Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

واشنطن وطهران والرهان على الشعرة اليابانية

زيارة "آبي" إلى إيران محفوفة بالمخاطر السياسية على موقع ودور طوكيو بالساحة الدولية

وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي (أ.ف.ب)

يحكى أن أعرابيا سأل الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان؛ كيف حكمت الشام أربعين سنة ولم تحدث فتنة والدنيا تغلي؟ فقال معاوية: "إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مَدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحولت هذه المقولة، وتحديداً الجزء المتعلق بالشعرة، من أبرز القواعد في التعامل السياسي، ليس في العلاقات الفردية والاجتماعية أو في التنافس السياسي بين شخصيات أو أحزاب أو جماعات، بل أيضا في علاقات الدول وفي ضبط إيقاع الصراعات بينها، وهي تنسجم مع مبدأ الذرائعية أو البراغماتية من أجل الحفاظ على البقاء والاستمرار، مع تحقيق نسبي للأهداف التي تكمن في خلفية النزاعات.

انطلاقا من هذه الرؤية، يمكن التوقف عند الزيارة التاريخية التي قام بها رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى العاصمة الإيرانية طهران في ظل الأزمة المتنامية بينها وبين الإدارة الأميركية على خلفية الملف النووي والنفوذ الإقليمي والبرنامج الصاروخي لإيران.

فقد كُتب الكثير في الأيام الأخيرة حول أهداف هذه الزيارة والمهام الملقاة على عاتق القيادي الياباني والآمال المعقودة على النتائج التي ستقود إليها المفاوضات التي سيجريها مع القيادة الإيرانية، ونوع الرسائل التي مررها وسيمررها بين الطرفين من أجل التوصل إلى نقطة "وسط" تسمح بالحد من ارتفاع وتيرة التصعيد وتقلل من حدة التوتر وتوفر الإمكانية لشركاء طهران الاقتصاديين، واليابان منهم، الاستمرار في التعامل الاقتصادي والنفطي معها، بما يخفف من استحكام طوق العقوبات الاقتصادية التي أعادتها واشنطن بعد انسحابها من الاتفاق النووي.

مما لا شك فيه، أن زيارة "آبي" إلى طهران، محفوفة بالمخاطر السياسية على موقع ودور طوكيو على الساحة الدولية، فبالنسبة لرئيس وزرائها من غير المسموح سياسيا أن تنتهي هذه الزيارة إلى الفشل أو عدم تحقيق أي نتائج إيجابية في الأزمة بين الطرفين موضوع الوساطة، حتى وإن استطاع تحقيق نتائج إيجابية على صعيد التعاون الاقتصادي، حاليا وفي المستقبل، مع طهران بموافقة أميركية. وعلى الرغم من التمهيد الذي عممته الحكومة اليابانية بأن رئيسها لا يحمل رسائل بين الطرفين أو يقوم بلعب دور الوسيط بينهما، فإن الفشل في الجانب السياسي يعني خسارة الفرصة التاريخية التي تشكلها هذه الزيارة والدور المأمول في فتح قناة حوار بين واشنطن وطهران، وبالتالي زعزعة الثقة بأي دور ياباني في أي من الأزمات الدولية مستقبلا.

الإصرار الياباني على نفي أي وساطة أو نقل رسائل بين طرفي الأزمة، يقابله صمت يكاد يكون مطبقا من واشنطن وطهران حول طبيعة الدور الذي من المفترض أن تضطلع بها الزيارة اليابانية التي تعتبر الأولى منذ انتصار الثورة الإسلامية قبل أربعة عقود بهذا المستوى. ما يعني حرصا من الطرفين؛ الإيراني الذي ينتظر الضيف الياباني وما سيكشف عنه من مقترحات وأفكار لإيجاد مخارج للأزمة القائمة، خصوصا أن طهران تعتقد بأن ما قد يطرحه هذا الضيف الذي "لا ينطق عن الهوى" بل بتنسيق كامل وتام مع الطرف الأميركي وتحديدا الرئيس دونالد ترمب.  والأميركي الذي يتوقع من هذه الزيارة الحصول على مؤشر إيراني إيجابي لبدء حوار مباشر، يسمح في التوصل إلى اتفاق جديد حول البرنامج النووي الذي يطمح إليه، ويفتح الطريق أمام حوار يتعلق بالدور الإقليمي والبرنامج الصاروخي.

