الأيام الحالية محيرة ومثيرة للقلق، لكن عطلة عيد الفصح تعطينا جميعاً لحظة نتأمل فيها ما يجري ونأمل بأن نختار طريقاً تخترق القتامة.
ويتوجب على الخبراء العسكريين أن يرشدونا في شأن النتائج المحتملة للحرب في أوكرانيا، وأن يقيس المحللون السياسيون العواقب الجيو-سياسية البعيدة الأجل المترتبة عليها. لكن على خلاف هؤلاء، إن المساحة التي يصب خبراء الاقتصاد عليها تركيزهم هي أضيق كثيراً [آنية وقصيرة الأمد]، وبالتالي، مع الأخذ بعين الاعتبار القدر الكبير من الغموض والمجهول الذي يجد العالم نفسه أمامه، فما الذي يمكننا قوله في شكل منطقي عن مسار الاقتصاد العالمي خلال الأشهر المقبلة؟
إن السؤال كبير إلى حد يجعل أفضل طريقة للإجابة عليه تتمثل في تقسيمه إلى أجزاء صغيرة، فلنفعل ذلك بدءاً بالتضخم.
نحن الآن عند نقطة الأزمة في التضخم، وربما يشكل هذا الشهر الذروة فيها بالنسبة إلى المملكة المتحدة، وعلينا الانتظار حتى 18 مايو (أيار) لمعرفة أرقام أبريل (نيسان) 2022، لكن يبدو أن مؤشر الأسعار الخاصة بالمستهلكين سيسجل تضخماً بحوالى تسعة في المئة، والمقياس التقليدي، وهو مؤشر أسعار البيع بالتجزئة، سيرتفع فوق الـ 10 في المئة، وسيكون معدل التضخم هذا الأعلى على مدى 40 سنة، وهذا شيء خارج نطاق تجربة غالبية العاملين اليوم.
لم يكن سوى جزء صغير من هذه الحال نتيجة غزو أوكرانيا، ففي فبراير (شباط) توقع "بنك إنجلترا" بالفعل أن يبلغ معدل التضخم نحو سبعة في المئة هذا الربيع، ثم يهبط خلال الصيف قبل أن يبلغ ذروة ثانية في الخريف.
يتمثل السؤال الأكبر الآن في ما سيحدث بعد ذلك، وحول هذا السؤال ينقسم الخبراء، إذ يعتقد بعضهم أو يخشون من أن التضخم أصبح جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد، وبينما يعاود معدله الانخفاض سيبقى عند نحو أربعة في المئة أو خمسة في المئة، وثمة آخرون واثقون من أن المعدل سيعود إلى نحو اثنين في المئة وهو المستوى المستهدف من معظم المصارف المركزية، وهذا أمر بالغ الأهمية لأن المصارف المركزية لن تحتاج إلى زيادة معدلات الفائدة إلى حد كبير إذا انخفض معدل التضخم عن مستواه القياسي، وفي المقابل فإذا لم يحدث ذلك فستكون الأوضاع عصيبة.
وهذا يقودنا إلى المسألة الثانية في شأن ماذا سيحدث لمعدلات الفائدة؟ آخر مرة فاق فيها معدل التضخم 10 في المئة، كذلك فعلت معدلات الفائدة، وفي عام 1979 بلغ معدل الفائدة الأساس لدى "بنك إنجلترا" 17 في المئة، ثم هبط خلال ثمانينيات القرن العشرين قبل أن يسجل ذروة أخرى بلغت 15 في المئة العام 1991.
