً قد يسمح له بالتواجد في المهرجان هذه المرة. وفي خصوص حظر المخرجين الروس الذي درج في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، قال فريمو إن المهرجان لا يميل إلى الصوابية السياسية ويتعاطى مع كل حالة بمعزل عن الأخرى.
من العالم العربي، لا يوجد في مسابقة هذا العام سوى فيلم "صبي من الجنة" للمخرج السويدي المصري الأصل طارق صالح الذي لا يمكن اعتباره فيلماً عربياً وإن كان مخرجه من أصل عربي. ومن المرجح أن يثير الكثير من الجدل كونه يتناول قضية دينية، علماً أن فيلمه السابق، "حادثة النيل هيلتون" مُنع في مصر. أخيراً، يفتح المهرجان باب المسابقة واسعاً أمام سينمائيين موهوبين لا يزالون في مقتبل تجربتهم، مثل الإيراني علي عباسي والبلجيكي لوكاس دونت.