تنظر وزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتيل، في قرار محكمة بريطانية بترحيل مؤسس موقع "ويكيليكس" جوليان أسانج إلى الولايات المتحدة حيث يواجه اتهامات بتسريب وثائق الحكومة الأميركية في الفترة ما بين 2010 و2011. وفي حال موافقة الوزيرة على قرار ترحيله يبقى أمام أسانج الاستئناف لدى المحكمة العليا البريطانية.
يجري النظر في قضية ترحيل أسانج منذ فترة، وتحديداً منذ نقله إلى سجن "بلمارش" في جنوب شرقي العاصمة البريطانية لندن عام 2019 من سفارة الإكوادور التي كان يتحصن بها. الحدث الأهم الذي جعل سجن بلمارش في عناوين الأخبار كان زواج أسانج من محاميته ستيلا موريس الشهر الماضي داخل السجن الذي يعد من أكثر السجون البريطانية شهرة بسبب حراسته المشددة، والذي وصفه بعض النزلاء بأنه "جهنم". وغالباً ما يوصف سجن بلمارش بأنه "غوانتانامو بريطانيا"، نسبة إلى معتقل جزيرة غوانتانامو الأميركي الذي يضم سجناء من تنظيم "القاعدة".
حديث نسبياً
يكتسب سجن بلمارش سمعته كمنشأة مشددة الحراسة تأوي أخطر المجرمين، لكنه في الواقع من أحدث السجون من نوعه. فهو مبنى حديث نسبياً إذ افتتح في عام 1991 ليصبح أول سجن للرجال بهذا الشكل يتم بناؤه في لندن منذ أكثر من قرن. وبالتالي فوضعه كمبنى أفضل كثيراً من سجون مثل سجن داتمور في ديفون، وسجن بينتونفيل في شمال لندن، وسجن بارليني في غلاسكو.
بني سجن بلمارش في الجزء التاريخي من جنوب شرقي لندن في المنطقة التي كانت من قبل تسمى "الترسانة الملكية"، حيث كان يجري تصنيع كل الذخيرة التي يستخدمها الجيش البريطاني. ويبعد السجن دقائق عن شواطئ نهر التيمز وتحيط به منطقة سكنية وتجارية. ولأنه ليست هناك قيود مرورية في المنطقة يمكن العبور في الشوارع المجاورة للسجن الشهير بشكل عادي.
يتكون السجن من أربع وحدات إضافة إلى مباني الأمن والخدمات وغيرها، أشهرها بالطبع هي وحدة الحراسة القصوى. وتبلغ سعة السجن 910 نزلاء إجمالاً، وفيه زنازين فردية وزوجية وزنازين لثلاثة نزلاء. وتبلغ سعة وحدة الحراسة القصوى 48 نزيلاً وهي الوحدة الأشد تأميناً ويستغرق مجرد الدخول إليها عدة دقائق، إذ يقوم الضباط بفحص وتدقيق وجه الداخل عبر كاميرات تعمل عن بعد. ولا يمكن أن يُفتح في تلك الوحدة بابان في وقت واحد، وتكاد تكون تلك الوحدة سجناً داخل السجن.
تضم هذه الوحدة نزلاء سجن بلمارش الأشد خطورة على الإطلاق، ومن تتوفر لديهم القدرات والإمكانيات للهرب أو ارتكاب أي شيء. ولا تزيد خدمة العاملين في تلك الوحدة على ثلاث سنوات، لتفادي أي احتمال ولو كان ضئيلاً لتكوين علاقة بالنزلاء. كما أن من يعملون بها من حراس وغيرهم يتلقون تدريباً على أساليب الاستقطاب والاستمالة وغير ذلك بحيث يمكنهم التعرف مبكراً على أي محاولة لاستغلالهم.
كما لا يقضي النزيل في تلك الوحدة ذات الحراسة القصوى أكثر من شهرين في الزنزانة نفسها، ويتم نقله وتغيير مكانه بحيث لا يمكنه التعود على المكان أو إخفاء أي شيء. ويبدو ذلك شبه مستحيل، لأن النزلاء في تلك الوحدة مراقبون طوال الوقت تقريباً. ومع أنه يسمح لهم بالتريض خارج الزنازين إلا أن ذلك يكون في مكان مغطى بشبكة حديدية بحيث لا يغيبون عن عين الحراس مطلقاً.
ولا يسمح بسوء السلوك في تلك الوحدة بأي شكل. وهناك درجات عقابية أولها إبقاء النزيل الذي ينتهك القواعد لمدة 23 ساعة يومياً في زنزانته (الوقت المعتاد 12 ساعة فقط). وفي حالات السلوك الأسوأ ينقل النزيل إلى ما يسمى "الصندوق" وهي غرفة ليس بها أي شيء على الإطلاق.
نزلاء مشاهير
ضم سجن بلمارش شديد الحراسة أشهر المجرمين في بريطانيا، ومنهم تشارلز برونسون المدان بالسرقة المسلحة، الذي اشتهر في السجن بتهديد ومهاجمة النزلاء. ومن حوادثه الشهيرة حين اصطدم به نزيل عراقي متهم بالاختطاف ولم يعتذر فاحتجز برانسون 3 رهائن عراقيين ونزيل آخر وطلب السماح له بالذهاب إلى ليبيا. طبعاً لم يلب طلبه وزادت مدة حكمه خمس سنوات أخرى. من هؤلاء أيضاً روني بيغز، مرتكب "سرقة القطار الكبرى"، الذي هرب من السجن عام 1965 ليمضي 36 عاماً يعيش من دون تخف في أستراليا وريو دي جانيرو قبل أن يعود إلى بريطانيا ويودع في بلمارش.
هناك أيضاً بعض المشاهير المتهمين بالإرهاب مثل أنجم شودري وخطيب مسجد فينسبري بارك أبو حمزة. وممن بدأوا مسيرتهم في بلمارش أيضاً الليبي هاشم عبدي، شقيق مفجر ساحة مانشستر، الذي كان شريكاً له في الهجوم. وهاجم عبدي أحد الحراس ولدى مساءلته قال للقاضي: "لقد هاجمت هذا الخنزير القذر، ولا أرى أني ارتكبت خطأ في ذلك".
ذلك إضافة إلى عدد من المجرمين الذي يقضون عقوبة السجن مدى الحياة في جرائم قتل متعددة. أحدثهم الشرطي واين كوزينس الذي اختطف واغتصب وقتل الشابة سارة إيفرارد بعد أن اعتقلها من دون وجه حق بتهمة خرق قواعد الحجر في وقت جائحة كورونا.
إلى جانب المجرمين الجنائيين والإرهابيين، هناك أيضاً مشاهير مثل زعيم اليمين المتطرف تومي روبنسون، والروائي الشهير ونائب حزب المحافظين الحاكم سابقاً جيفري أرشر. وقضى أرشر مدة عقوبته في بلمارش بعد إدانته بالشهادة الزور. وبعد خروجه، ألف جيفري آرشر كتابه عن السجن بعنوان "بلمارش: جهنم".
طبعاً يبقى الأكثر شهرة حتى الآن هو جوليان أسانج الذي يعرفه مئات الملايين حول العالم ممن اطلعوا على ما سربه من وثائق على موقع "ويكيليكس". وكان زواجه في السجن حدثاً مشهوداً بالفعل. حيث لم يسبق لرجال الدين في السجن أن شهدوا زواجاً فيه طوال مدة عملهم هناك البالغة 12 عاماً.