مع اقتراب موعد الانتخابات في تركيا، بدأت خطابات القادة السياسيين تتضح أكثر، بخاصة في ما يتعلق باللاجئين السوريين. فإذا كان تأثير الأزمة الاقتصادية على السياسة واضحاً، لكننا لم نكن نتوقع أن تهيمن قضية اللاجئين أيضاً على السياسة بهذا الحجم.
كما هو معروف، كانت تركيا من أكثر دول المنطقة تضرراً من الحرب الأهلية السورية التي بدأت في عام 2011. وفي هذا العام بدأ أبناء المجتمع التركي، يشعرون بشكل كبير بالآثار السياسية والاجتماعية والاقتصادية لهذه المشكلة متعددة الأبعاد، وأصبح الناس يرون اللاجئين السوريين من بين الأسباب التي أثرت سلباً في الاقتصاد الذي ما عاد يتعافى من أزمته الخانقة، وبدأت الأصوات المنتقدة تتعالى وتتزايد بشكل سريع ضد سياسة الحزب الحاكم في ما يتعلق باللاجئين.
ومن الواضح أن جزءاً كبيراً جداً من المجتمع، من شتى الأطياف السياسية أو العرقية، يريدون إرسال اللاجئين السوريين إلى بلدانهم. وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجريت من طرف كل من الحزب الحاكم والمعارضة، إلى أن 80 في المئة من الشعب التركي يطلبون إرسال اللاجئين إلى أوطانهم.
نعم، حتى وقت قريب، كان موقف الرئيس أردوغان بشأن إيواء اللاجئين ومواصلة "احتضانهم" واضحاً. ففي حفل "جوائز الخير الدولية" الذي أقيم في 15 مارس (آذار)، قال عن اللاجئين السوريين، "يقول قادة المعارضة الرئيسة في هذا البلد الجميل: سنرسل اللاجئين إلى بلادهم عندما نفوز في الانتخابات، أما نحن فلن نرسلهم لأننا نعرف جيداً من هم (الأنصار) ومن هو (المهاجر). سنواصل الاستضافة".
واستخدمت وسائل الإعلام الخاضعة لسيطرة أردوغان هذا الخطاب حتى الأسبوع الماضي. لكن الجميع فوجئ، بعد أن أشار استطلاع رأي إلى أن 84 في المئة من مؤيدي حزب العدالة والتنمية الحاكم يطالبون بإعادة السوريين إلى بلدانهم. وبالفعل كان هذا تطوراً غير متوقع من قبل مسؤولي الحزب، مما جعل أردوغان يصرح الأسبوع الماضي في برنامج الإفطار مع السفراء في ما يتعلق بعودة اللاجئين، "نبذل قصارى جهدنا من أجل ضمان العودة الطوعية والكريمة لأشقائنا وأخواتنا السوريين".
حتى يوم أمس، كانت الحكومة تنتقد بشدة أحزابَ المعارضة، لا سيما رئيس حزب الشعب الجمهوري، بسبب موقفهم السلبي تجاه اللاجئين، ولكن هذه التطورات الأخيرة أجبرتها على أن ترجع إلى الخط نفسه مع معارضيه.
لذلك يمكنني القول بسهولة: إذا كان الاقتصاد هو أول العوامل التي ستؤثر على الانتخابات المقبلة، فإن مشكلة اللاجئين في تركيا ستكون في المرتبة الثانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الحكومة تتراجع
نعم، تراجعت الحكومة في ما يتعلق باللاجئين السوريين إلى خط "الإعادة دون إيذاء" الذي كان يقول به حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية وحزب الخير. وسيكون لهذا التراجع تأثير في حزب المستقبل والدواء والسعادة التي كانت تأمل أن تستقطب الأصوات الهاربة من الحزب الحاكم. وكان رئيس حزب المستقبل أحمد داود أوغلو يقول، "إن القول بإعادة اللاجئين دون تهيئة الظروف المناسبة لعودتهم قد يبدو خطاباً لكنه ليس واقعياً".
وفي مقدمة السياسيين المناهضين لإيواء اللاجئين في تركيا أوميت أوزْداغ زعيم حزب النصر المؤسس حديثاً.
ولسوء الحظ، نجح هذا الرجل في إشعال فتيل الوقوف ضد اللاجئين والوصول بالأمر إلى حد العنصرية. وأصبح يردد بأن عدد اللاجئين السوريين في بعض المحافظات والمقاطعات أعلى من المواطنين الأتراك، ما حرض معظم أبناء المجتمع التركي ضد السوريين.
وقد سرق هذا الحزب الجديد ورقة اللاجئين من كل من الحكومة وسائر أحزاب المعارضة بنجاح، ولقي هذا الخطاب ترحيباً واسعاً لدى الشعب التركي، ما جعل أردوغان نفسه يراجع حساباته ويغير خطابه بشكل مفاجئ بناء على نتائج الاستطلاعات المتعلقة باللاجئين.
نعم حتى يوم أمس، كانت حكومة حزب العدالة والتنمية تستخدم اللاجئين كعنصر "مساومة" في السياسة الخارجية.
وعلى وجه الخصوص، فإن أردوغان نفسه، كلما أراد الحصول على المساعدات التي يريدها من الاتحاد الأوروبي كان يلوح لهم بشماعة اللاجئين هاتفاً، "إذا لم تدفعوا المال فسأفتح الأبواب وأرسل اللاجئين".
لكن الآن، على مشارف الانتخابات المقبلة، أصبحت مشكلة اللاجئين تضرب بثقلها في السياسة الداخلية أيضاً.
بالطبع، لا يمكن تجاهل البعد الإنساني لقضية اللاجئين السوريين، الذي يبلغ عددهم حوالى 4 ملايين شخص. لكن لا أستبعد أن تضحي حكومة حزب العدالة والتنمية باللاجئين الذين كانت تدافع عنهم منذ عشر سنوات من أجل الفوز في الانتخابات.
آمل ألا يؤدي الخوف من فقدان السلطة إلى قيام الرئيس أردوغان بأمور أكثر خطورة.