تجددت الدعوات إلى التبرع بالأعضاء في الجزائر من أجل إنقاذ حياة كثير من المرضى، بعد أن اختفى الحديث عن العملية خلال جائحة "كورونا"، التي تسببت في توسع دائرة معاناة المحتاجين للأعضاء، وخلفت بذلك وضعاً صحياً كارثياً.
تحريك عمليات التبرع
عبّر المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر عن أسفه للتأخر الكبير الذي تشهده عملية التبرع بالأعضاء، ما يكشف عن فشل حملات التوعية بجدواها، ما حال دون إنقاذ حياة كثير من المرضى الذين لا أمل لهم في الحياة سوى عمليات الزرع، مشيراً إلى أهمية العملية الإنسانية ومشروعيتها الدينية، خاصة بعد الوفاة.
وأوضح المجلس، في بيان، أن عملية التبرع بالأعضاء شهدت شبه توقف تام خلال جائحة "كورونا"، وعمليات الزرع تعد على الأصابع خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ما تسبب في وفاة كثير من المرضى، ورغم الجهود المبذولة من طرف الجهات المختصة من أجل رفع عدد العمليات سنوياً والاقتراب من المعدلات العالمية في هذا الجانب، من خلال سن التشريعات القانونية المنظمة، وتوفير الوسائل والأجهزة الطبية اللازمة، فإن هذه الجهود تواجهها العديد من العقبات من أهمها نقص عدد المتبرعين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودعا المجلس الإسلامي الأعلى إلى تجاوز الذهنيات والثقافة البدائية التي تعتبر العملية تعدياً غير مقبول على الجسد الإنساني، والإقبال على التبرع بأعضائهم بعد وفاتهم، بالتوقيع على سجل وطني يعطي الحق للجهات المختصة في التصرف فيها عند الحاجة، وفي حال موافقة أهلهم وأقاربهم يصبح من الجائز نقل الأعضاء من جسم الميت لإنقاذ حياة أناس آخرين، وقال إن "التبرع بالأعضاء يعد عملاً عظيماً وإنسانياً قد يساهم في إنقاذ حياة الملايين ممن يعانون أمراضاً مستعصية، فعندها سيكون المتبرع قد فك عن أخيه المريض كربة وضائقة، وأزال عنه مرضاً قد يودي به إلى الموت وبأساً ملازماً له".
التخوف من زرع الأعضاء
بخصوص ضعف الإقبال على التبرع، يقول أستاذ الطب، محمد كتاني، لـ"اندبندنت عربية"، إن هناك عدة عوائق تواجه انتشار ثقافة زرع الأعضاء، وتجاوز تلك العوائق لا يكون إلا عبر فتح نقاش يشارك فيه الأطباء، وعلماء دين، ومنظمات المجتمع المدني، مع وسائل الإعلام، للتوصل إلى رؤية متفق عليها تشجع الجزائريين على التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، مشيراً إلى غياب تنظيم محكم يساعد على إجراء مثل هذه العمليات، ما جعل التبرع ينحصر بين أفراد العائلة الواحدة.
حول أسباب عزوف الجزائريين عن التبرع بأعضائهم، يجيب أستاذ علم الاجتماع، يوسف شاطري، لـ"اندبندنت عربية"، بالقول إن التخوف هو سيد الموقف، سواء من الناحية الصحية خلال حياته، أو الدينية عند وفاته، وأضاف أن التوعية تبقى أهم وسيلة لدفع الناس نحو الإقبال على العملية، مشيراً إلى أن الأمر ما زال يحتاج إلى جهود توعية أكبر من قبل السلطات ووسائل الإعلام ورجال الدين.
مريض الفشل الكلوي أكبر المضارين
أطلقت الجزائر برنامجاً للتوعية بأهمية التبرع بالأعضاء، خصوصاً بالنسبة للأشخاص المتوفين، وأعلنت وزارة الصحة أن عمليات زرع الأعضاء، لا سيما الكلى، ما زالت قليلة جداً بالمقارنة مع عدد المصابين بالفشل الكلوي، إذ يتم تسجيل نحو 3 آلاف إصابة بالفشل الكلوي سنوياً، في مقابل 10 آلاف مريض ينتظرون دورهم لإجراء عمليات زرع الكلى، وأكثر من 23 ألفاً من المرضى يخضعون لغسل الكلى.
وتسجل الهيئة الجزائرية للكلى، وفاة 1500 مريض سنوياً في عيادات العلاج، بينما تقدر اتحادية القصور الكلوي عدد عمليات زراعة الكلى في البلاد، بنحو 500 عملية.
جهود قانونية وتنظيمية
في السياق، أبرز وزير الصحة، عبد الرحمان بن بوزيد، في وقت سابق، أنه تم إعداد وإطلاق سجل التبرع بالأعضاء طبقاً لأحكام قانون الصحة، وقال إن هذا الإنجاز سيسهل من دون شك للمهنيين عملية تحديد المتبرعين الميتين سريرياً، موضحاً أن الجائحة كان لها "تأثير سلبي على أنشطة زراعة الأعضاء، وأكد أن "الطلب في هذا المجال لم يسجل أي انخفاض".
وتنص المادة 362 من قانون الصحة على أن "نزع الأعضاء أو الخلايا البشرية من أشخاص متوفين بهدف الزرع، لا يمكن أن يتم إلا بعد المعاينة الطبية والشرعية للوفاة، حسب المعايير العلمية المحددة من قبل الوزير المكلف بالصحة"، كما تشدد على أن "النزع في هذه الحالة يمكن أن يتم إذا لم يعرب المعني عن امتناعه خلال حياته، ويمكن التعبير عن هذا الامتناع بكل الوسائل، سيما من خلال التسجيل في سجل الامتناع على مستوى الوكالة الوطنية لزرع الأعضاء".
ويشير القانون إلى أنه "في حال عدم التسجيل في هذا السجل، فإنه يتم استشارة الأفراد البالغين من عائلة الراحل، حسب ترتيب الأولية التالي: الأب والأم والزوج والأولاد والإخوة والأخوات أو الممثل الشرعي إذا كان الراحل بدون عائلة، من أجل معرفة موقفه فيما يخص التبرع بالأعضاء، كما يتم إعلام الأفراد البالغين من عائلة المتبرع المتوفي بخصوص عمليات النزع التي أجريت".