نادراً ما يؤدي إصرار أصحاب رؤوس الأموال المغامرة وسعيهم لتحقيق أعلى الأرباح إلى توليد فرص العمل وتحقيق الأمن الوظيفي. لذلك، يتسبب الاستحواذ على أصول الشركات إلى فقدان بمعدّل 5 في المئة من الوظائف نتيجةً لتجاهل وضع الشركة الراهن، الأمر الذي يكشف واحدة من أكثر الحقائق قسوةً في بيئة العمل، ألا وهي أنه أثناء المكافحة من أجل البقاء، تنقسم الولاءات وتصبح الالتزامات هشة ويسهل للغاية الاستغناء عن فريق العمل وثقافة بيئة العمل - وهذه حقيقة اكتشفتها بنفسي عن تجربة شخصية.
ففي حالتي، بدأت آثار المرحلة الجديدة التي تلت الاستحواذ تتجسد عصر أحد أيام شهر أغسطس (آب)، بينما كنت متواجدة داخل خيمة تتسم بجوّها الحار جداً، والإلفة المزيّفة، وإجراءات فحص حرارة الموجودين، عقب رفع إجراءات الإغلاق [تصدّياً لجائحة كورونا] لتوّها. وبدأ المقيّمون يتفحصون المستثمرين بعيون تملأها الريبة والجحوظ وأوجه تعلوها ابتسامة متوترة. وقف أحد المستثمرين الذي تعين لتوه رئيساً جديداً لمجلس الإدارة وتوجه إلى المسرح استعداداً لإلقاء كلمة أمام الحضور. ولا شك أن المستثمرين كانوا الأكثر استرخاءً وعلى وشك إجراء تعديلات شبيهة بالتعديلات الوزارية، فهم لديهم كل الإجابات ويتمتعون بالسيطرة.
كانت مهمتهم في ذلك اليوم إيصال رسالة دقيقة مفادها التلميح إلى جدول أعمال من شأنه أن ينهي هوية الشركة كما عرفناها على مرّ ثلاثين عاماً والتي كانت قائمة بفضل مؤهلات مؤسسها الطيب القلب، ولكن في الوقت نفسه تهدف إلى تطمين الحضور بأنه لن يكون هناك أي تعطيل في الأعمال. وجاءت الوقائع والتفاصيل لتصرّح عن "سير العمل بشكل طبيعي"، ولتؤكّد بأن الإجراءات لا تكاد تتجاوز توظيف بعض الموظفين الجدد لا غير. وبالفعل، لماذا يحيدون عن المسار الراسخ للشركة، وقد أتت هذه الخطوة بمثابة الاحترام والتقدير للقيم الحالية والنزاهة؟ ثم أكد مستثمر آخر يرتدي سترة وبنطلون جينز قائلاً إن أحداً لن يفقد وظيفته وانفجر ضاحكاً بقوة، فاضطرّ الحضور إلى الابتسام قليلاً من دون أن تنبع ابتسامتهم تلك من القلب.
لم يصدق أحد ذلك حقاً، بالتالي، ساد شعور بالانزعاج والقلق بين الحضور. الناس بشكل عام تعتمد في حياتها على عادات معينة، لا سيما في مكان العمل حيث تعزز الروتين، والتكرار، والدراية بالأمور الولاء للمكان، وتمنح شعوراً غريباً بالراحة في بيئة لا تخلو من الضغوط والتوقعات. ولكن أغلب أصحاب رؤوس الأموال المغامرة يطمعون في أن يكونوا أكثر من مجرد مستثمرين. وقد أثبت أحد الأبحاث الذي أجرته هارفارد بزنيس ريفيو أن 60 في المئة من أصحاب رؤوس الأموال المغامرة البالغ عددهم 900 ممن أُجريت معهم مقابلات "تفاعلوا بشكل كبير" مع الشركات المندرجة في محافظهم الاستثمارية على الأقل مرة في الأسبوع، في حين أن 58 في المئة منهم قدم إرشادات حول عمليات التشغيل، وأن نصفهم تقريباً شارك في تعيين موظفين.
