يبدو قرار بطولة ويمبلدون بحظر لاعبي كرة المضرب الروس والبيلاروس من المشاركة بمثابة رسالة مزعجة مألوفة لدى المشجعين الرياضيين في جنوب آسيا. ففي التسعينيات، بدأ الهندوس المتطرفون في الهند بحفر الملاعب لمنع إقامة مباريات الكريكيت بين الهند وباكستان. وفي وقتٍ لاحق، قام الدوري الهندي الممتاز بمنع اللاعبين الباكستانيين من المشاركة في المنافسات بشكلٍ كامل. بعباراتٍ أخرى، لا تضمّ منافسات بطولة كأس العالم للكريكيت T20 اثنين من أفضل ثلاثة ضاربين في هذه اللعبة بسبب هويتهم الوطنية.
وستقوم بطولة ويمبلدون أيضاً بحرمان جمهورها العالمي من اثنين من أفضل اللاعبين في العالم وهما المصنف الثاني عالمياً الروسي دانييل ميدفيديف، والبيلاروسية أرينا سابالينكا الرابعة عالمياً. ولم يكن أحد بحاجة إلى حفر وسط الملعب في ويمبلدون لحثّ نادي عموم إنجلترا (منظم بطولة) All England Lawn Tennis Club على اتخاذ هذه الخطوة التعسفية.
فأين تكمن مصداقية منافسة في كرة المضرب لا تسمح لمصنّفين عالميين بالمشاركة بسبب الجرائم التي ترتكبها بلادهم وليس بسبب تصرّف شخصي كخرق القوانين المتعلقة بجائحة كورونا على سبيل المثال؟
وهل سيكون تصنيف رابطة محترفي كرة المضرب (ATP) ورابطة محترفات كرة المضرب (WTA) عادلاً عندما يتمّ حظر لاعبين من بلدين من المشاركة بإحدى البطولات الأربعة الكبرى؟ وهل يجوز الاستمرار في إطلاق تسمية البطولة "المفتوحة" على منافسات ويمبلدون؟
ولكن طبعاً، هناك "ما هو أعظم [أهم وأكثر وزناً] من الرياضة".
تكمن المشكلة في هذا البيان أنه يعني أموراً مختلفة لأشخاص مختلفين في أجزاء مختلفة من العالم. وعندما يبرّر هذا الأمر "الأعظم" الاستبعاد القائم على الهوية أو الجنسية، يصبح استعراضاً وقحاً للتعصّب والتمييز.
فعلى سبيل المثال، بالنسبة للعديد من الرياضيين في مختلف الدول العربية والإسلامية، يشكّل العداء لإسرائيل أمراً أكبر من الألعاب الأولمبية. وفي هذا الصدد، كان العديد من الرياضيين على استعداد لقبول الحظر من الرياضة التي كرّسوا لها كلّ حياتهم مقابل عدم التواجه مع لاعب إسرائيلي. فمن خلال استفراد إسرائيل، غالباً ما لا يرى هؤلاء الرياضيون الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في أمكنة أخرى، خصوصاً في بلدانهم الأم، بالشكل نفسه الذي لا يرى فيه الغرب في حروبه الكارثية في العراق أو أفغانستان سبباً كافياً يدفع البلدان الأخرى إلى حظر رياضيين.
بالتالي، إن أصبحت جرائم الحرب معياراً لعدم السماح لرياضيي بلد معيّن من المشاركة في المنافسات الرياضية، فسيصبح الرياضيون البريطانيون أو الأميركيون أو الفرنسيون منافسين من دون تصفيات في الألعاب العالمية.
وما التبرير المحتمل الذي قد تقدمه أي دولة غربية، حتى إن اعتمدنا مقياساً أخلاقياً منحرفاً، لقيامها بحظر رياضيين انطلاقاً من جرائم ارتكبتها بلادهم فيما استضافت وستستضيف الصين وقطر أحداثاً عالمية على المستوى نفسه من ويمبلدون؟
سيساهم الحظر الذي وضعته ويمبلدون في تعزيز الدعوات الشوفينية من قبل المتشددين وقد يؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى بطولات في مجالات النفوذ السياسي ومن المحتمل أن تصبح معها الأحداث الرياضية ذكرى من الماضي الجميل.
بالإضافة إلى ذلك، ستتم الإطاحة بأية محاولات لاستخدام الرياضة كوسيلة لبناء السلام. فعلى سبيل المثال، وضع اللاعب الباكستاني هيثم الحق القرشي حياته المهنية وحياته الشخصية على المحك للمشاركة مع لاعبين من إسرائيل والهند في بطولة كرة المضرب المزدوجة للرجال. وسيدخل منافسات ويمبلدون هذا الصيف ليشهد على محو كافة الجنسيات من مختلف سحوبات القرعة في نفس الموقع الذي استحوذ فيه القرشي وأمير حداد منذ عشرين عاماً على عناوين الأخبار والصحف العالمية كفريق مسلم-يهودي، باكستاني-إسرائيلي في بطولة كرة المضرب المزدوجة للرجال.
وتتشارك باكستان وروسيا العديد من القواسم المشتركة خارج مساهمة الرياضيين من الدرجة الأولى في لعبتي الكريكيت وكرة المضرب على التوالي. فلدى البلدين أنظمة استبدادية ويسعى كلاهما إلى زعزعة الاستقرار في جوارهما المباشر لانتزاع مكاسب جيوسياسية ويعامل كلاهما الدول المجاورة السيادية [السيدة] أي أفغانستان وأوكرانيا كامتداد لأراضيهما بهدف استخدامهما ضدّ الخصوم اللدودين على الرغم من مساهمة نيودلهي في الصراع الثنائي.
ولكن حتى في ذروة الحرب والعدائية بين البلدين، دائماً ما خاضت الهند مباريات ضدّ باكستان في المسابقات الرياضية الدولية. فما سيتبقى من الأحداث الرياضية العالمية التي تتيح للسياسات الثنائية بأن تملي من يلعب ضد من؟
من طريق حظر اللاعبين الروس، قامت ويمبلدون بخيانة ملايين دعاة السلام والمشجعين الرياضيين في كافة أنحاء العالم والذين حاربوا ضدّ هذا النوع من الإقصاء على مدى عقود.
© The Independent