لا أعتقد بأننا سنشهد ذلك مجدداً، لكن تذكروا أن معدلات الفائدة بين عامي 2006 و2008، أي قبل الأزمة المصرفية فاقت خمسة في المئة، والمستويات الحالية البالغة الانخفاض من معدلات الفائدة غير مسبوقة ولن تدوم، وبالتالي فالسؤال الآن هو إلى أي مدى قد ترتفع معدلات الفائدة وليس إذا كانت سترتفع أم لا؟ وفي هذا الصدد فالإجابة الأمينة هي أننا لا نعرف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يعتمد ما يحدث لمعدلات الفائدة على معدل التضخم، لكنه يعتمد أيضاً على القوة الإجمالية للاقتصاد، ويعني ذلك أن السؤال التالي هو عالمي، إذ يدور حول ماذا يحدث للنمو الاقتصادي العالمي؟
وهنا يمكننا أن نكون إيجابيين تماماً. تلقى الاقتصاد العالمي ضربة واسعة النطاق من كورونا لكنه انتعش بقوة، إذ استعادت غالبية الاقتصادات الكبرى، بما في ذلك اقتصاد المملكة المتحدة، ذرواتها السابقة على الجائحة أو تجاوزتها، وسيترك هذا التعطل بعض الأضرار البعيدة الأجل، فمن غير الممكن إغلاق مجالات من الاقتصاد العالمي لأكثر من سنة ثم توقع انتعاشه من دون أي مشكلات، لكن هناك أيضاً بعض المنافع البعيدة الأجل لأننا تعلمنا التصرف بطرق أكثر فاعلية، وبالتالي فمن المرجح أن يؤدي تجديد نظام التوزيع والانتقال إلى تسليم الطلبيات في المنازل وانتشار العمل من المنزل إلى زيادة الكفاءة الإجمالية للاقتصاد، ولو أن ظهور المنافع سيستغرق وقتاً طويلاً.
في المقابل، إلى أي مدى تسببت الحرب في إلحاق الضرر بالتوقعات التي كانت لتبدو بخلاف ذلك إيجابية؟ من الصعب الجزم، لكن من المؤكد أن الكلف الاقتصادية ستكون باهظة بعيداً من الكلف الإنسانية الأكثر إقلاقاً، وسينشر "صندوق النقد الدولي" توقعاته الاقتصادية العالمية المقبلة في وقت لاحق من هذا الشهر، وقد صدرت بعض الفصول التحليلية منها بالفعل، وستكون محاولة مبكرة لتقدير نطاق الخسائر.
نحن نعلم أن الأثر سيكون خطراً في شكل خاص بالنسبة إلى الاقتصادات الناشئة، لكن بانتظار التوصل إلى وقف لإطلاق النار فمن الصعب تقدير الأرقام الخاصة بأي جانب، ومع ذلك فصحيح أيضاً أن هذه الضربة الإضافية تأتي على خلفية من الطلب القوي للغاية على العمالة.
هنالك وظائف وفيرة في مختلف أنحاء العالم المتقدم، والمشكلة هنا تتلخص في إقناع الناس بتولي الوظائف، إذ إن عديداً من العاملين المحتملين قرروا إما التقاعد في وقت مبكر أو الانسحاب ببساطة من سوق العمل.
نحن لا نعرف السبب، لكن هذه الظاهرة التي يطلق عليها وصف موجة "الاستقالة الكبرى" شاملة إلى حد كبير، أما أحوال السوق التنافسية والقوية في مجال الوظائف فتختلف تمام الاختلاف عن آخر مرة كان فيها معدل التضخم مرتفعاً إلى هذا الحد، ففي نهاية العام 1979 بلغت نسبة البطالة في المملكة المتحدة 5.5 في المئة، وفاقت 10 في المئة في الفترة بين عامي 1981 و1987، أما الآن فتبلغ 3.8 في المئة وهي الأدنى منذ عام 1974.
ستكون الأسابيع القليلة المقبلة مروعة ولا يمكن كتابة أي شيء يمد يد المساعدة بأي شكل من الأشكال، لكنني أعتقد بأن من المفيد النظر إلى أحوال الاقتصاد العالمي ككل، وإذا فعلتم ذلك فثمة بصيص ضوء [بريق أمل] يظهر بين السحب القاتمة، وآمل في أن يصبح تلك البصيص أكثر إشراقاً قريباً.
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 18 إبريل 2022
© The Independent