تغلّب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على منافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبن بفارق مريح في الانتخابات التي أجريت يوم الأحد، ليفوز بفترة رئاسية ثانية، ويضع نهاية لما كان يمكن أن يكون زلزالاً سياسياً لأوروبا، لكنه أقرّ بعدم رضاه عن فترته الأولى، وقال إنه سيسعى للتغيير.
وانطلقت صيحات الفرح من أنصار ماكرون عندما ظهرت النتائج على شاشة عملاقة أسفل برج إيفل.
رئيس للجميع
وتعهّد ماكرون "تجديد أسلوبه" لكي يكون "رئيساً للجميع". وقال خلال تجمّع لأنصاره قرب برج إيفل بعد إعلان تقديرات النتائج، "هذه المرحلة الجديدة لن تكون تتمة لخمس سنوات انتهت، إنما اختراعاً جماعياً لأسلوب على أسس جديدة لخمس سنوات أفضل في خدمة بلدنا وشبابنا".
وقال ماكرون، "أريد أن أشكر الفرنسيين والفرنسيات الذين منحوني، في الدورة الأولى ثم الثانية، ثقتهم من أجل استكمال مشروعنا لفرنسا أكثر استقلالاً ولأوروبا أكثر قوة. وباستثمارات وتغييرات عميقة، ومواصلة تأمين تقدّم ملموس لكل فرد، عبر تحرير القدرة على الخلق والتجديد في بلدنا".
وتابع، "أعرف أيضاً أن عدداً من مواطنينا صوتوا لي اليوم ليس دعماً للأفكار التي أحملها، بل للوقوف في وجه (أفكار) اليمين المتطرف"، مضيفاً، "هذا التصويت يلزمني للأعوام المقبلة. أنا مؤتمن على حسّهم بالواجب، وعلى تمسكهم بالجمهورية واحترام الاختلافات التي تم التعبير عنها خلال الأسابيع الأخيرة".
في المقابل، قال، "منذ هذه اللحظة، لم أعد رئيس فريق، إنما رئيس الجميع"، مضيفاً أن "الغضب والاختلاف في الرأي اللذين قادا من صوت لليمين المتطرف يجب أن يجدا أجوبة. هذه مسؤوليتي ومسؤولية المحيطين بي".
وقال، "أفكّر أيضاً بمواطنينا الذين امتنعوا: صمتهم يعني رفضاً للاختيار، وهذا ما يجب أن نتعامل معه أيضاً". وتابع، "تذكّرنا حرب أوكرانيا بأننا نجتاز أوقاتاً مأساوية تفرض على فرنسا أن ترفع صوتها، وأن تؤكد على وضوح خياراتها، وأن تبني قوتها في كل المجالات. وهذا ما سنفعله".
وقال ماكرون، "اليوم، اخترتم مشروعاً إنسانياً طموحاً من أجل استقلال بلدنا، ومن أجل أوروبا، مشروعاً جمهورياً بقيمه، مشروعاً اجتماعياً وبيئياً، مشروعاً مبنياً على العمل والخلق، مشروعاً لتحرير قدراتنا الأكاديمية والثقافية والمؤسساتية".
وأكد أنه سيحمل "هذا المشروع بقوة خلال السنوات المقبلة"، مشيراً إلى أن هذه السنوات "لن تكون هادئة، إنما تاريخية، ومعا سيكون علينا كتابتها للأجيال". وبعد كلمته، أنشدت المصرية فرح الديباني العضو في أكاديمية أوبرا باريس الوطنية، النشيد الوطني الفرنسي. ثم تنقل ماكرون بين الموجودين مسلماً عليهم.
ورحب القادة في برلين وبروكسل ولندن وغيرها بفوزه على لوبن التي تقود تياراً من القوميين المتشككين في الاتحاد الأوروبي.
لكن، حتى مع إظهار نتائج استطلاعات رأي الناخبين لدى خروجهم من مراكز الاقتراع حصول ماكرون على نحو 58.5 في المئة من الأصوات، فقد أقر ماكرون في خطابه بعد الفوز بأن الكثيرين صوتوا لصالحه فقط لإزاحة لوبن، وتعهد أن يضع في اعتباره شعور كثير من الفرنسيين بتراجع مستوياتهم المعيشية.
وكانت لوبن على بُعد نقاط قليلة من ماكرون خلال استطلاعات الرأي، وسرعان ما أقرّت بهزيمتها في الانتخابات الرئاسية، لكنها تعهّدت مواصلة الكفاح السياسي في الفترة التي تسبق الانتخابات البرلمانية في يونيو (حزيران).
وقالت لوبن لمؤيديها الذين راحوا يهتفون باسمها، "لن أتخلى عن الفرنسيين أبداً".
