تجاهل ستيفن سيغال لم يكن أسهل مما هو عليه الآن. فنجم الفنون القتالية هذا لا يتمتع بحضور دائم في برامج الحوارات الليلية (التوك شو). كما أن أفلامه المعروفة في أيام العز السابقة ضمن موجة الأكشن تغيب عن صدارة المشاهدات على منصة نتفليكس. أجيال كاملة من الأولاد بلغوا اليوم سن الرشد من دون أن يسمعوا في حياتهم جملة: "هيا بنا نشاهد فيلم ستيفن سيغال الجديد!"
ولم ينقطع سيغال عن صنع الأفلام، التي تأتي غالباً في صيغ تتحول مباشرة إلى نسخ فيديو، بيد أن ألق أفلام التشويق في مطلع التسعينيات، مع أعمال مثل "هارد تو كل" Hard to Kill و"أندير سيدج" Under Siege، خبا منذ زمن بعيد وطواه النسيان. كما أن سيغال وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية واجه تهماً عديدة، من بينها اعتداءات ومضايقات جنسية (وقد نفاها كلها). هذا العامل على الأرجح أسهم في تعثره الكبير وابتعاده من مشهد هوليوود السائد، لكن ذلك لم يكن السبب أو العامل الوحيد لوضعه الراهن، إذ حتى خلال ذروة نجاحه كان معظم الناس يعرفون أنه متهور إلى حد ما، ورجل فنون قتالية غير قادر على إجراء حوارات منطقية. وخلال السنوات القليلة الماضية انتقلت أنشطة سيغال في الأفلام لتغدو نتاجات مغمورة محدودة الانتشار (من بينها الفيلم الصيني "تشاينا سايلزمان" China Salesman، الذي شارك فيه أيضاً [رجل الملاكمة الشهير] مايك تايسون). غير أنه اليوم وجد طريقة جديدة تمكنه من أن يحظى ببعض الاهتمام: إنه واحد من الأصوات القليلة في هوليوود التي تمدح روسيا.
وكان فلاديمير بوتين في سنة 2018 عين سيغال مبعوثاً خاصاً في روسيا لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة. وسيغال الذي يحمل الجنسية الروسية منذ سنة 2016، حضر في عناوين الأخبار في الأشهر الماضية بسبب مواقفه الصفيقة تجاه الحرب في أوكرانيا (البلد الذي منع من دخوله سنة 2017، بعد اعتباره "خطراً على الأمن القومي"). ويوم الأحد (10 أبريل)، تحدث الممثل خلال عشاء بمناسبة عيد ميلاده السبعين أقيم على شرفه في مطعم بمدينة موسكو، حضره عدد من المقربين من بوتين (بينهم المذيع في تلفزيون الدولة فلاديمير سولوفيوف، الذي وصفته "الغارديان" بأنه "أحد أكبر أبواق البروباغندا سيئ السمعة في روسيا"، والصحافية الروسية مارغاريتا سيمونيان، التي أدرجت مع سولوفيوف ضمن لوائح العقوبات المفروضة من الاتحاد الأوروبي). وتحدث سيغال في كلمة لمدعوين قائلاً: "أحبكم جميعاً ونحن نقف اليوم متآزرين في السراء والضراء".
على أن صدور هكذا مواقف من سيغال لا ينبغي أن يشكل صدمة. فهو سبق ووصف بوتين على أنه "واحد من أعظم قادة العالم، إن لم يكن الأعظم اليوم بين القادة الأحياء". وفي سنة 2014، اعتبر ضم روسيا لشبه جزيرة القرم أمراً "منطقياً جداً"، لذا فإنه ليس غريباً ربما أن يلتبس الأمر على أشخاص مثل المذيع الشهير على "سي أن أن" جو روغان، فينشروا تقريراً مزيفاً من "سي أن أن" في وقت سابق من هذا العام يزعم خاطئاً أن سيغال انضم إلى القوات الخاصة الروسية المتمركزة على مقربة من مدينة كييف. بالنسبة لمعظم المشاهير قد يبدو واضحاً أن تلك القصة مفبركة، لكن فيما خص سيغال، فإن كل شيء من هذا القبيل يبدو ممكناً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي يجعل سيغال هكذا شخصية فضائحية رخيصة وغريبة؟ جانب من الأمر منه يبدو عميقاً في شخصيته. فهو رجل غريب المظهر، وفق معايير هوليوود: بنظاراته القاتمة، وحضوره المستفز ولحيته الكثيفة المشذبة، وذاك يأسر النظر ولا ينسى بسهولة. تجربته المهنية حفلت بحكايات عن اختلاله غير المعلن، سواء تمثل ذلك بحضوره الشاحب والكئيب في برنامج "ساترداي نايت لايف" Saturday Night Live أو بحكايات عن مواجهاته المزعومة مع نجوم ومتعاونين آخرين شاركوه التمثيل، إلا أن علاقة حب سيغال لروسيا لا تمثل سوى نقطة جاذبية قاتمة، ولا تهم إلا بعض الفضوليين.
ففي هذا الوقت بالذات، الذي يقوم فيه النجوم بالتفكر ملياً للتعبير عن معارضتهم الشديدة لأفعال روسيا تجاه أوكرانيا، يبدو سيغال نموذجاً بائساً، إذ حتى جيرار ديبارديو، المواطن الروسي الذي سبق له وامتدح نظام بوتين، أعلن إدانة الحرب مستدعياً ضده ردة فعل سلبية من الكرملين، لكن سيغال مرة أخرى، يبقى نموذجاً غريباً من هوليوود، غريباً بكل ما في الكلمة من معنى، ومنبوذاً، لا يتجاوز ما قدمه في السياق الثقافي بضعة أفلام مغامرات مبهرجة ظهرت منذ 30 سنة. كلماته اليوم ليس لها تأثير على أحد، أبداً، مهما اتسمت بمضامين كريهة، إذ لو أوقع رجل برمية أيكيدو في غابة، من دون وجود أحد ليسمعه، فهل سيصدر صوتاً؟ [غياب الشهود يخفف من أهمية المسألة]
الآن، وقبل أن يسبقني أحد في ذكر هذا، ثمة مقدار من السخرية في تخصيص مقالة من 750 كلمة لرجل أقول بأنه لا يستحق سوى المعالجة عن طريق الصمت، لكن هذا بالضبط ما يجسد المشكلة مع سيغال. فهو بمجرد أن يحضر في نطاق رؤيتك، يصعب عدم النظر عليه. وعندما يهدأ الغبار، ويحاكم بوتين تحت ضوء التاريخ البارد، لن يكون سيغال أكثر من ملاحظة غريبة ومؤسفة في الهوامش.
© The Independent