وعلى العكس من "المد" أو الشد الأميركي الذي تعرضت له "الشعرة الياباني" بالتزامن مع الإعلان عن موعد الزيارة اليابانية إلى إيران، بإعلان ترمب حزمة جديدة من العقوبات التي تطال قطاع البتروكيمياويات، إلا أن الطرف الإيراني لجأ إلى "إرخاء" الشعرة حتى لا يُعقّد المهمة اليابانية التي يعول عليها للخروج من هذه الأزمة. فأبدى إيجابية عالية مع هذه الزيارة وما تحمله من بصيص أمل قد يساعد في التخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية التي يعانيها النظام.

الإيجابية الإيرانية مع الزيارة اليابانية، تحمل أيضا رسائل للشركاء الأوروبيين في الاتفاق النووي، لا تقل أهمية عن الرسائل الإيجابية التي قد تحملها لواشنطن، فطهران ستحاول القول للترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، إنها قادرة على إيجاد قنوات جديدة لتبادل الرسائل مع واشنطن وإمكانية التوصل عبرها إلى تفاهمات جديدة من دون الحاجة لدور هذه الدول التي أظهرت عجزاً في تخطي الموقف الأميركي وعدم التزامها في تنفيذ تعهداتها في الاتفاق النووي الذي وقعت عليه. وقد ظهر هذا جليا في نتائج الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس، والتي لم تصدر عن أي طرف من الجهات التي التقاها الوزير الألماني أي إشارة على إيجابية المباحثات، بل أشعلت الزيارة موجة من الاعتراضات والانتقادات في الصحف الإيرانية الموالية والمعارضة للدور الأوروبي غير الإيجابي في الأزمة الإيرانية الأميركية.

في دبلوماسية النظام الإيراني، من الصعب تحديد موعد لأي ضيف أجنبي يزور إيران مع مرشد النظام، خصوصا في الزيارة التي تحمل أبعاداً سياسية واستراتيجية وأهمية خاصة في المفاصل المهمة، إلا إذا كانت نتائج هذه الزيارة معروفة سلفا أو تم الاتفاق عليها مسبقا أو تؤسس إلى تفاهمات مستقبلية مفصلية. من هنا فإن تحديد اللقاء بين الضيف الياباني شينزو آبي مع مرشد النظام في اليوم الثاني لزيارته وبعد لقائه مع رئيس الجمهورية حسن روحاني والمباحثات بين وزيري خارجية البلدين حول الملفات التي يحملها آبي معه، يعني أن الزيارة أدت المهمة المطلوبة منها ولا بد من "تعميد" هذه الزيارة باللقاء بين آبي والمرشد حتى تأخذ التفاهمات التي تم التوصل إليها طابع "القطعية" والنهائية، بمباركة المرشد. وهذا لا يعني حتمية توصل روحاني وفريقه وآبي وفريقه إلى نتائج إيجابية، إلا أن اللقاء مع المرشد قد يسمح للضيف الياباني الوقوف على الرأي النهائي والاستماع إلى الموقف الحقيقي للنظام الإيراني من المرشد مباشرة، وبالتالي سيكون قادرا على نقل هذا الموقف من دون تفسيرات إلى الرئيس الأميركي الذي ينتظر سماعه، ليبني على الشيء مقتضاها، بقطع الشعرة اليابانية أو إرخائها لتقوم بدور الوصل غير المباشر بينهما.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء