أظهرت مجمل الإحصائيات تحسن النتائج المالية لنحو 16 بنكاً تونسياً من مجمل 22 بنكاً، خلال السنة الماضية، اذ بلغ الناتج البنكي الصافي لها ما قيمته 6 مليارات دينار (مليارا دولار) بزيادة بنسبة 11.4 في المئة، مقارنة مع نتائج عام 2020، وبتطور بنسبة 14.8 في المئة في عام 2019 (ذروة الأزمة الصحية).
كما جنت البنوك الـ16 أرباحاً صافية مجمعة في نهاية العام الماضي، بقيمة 1259 مليون دينار (419.6 مليون دولار) بزيادة بأكثر من 22 في المئة، مقارنة مع أرباح عام 2020.
ونشر مرصد "رقابة"، الجمعة 22 أبريل (نيسان) الحالي، نتائج أكبر 10 بنوك تونسية لعام 2021، وخلُص إلى "تحسن المردودية وهشاشة الآفاق"، بعد قيامه بتجميع النتائج ومقارنتها بأرقام عامي 2020 و2019.
وأورد مرصد "رقابة"، إحدى جمعيات الضغط التونسية، أن مجموع النتائج الصافية لهذه البنوك العشرة الكبار "بلغ في عام 2021 حوالى 1200 مليون دينار (400 مليون دولار)، مسجلة بذلك ارتفاعاً بنسبة 23 في المئة، مقارنة مع عام 2020.
كما شهد الناتج البنكي الصافي ارتفاعاً بقيمة 500 مليون دينار (166 مليون دولار) أي أكثر من 10 في المئة مقارنة بعام 2020"، معتبراً أن هذه الأرقام بدأت تقترب قليلاً من مستوى عام 2019، أي ما قبل جائحة كورونا.
ولكن هذه النتائج المحترمة تخفي وراءها إشكاليات وصعوبات لا ينكرها أهل الاختصاص، معتبرين أن وضعية البنوك التونسية لم يعد بإمكانها تحمل أعباء اقتصاد البلاد العليل والمتهاوي.
وما سيزيد هشاشة البنوك التونسية، تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية التي يجمع الباحثون على أن لها تداعيات مباشرة وغير مباشرة على البنوك التونسية.
الأكثر عرضة للمخاطر في أفريقيا
واعتبرت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني في آخر تقرير نشرته بتاريخ 15 أبريل (نيسان) الحالي، أن "البنوك التونسية هي من بين أكثر البنوك عرضة للمخاطر في أفريقيا بسبب الحرب الروسية- الأوكرانية، ما قد يعمق التحديات التي يواجهها القطاع".
وبينت "فيتش" أن البنوك التونسية لن تكون معرضة مباشرة لانعكاسات الحرب الروسية- الأوكرانية لكنها ستتأثر بصفة غير مباشرة وستواجه صدمات حادة، يغذيها ارتفاع أسعار الطاقة، وتضخم أسعار المواد الغذائية، واضطرابات سلاسل الإنتاج، والضغط المتجدد على السياحة، وانخفاض تدفقات رأس المال الأجنبي.
وتعتقد "فيتش" أيضاً أن تونس باعتبارها مستورداً كلياً للنفط، ستتأثر بصورة خاصة بارتفاع أسعار الطاقة، ما قد ينعكس سلباً على أغلب القطاعات الرئيسة في الاقتصاد التونسي، مثل التصنيع الذي سيشهد انخفاضاً في الطلب وارتفاعاً في تكاليف المواد الأولية والنقل، إضافة إلى قطاع المقاولات الذي يواجه تراجعاً في المداخيل وتأخراً في سداد الديون خاصة الديون الحكومية طويلة المدى.
تجدر الإشارة إلى أن وكالة التصنيف "فيتش رايتنغ" بينت في تقريرها بتاريخ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، أن تحسن مردودية البنوك التونسية في السداسي الأول من عام 2021 يخفي العديد من المخاطر المحتمَلة"، مؤكدة أيضاً أن "انتعاشة القطاع المصرفي في تونس يمكن أن تتأثر بهشاشة الوضع السياسي للبلاد".
وكانت الوكالة اعتبرت أن "آفاق مستوى نشاط الاستغلال للبنوك التونسية سلبية، وتعكس مخاطر مرتبطة بهشاشة الاقتصاد التونسي الذي تدهور في التصنيف بشكل خطير، في ظل مخاطر عجز الموازنة، والعجز التجاري والدفوعات الجارية، إضافة إلى الهشاشة الهيكلية للقطاع البنكي في البلاد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صعوبات في استخلاص الديون البنكية
ويعتبر بسام النيفر، الباحث في المجال المالي والوسيط بالبورصة التونسية، أن "تقرير وكالة التصنيف فيتش الصادر في 13 أبريل، تطرق إلى المخاطر الناجمة عن الحرب على الوضع الاقتصادي العالمي ككل". وأضاف أن "التقرير أفرد في جانب منه، وضعية البنوك التونسية لجهة علاقتها بالشركات الخاصة التي قد تصبح غير قادرة على خلاص قروضها تجاه البنوك التونسية"، لافتاً إلى أن "جزءاً كبيراً من القروض تجد البنوك صعوبة كبيرة في استخلاصها وتصنيفها في خانة الديون متعثرة والتي يصعب استرجاعها". وأكد في هذا الصدد أن "فيتش" توقعت أن ترتفع نسبة القروض المتعثرة للبنوك التونسية إلى مستوى 14 في المئة في عام 2022 على أن تزيد في الارتفاع في عام 2023.