كما أن الموظفين الذين يبذلون جهداً للبقاء في الشركة وبالفعل ينجحون من دون أن يتأثروا بهذا التحول، يناؤون بأنفسهم بأفضل قدر من الكفاءة مما كان سائداً من قبل ــ وهو نهج غالباً ما يتطلب رياءً منعدم الأحاسيس. لذا بالنسبة لأولئك الذين تعتمد مسيرتهم المهنية على الشركة والمرحلة المقبلة من التطور التي تتطلب توظيف أشخاص جدد وتحقيق النجاح بأي ثمن، فإن المهمة قد بدأت بعد ظهر ذلك اليوم عندما رُميت كاسات الشمبانيا الفارغة وبدأت الكريمة الذائبة تلوّث الكاسات الورقية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إن عملي كمستشارة خارجية من وقت لآخر، باعتباري منفصلة عن بيئة الشركة وحديثة العهد فيها بعدما عرفني عليها المؤسس المتقاعد، جعلني ضعيفة بشكل خاص أمام هذه القوة الجديدة، وسرعان ما أصبحت منبوذة بين المطّلعين على الوضع والذين يعرفون أكثر مني عن الوضع وإن بقليل. وذلك يفسر لماذا الشخص الوحيد الذي أذكر أني تحدثت معه في تلك الخيمة الحارة، إلى جانب المؤسس وزوجته اللذين أصبحا الآن مهمشين ويعاملان على أنهما غير معنيين في هذه الدراما التي بدأت تتضح فصولها وأحداثها بسرعة، كان فقط مدير التسويق الذي سيفصل في الشهر التالي. وتجدر الإشارة إلى أن الشخصين اللذين عملت معهما بشكل وثيق جداً خلال العام الماضي وأعددت خططاً معهما وضحكنا سوياً واللذين كانا يصافحان يدي بحماسة عندما نحقق نتائج جماعية مهمة، تجاهلاني الآن عندما اقتربت منهما بينما كانا يتحدثان ببهجة وفرح مع شخص لم يعرّفاني عليه، وكان ذلك مؤشراً واضحاً على ما سيحدث لاحقاً.
وفي الأسابيع التي تلت تلك المناسبة، تزايد إحساسي بالعزل والتهميش بعد أن توقفت الاجتماعات التي كانت تنعقد بانتظام ولم أعد أتلقّى الرسائل الإلكترونية - ولم أستطع الحصول على إجابات ومعلومات أساسية احتاجها لإنجاز عملي. من الواضح أن الأمر شائع جداً إذ يجادل إيان كلارك في مجلة إدارة الموارد البشرية الدولية التابعة لجامعة برمنغهام بأن عمليات الاستحواذ من هذا النوع تنتج منها حالات فصل للموظفين وعدم اعتراف من النقابة ونقل للموظفين وكذلك تقليص مستوى مشاركة المعلومات والاستشارات.
والواقع أن الأنباء والتطورات وقعت من دون اطلاعي عليها حيث كنت غافلة عنها. ونظراً لأن عملي يعتمد على التعاون مع فريق متفرغ وكبير، تسبب ذلك في إعاقة ما أحرزته من تقدم. تلت ذلك سلسلة من الاجتماعات على منصة زووم لمناقشة أسباب عدم إحراز أي تقدم، من دون أن نذكر الأسباب المباشرة وراء ذلك. في كل مرة تظهر وجوه جديدة لا أعرفها على الشاشة أثناء الاجتماعات التي يترأسها شخص لن أراه مرة أخرى ثم ينضم الشخص نفسه لاحقاً إلى الاجتماع من دون اعتذار ويمطرني بأسئلة تتعلق بعملي وإنجازاتي حتى الآن. لقد جعلتني هذه الدينامية تحت المجهر طوال الوقت من دون أي دعم في حين كانوا يحثوني على تقديم اقتراحات لم تحظَ بأي متابعة أو تعقيب من جانبهم.
في هذه الأثناء، أصبح زملائي السابقون يحضرون بشكل عابر اجتماعات زووم بوجوه تخلو من أي تعابير سوى النشاط، كما لو أننا لم نلتق أبداً من قبل، وجميعهم يوفرون طاقتهم لشخص يدعى دوم باعتباره رئيس الشؤون التجارية التنفيذي حيث كان اسمه يتداول على طرف كل لسان ومحط لأكثر عبارات المداهنة والتملق. وعلى النقيض من ذلك، كان المؤسس المتقاعد محط ازدراء ومثاراً لسخرية من وظفهم أصلاً في الشركة. لقد كان وضعاً محبطاً ومؤسفاً بمعنى الكلمة. إنه لأمر محزن أن لا تظل الأشياء الجميلة كما كانت في السابق. لا بأس بالتغيير طالما أنه يحسّن ويعزز الإنجازات السابقة، ولكنه يصبح ساماً عندما يجلب معه قيماً متدنيةً وغروراً فجاً سرعان ما يصبح مجرد تشويه لمبادئ وسلوكيات الآخرين.
وأخيراً تحدثت مع دوم بعد ظهر أحد الأيام وأخبرته أنني سأغادر ــ لم أخبره بذلك شخصياً في مكتبه كما اتفقنا سابقاً ولكن على شاشة زووم لأنه لم يكلف نفسه عناء الحضور إلى المكتب. وأخبرني أنه لم تتسنَ له الفرصة ليتعرف علي، فأنا بالنسبة له مجرد رقم في جدول بيانات، كحالة طبية أجري لها تقييم سريري والنتائج متوقعة سلفاً.
ارتفعت انشطة الاستحواذ على حقوق الملكية في الشركات البريطانية بنسبة 60 في المئة تقريباً في عام 2021 مقارنةً بالفترة نفسها قبل الجائحة في عام 2019، وذلك وفقاً لأخصائيي البيانات المالية في شركة ريفينيتف. أليس جميلاً لو كان من الممكن التعامل مع الموجة الجديدة بشكل أفضل قليلاً؟
نشرت اندبندنت هذا المقال في نوفمبر 2021
© The Independent