Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هاجس عودة الحرب يقض مضاجع سكان غرب دارفور

يرى البعض في المواجهات صراعاً على الموارد وشهود يتهمون "الجنجويد" بتدبير الهجوم على "المساليت"

على الرغم من عودة الهدوء الحذر إلى مدينتَي كرينك والجنينة الواقعتَين في أقصى غرب السودان، بعد الاشتباكات الدامية التي تعرضتا لها مطلع هذا الأسبوع، وراح ضحيتها أكثر من 200 قتيل، وعشرات الجرحى، والتزام أطراف الصراع وقف الاقتتال، فضلاً عن وصول تعزيزات عسكرية كبيرة لبسط الأمن في ولاية غرب دارفور، فإن هاجس تجدد الحرب يسيطر على سكان هذه الولاية، نظراً إلى تكرار هذه الصراعات والاشتباكات في الآونة الأخيرة، مقابل عجز الحكومة السودانية عن وضع حد لهذه الأحداث الدامية.

صراع موارد

وبحسب والي ولاية غرب دارفور السابق، عبد الله الدومة، فإن "ما يحدث في غرب دارفور عمل مخطط له لتحقيق أهداف بعينها، تتمثل في زعزعة أمن واستقرار الولاية، ويقوم به لاعبون رئيسون، جزء منهم في المركز (الخرطوم) والجزء الآخر في الولاية نفسها"، لافتاً إلى أن "منصب والي ولاية غرب دارفور أحد أسباب هذا الصراع، حيث هناك مجموعات تريد أن يكون الوالي من إثنية بعينها".
وأشار الدومة في حديث لـ"اندبندنت عربية"، إلى أن "أساس هذا الصراع هو الموارد التي تزخر بها المنطقة، لذلك تسعى مجموعات بعينها إلى تغيير ديمغرافية المنطقة من خلال طرد السكان الأصليين واستبدال آخرين بهم من إثنيتهم نفسها من غرب أفريقيا بخاصة من دول النيجر ومالي وتشاد، إذ تخطط هذه المجموعات لاستغلالهم في الانتخابات المقبلة بعد حصولهم على الوثائق الرسمية التي تثبت سودانيتهم، بالتالي فإن هذه الأحداث لها طابع سياسي".
وتوقع الوالي السابق أن "تتواصل الاشتباكات في هذه الولاية من وقت إلى آخر، وأن تأخذ أشكالاً عدة حتى يتحقق السيناريو المرسوم لها، وذلك في ظل عدم جدية الحكومة المركزية في تطبيق القانون على الخارجين عليه، وفرض هيبة الدولة حفاظاً على أرواح المواطنين واستتباب الأمن"، مؤكداً أن "إنهاء حالة الفوضى والانفلاتات في هذه الولاية يتطلب حملة لنزع السلاح ومنع حمله من قبل المدنيين، وكذلك منع استخدام وقيادة الدراجات النارية، واتباع الإجراءات القانونية عند وقوع أي أحداث فردية أو جماعية، وليس أخذ الحق بقوة السلاح أو غيره".
ورأى الدومة أن "المشكلة التي تعانيها الولاية تتمثل في ضعف الأجهزة الأمنية والقضائية والشرطية، فلم تكن بقدر المسؤولية والإدراك الجيد لأبعاد الصراع والوضع العام في الولاية، لذلك لا بد من سياسة أمنية جادة وواضحة للتعامل باحترافية ومعرفة بما يجري من نزاعات، ومن المهم استخدام القوة في المواقف التي تتطلب الحسم"، لكنه جزم بأن "ما يحدث من صراعات لا علاقة له بالنواحي القبلية، فهو صراع مصالح بكل المقاييس".