وأبرز النيفر أن "تقرير وكالة فيتش كشف أيضاً أن البنوك التونسية تعمل في بيئة أو مناخ غير جيد ولأجل ذلك خفّضت تصنيف البنوك التونسية من B إلى سي سي سي CCC".
وأقر بأن "وضعية البنوك التونسية قد تتعكر أكثر لارتباطها بعدد من القطاعات الاقتصادية الحيوية في البلاد على غرار القطاع السياحي الذي يشكو العديد من الصعوبات أهمها ارتفاع مديونيته تجاه البنوك المحلية علاوة على قطاع الصناعات المعملية المرتبط عضوياً بارتفاع أسعار المواد الأولية جراء الحرب في منطقة البحر الأسود".
تدخل البنك المركزي غير مستبعد
ورداً على سؤال بشأن إمكانية تواصل الحرب الروسية- الأوكرانية لفترة أطول ومدى تحمل البنوك التونسية لذلك، قال بسام النيفر، إن "هذه المسألة ستزيد التهاب أسعار المواد الأولية وارتفاع التضخم المستورَد لتونس"، مقدراً أن تصل هذه النسبة في نهاية العام الحالي إلى أكثر من 8 في المئة.
وأمام هذه الوضعية سيجد البنك المركزي التونسي، وفق المتحدث، نفسه مضطراً لرفع نسبة الفائدة الرئيسة الى أكثر من 6.25 في المئة حالياً لتطويق المنحى التصاعدي للتضخم المتزايد.
لكن الباحث المالي التونسي، اعتبر من جانب آخر، أن رفع نسبة الفائدة الرئيسة سيفرض صعوبات على الشركات للحصول على القروض البنكية، ما سيعمق أزمة تلك الشركات المهمة بالنسبة للاقتصاد التونسي على غرار شركات المقاولات والشركات الناشطة في الصناعات والتجارة.
العبء يزداد على البنوك
من جهة ثانية، اعتبر الرئيس السابق للجمعية التونسية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية أحمد كرم، أن "وضعية السوق المالية والبنكية في تونس حرجة"، محذراً من "أن يصبح التعويل على البنوك في الموازنة سياسة دولة في تونس". وأفاد بأن "قسط تمويل الدولة من تدخلات البنوك كان في حدود 6 في المئة خلال عام 2010، بينما يبلغ حالياً 22 في المئة"، معتبراً أنها نسبة مرتفعة.
وعبّر المختص المالي عن خشيته من أن تتحمل البنوك كل مخاطر تمويل الاقتصاد التونسي، وأن يتم توجيه تمويل الأشخاص والمؤسسات والدولة إلى القطاع المصرفي"، معتبراً أن "تحميل ضغط مخاطر تمويل الاقتصاد للبنوك فقط سيضر بقدرتها على متابعة نشاطها وعلى تدعيم صلابتها حتى تستمر في دعم كافة القطاعات المختلفة والضرورية لتقوية الاقتصاد".
وأشار، في هذا الصدد، إلى أن "الدولة بدأت تشعر بهذه المخاطر، ما دفعها إلى إصدار الاكتتابات الرقاعية"، مؤكداً أن "عليها أن تتوجه في ذلك إلى السوق المالية، لا إلى القطاع البنكي فقط". وعبر عن تخوفه من أن تتعكر الأمور أكثر بتواصل الحرب الروسية- الأوكرانية وما سينتج عنها من صعوبات كبيرة بالنسبة لتونس بسبب ارتفاع كلفة توريد المواد الأولية والغذائية لا سيما القمح، معرجاً على الوضعية المالية الصعبة لديوان الحبوب (حكومي) الذي يحصل على قروض بنكية كي يورد الحبوب خصوصاً من أوكرانيا وروسيا.
وتبلغ ديون "ديوان الحبوب" لدى البنوك وخصوصاً البنك الوطني الفلاحي (نصفه حكومي) أكثر من ألف مليون دينار (حوالى 333 مليون دولار)، إضافة إلى ديون "الديوان التونسي للتجارة" البالغة نحو 400 مليون دينار (133 مليون دولار).
التأثيرات حاصلة لا محالة
أما المختص في الشؤون المالية والبنكية عز الدين سعيدان، فأكد أن "البنوك التونسية قد تتأثر بالحرب الروسية- الأوكرانية من خلال عنصرَين اثنين، أولهما أن الشركات التونسية التي ترغب في التوريد يتعين عليها فتح اعتماد للمزود الأجنبي في أحد البنوك التونسية، ولا بد من تعزيز هذا الاعتماد في تحدٍ للبنوك الأجنبية"، معتبراً أن "هذه الوضعية ستكون مكلفة للبنوك التونسية، وربما صعبة نظراً إلى الوضعية الصعبة التي تمر بها البلاد من الناحية المالية".
أما الأمر الثاني بحسب المتحدث، فإن "الحرب الدائرة رحاها في منطقة البحر الأسود ستؤثر بشكل ملموس على القطاع السياحي التونسي من خلال النقص المتوقع من السياح الروس (حوالى 750 ألف سائح)، وكذلك السياح الأوكرانيون (معدل 30 ألف سائح)، ما سيجعل القطاع السياحي التونسي يواصل تخبطه في مشاكل مالية، بطلب جل مؤسسات القطاع إعادة جدولة ديونها لفائدة القطاع البنكي".
وخلص إلى القول، إن "مجمل ديون القطاع لدى البنوك تقارب 7 مليارات دينار (2.3 مليار دولار) الأمر الذي سيزيد من الصعوبات المالية للبنوك التونسية".