لا توجد فترة سماح
لكن، ليس من المتوقع أن تكون أمام ماكرون فترة سماح، حتى ولو قصيرة، بعد أن صوّت كثيرون، وخصوصاً من اليسار، له على مضض فقط لمنع اليمين المتطرف من الفوز. وربما تندلع مرة أخرى وبسرعة كبيرة الاحتجاجات التي شابت جزءاً من فترته الرئاسية الأولى، بينما يحاول المضي قدماً في الإصلاحات المؤيدة للشركات.
وقال وزير الصحة أوليفييه فيرون لقناة "بي أف أم" التلفزيونية، "لن نفسد الانتصار... لكن حزب (لوبن) سجل أعلى نتيجة له على الإطلاق". وأضاف، "سيكون هناك استمرار لسياسة الحكومة لأن الرئيس انتُخب لفترة جديدة، لكننا سمعنا أيضاً رسالة الشعب الفرنسي"، متعهداً التغيير.
ستتأثر طبيعة فترة ماكرون الرئاسية الثانية بمدى قوة نتائج الانتخابات البرلمانية في يونيو. وقالت لوبن إنها تسعى لإيجاد كتلة قوية موحدة في البرلمان، بينما قال جان لوك ميلينشون اليساري المتشدد إنه يريد أن يكون رئيس الوزراء، وهو أمر من شأنه أن يجبر ماكرون على "تعايش" محرج يشوبه ركود سياسي.
قادة العالم يرحبون بفوز ماكرون
وخارج فرنسا، أشاد حلفاء سياسيون على الفور بانتصار ماكرون الوسطي والمؤيد للاتحاد الأوروبي باعتباره إرجاءً للسياسة السائدة التي هزّها في السنوات الماضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخاب دونالد ترمب عام 2016، وصعود جيل جديد من قادة الأحزاب القومية.
وهنّأ الرئيس الأميركي جو بايدن نظيره الفرنسي على إعادة انتخابه، الأحد، واصفاً فرنسا بأنها "شريك رئيس في مواجهة التحديات العالمية". وكتب بايدن على "تويتر"، "أتطلع إلى استمرار تعاوننا الوثيق، بما في ذلك دعم أوكرانيا والدفاع عن الديمقراطية ومواجهة تغير المناخ".
بدوره، هنأ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ماكرون على إعادة انتخابه، قائلاً إن ماكرون "صديق حقيقي". وكتب على حسابه على "تويتر"، "تهانينا للرئيس والصديق الحقيقي إيمانويل ماكرون على فوزه في الانتخابات".
وأضاف، "أتمنى أن يحقق إيمانويل ماكرون نجاحات جديدة لصالح الشعب الفرنسي. أقدّر دعم فرنسا، وأنا مقتنع بأننا نسير معاً لتحقيق انتصارات مشتركة جديدة! لأوروبا قوية وموحدة!".
كذلك، قدم قادة الاتحاد الأوروبي التهنئة لماكرون بإعادة انتخابه رئيساً لفرنسا، ورأى رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال أن أوروبا يمكنها "التعويل على فرنسا لخمسة أعوام إضافية".
وكتب ميشال على "تويتر"، "في هذه المرحلة المضطربة، نحتاج إلى أوروبا صلبة وإلى فرنسا ملتزمة تماماً من أجل اتحاد أوروبي أكثر سيادة، وأكثر استراتيجية"، فيما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، "أبدي ارتياحي إلى التمكن من مواصلة تعاوننا الممتاز. معاً، سنمضي قدماً بفرنسا وأوروبا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهنّأ المستشار الألماني أولاف شولتس، الأحد، ماكرون على فوزه في الانتخابات الرئاسية، معتبراً أن الذين صوّتوا له أرسلوا "إشارة قوية لصالح أوروبا". وكتب على "تويتر" بالفرنسية، "تهانينا". وتابع بالألمانية قائلاً، "تهانينا، عزيزي الرئيس إيمانويل ماكرون. لقد أرسل ناخبوك اليوم إشارة قوية لصالح أوروبا. يسعدني أننا سنواصل تعاوننا الجيد!".
وهنّأ رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، ماكرون، بإعادة انتخابه رئيساً لفرنسا، مبدياً "سروره بمواصلة العمل" معه، ومؤكداً أن فرنسا أحد حلفاء المملكة المتحدة "الأكثر قرباً". وغرد جونسون بالفرنسية، الأحد، "أهنئ إيمانويل ماكرون بإعادة انتخابه لرئاسة الجمهورية الفرنسية. فرنسا أحد الحلفاء الأكثر قرباً، والأكثر أهمية. أنا مسرور بأن نواصل العمل معاً على موضوعات رئيسة بالنسبة إلى بلدينا وإلى العالم".
وكتب رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو على "تويتر"، مرفقاً نصّه بصورة تجمعه بماكرون، "تهانينا إيمانويل ماكرون. أتطلّع لمواصلة العمل معاً على القضايا الأكثر أهمية للناس في كندا وفرنسا، من الدفاع عن الديمقراطية إلى مكافحة تغير المناخ إلى خلق وظائف جيدة ونمو اقتصادي للطبقة الوسطى".
وعلّق رئيس الوزراء الإيطالي دراغي في بيان رسمي، أن "انتصار إيمانويل ماكرون في الانتخابات الرئاسية الفرنسية هو خبر رائع لكل أوروبا".
وكتب رئيس الوزراء الإسباني الاشتراكي بيدرو سانشيز على "تويتر"، "اختار المواطنون فرنسا ملتزمة باتحاد أوروبي حر وقوي ومنصف. الديمقراطية تفوز. أوروبا تفوز"، مضيفاً، "تهانينا إيمانويل ماكرون".
وقال رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو، إن الناخبين الفرنسيين قاموا "بخيار قوي" باختيارهم "قيَم اليقين والتنوير".
وأرسل المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي "تهانيه الحارة" لماكرون، وقال إن منظمته ستواصل الاعتماد على دعم ماكرون على المسرح الأوروبي والعالمي "حيث أصبحت التحديات الإنسانية وأزمات اللاجئين أكثر خطورة وتعقيداً كل يوم".
وقال الرئيس السويسري أغنازيو كاسيس إنه يتطلع إلى "استمرار تعاوننا الجيد" مع فرنسا، مؤكداً العلاقات الوثيقة بين البلدين الجارين.
وكتبت رئيسة الوزراء السويدية ماغدالينا أندرسون على "تويتر"، "فلنواصل تعاوننا الوثيق على الصعيد الثنائي ومن أجل اتحاد أوروبي تنافسي صديق للبيئة ومرن".
وقال رئيس الوزراء النرويجي جوناس جار ستور، إن فرنسا اختارت "الديمقراطية الليبرالية على اليمين المتطرف".
وكتب وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد على "تويتر"، "الرئيس ماكرون أحد أعظم قادة الوسط في العالم، وهو صديق مخلص لإسرائيل. سنواصل العمل معاً وتعزيز التعاون بين بلدينا".
وقال الرئيس الفلسطيني في برقية تهنئة لماكرون، "يسعدنا أن نرفع لفخامتكم وللشعب الفرنسي الصديق أسمى عبارات التهاني القلبية، باسم دولة وشعب فلسطين، وباسمي شخصياً، بإعادة انتخابكم رئيساً للجمهورية الفرنسية لولاية جديدة". وشدّد على حرصه على مواصلة العمل مع ماكرون لتحقيق مزيد من التطور للعلاقات الثنائية بين فلسطين وفرنسا وتعزيز سبل التعاون والتنسيق المشترك.
وأكد الرئيس العراقي برهم صالح على "تويتر"، "عمق العلاقات التي تجمع الشعبين الصديقين" العراقي والفرنسي، مضيفاً، "نتطلع إلى تعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة وإرساء الأمن والاستقرار في المنطقة".
وهنّأ ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، الرئيس الفرنسي، قائلاً، "خالص التهاني إلى صديقي إيمانويل ماكرون، نتطلع معاً إلى ترسيخ شراكتنا الاستراتيجية وتعزيز فرص جديدة للتعاون المشترك".
لوبن في الصدارة في جزر الأنتيل الفرنسية وغويانا
يذكر أن مرشحة اليمين المتطرف تصدّرت، الأحد، النتائج في ثلاث مناطق ما وراء البحار هي غوادلوب وغويانا ومارتينيك، في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، الأحد.
وحصدت مرشحة التجمع الوطني 69,60 في المئة من الأصوات في غوادلوب، و60,87 في المئة في مارتينيك، و54,73 في المئة في سان بارتيليمي.
وفي غويانا (أميركا اللاتينية)، حصلت على 60,70 في المئة من الأصوات، فيما نالت 50,69 في المئة من الأصوات في سان - بيار - إيه - ميكلون، وهو أرخبيل فرنسي في أميركا الشمالية، بحسب أرقام نشرتها مساء الأحد وزارة الداخلية الفرنسية.
أما ماكرون الذي أُعيد انتخابه رئيساً لفرنسا، فتصدّر نتائج الاقتراع في الأراضي الفرنسية في المحيط الهادي، كما في الدورة الأولى من الانتخابات قبل أسبوعين، مع 61,04 في المئة من الأصوات في كاليدونيا الجديدة، و51,80 في المئة في بولينيزيا الفرنسية، و67,44 في المئة في واليس وفوتونا، بحسب الوزارة.
وبدأ الاقتراع منذ السبت في جزر الأنتيل الفرنسية وغويانا وسان - بيار - إيه - ميكلون وبولينيزيا الفرنسية.