استباحة وتهجير

من جهة أخرى، اعتبر الناشط السياسي بمدينة الجنينة، آدم جبارة، ما حدث في كرينك "مأساة وجريمة نكراء مكتملة الأركان، حيث تمت استباحة المدينة من قبل ميليشيات منظمة تضم آلاف المسلحين مستخدمةً كل أنواع الأسلحة، مما دفع آلاف الأُسر التي تقطن هذه المدينة المنكوبة إلى الفرار حفاة عراة هرباً من الموت الذي يشاهدونه أمامهم، فضلاً عن حرق المنازل ونهب الممتلكات"، مؤكداً أن "أكثر من نصف سكان كرينك نزحوا باتجاه المناطق القريبة من المدينة، حيث يعيشون أوضاعاً مأساوية في العراء، وغالبيتهم أصبح متخوفاً من العودة إلى المدينة التي أصبحت هدفاً وكأن هناك مخططاً للاستيلاء عليها".
ورأى جبارة أنه "واضح أن هناك نية للسيطرة على هذه المنطقة التي تزخر بمناجم الذهب والأراضي الخصبة، بالتالي فإن القضية ليس نزاعاً إثنياً أو قبلياً وغيره بقدر ما هو توجه نحو مصالح ذات أهداف محددة ومعلومة، وهي حقيقة توصل إليها سكان كرينك، إذ يرون أن ما يحدث هو حرب لن تتوقف ألبتة، إلا بعد تهجير مَن بقي على قيد الحياة من السكان"، لافتاً إلى أن "هناك تواطؤاً من قبل الأجهزة الحكومية، بخاصة الشرطة والجيش، وإلا لماذا لم يتدخلا، خصوصاً أن هناك معلومات موثقة بأن هجوماً سيحدث لهذه المدينة؟".
وشدد الناشط السياسي على أن "الأمر يتطلب تحمل المسؤولية من قبل الدولة للتصدي لهذا المخطط المعلوم، كما لا بد أن يلعب أطراف السلام دوراً كبيراً لوقف هذا الاقتتال العبثي، واتخاذ موقف واضح يحمد لهم وجودهم في السلطة"، مبيناً أن "أي حديث عن تشكيل لجان لتقصي الحقائق وغيرها من الأقوال المخدرة لن ينفع بشيء، بل يُعتبر محاولة للهروب إلى الأمام".

دمار ونزوح

في سياق متصل، قال مفوض العون الإنساني بالإنابة في ولاية غرب دارفور، محمد خليل، إن "مدينة كرينك تعرضت لدمار كامل، وأصبح أكثر من 70 في المئة من سكانها نازحين في العراء يلتفون حول الحامية العسكرية، بعدما أُحرقت منازلهم ونُهبت ممتلكاتهم"، لافتاً إلى أن "معظم مواطني المدينة يعيشون أوضاعاً مأساوية هذه الأيام، إذ يفتقرون إلى المأوى والماء والغذاء والملبس والدواء، ولا بد أن تتدخل الحكومة ومنظمات المجتمع المدني بشكل عاجل لإنقاذهم من المأساة التي يعيشونها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تعزيزات عسكرية

في غضون ذلك، أعلن والي ولاية غرب دارفور، الجنرال خميس عبد الله ابكر، أن حكومته اتخذت حزمة تدابير أمنية لتعزيز الاستقرار في كامل الولاية. وأكد في مؤتمر صحافي عقده الأربعاء الماضي، في مدينة الجنينة، أن قوات نظامية وصلت الولاية، متوقعاً وصول قوات أخرى خلال اليومين المقبلين قادمة من المركز، فضلاً عن قوات مماثلة للحفاظ على المدنيين في محلية كرينك.

وأبدى الوالي أسفه للأحداث التي اندلعت في محليتَي كرينك والجنينة، معتبراً ما حدث في كرينك جريمة أخلاقية، مشيراً إلى أن عدد القتلى يُقدَّر بنحو 201 قتيل و103 جرحى، لافتاً إلى أن حكومته شكلت لجنة تحقيق لكشف هوية الجناة وتقديمهم للعدالة.
وأوضح أن حكومته أرسلت تعزيزات أمنية فور اندلاع أحداث كرينك، إلا أن هذه القوات انسحبت من مواقعها بحجة عدم مقدرتها على التصدي للقوة المسلحة التي هاجمت المدينة.

بداية الأحداث

وبدأت أحداث كرينك، وهي منطقة يقطنها نحو 500 ألف نسمة، يتبع معظمهم قبيلة المساليت، وتبعد نحو 80 كيلومتراً عن مدينة الجنينة عاصمة الولاية، إثر اندلاع اشتباكات يوم الخميس 21 أبريل (نيسان) الحالي، بين أفراد من قبائل مختلفة، بحسب جماعات حقوقية ناشطة في المنطقة.
وتصاعدت المواجهات، يوم الجمعة، بهجوم لميليشيات الجنجويد على البلدة أسفر عن مقتل تسعة أشخاص في الأقل، بحسب المنسقية العامة للنازحين واللاجئين.
وظل الوضع في المنطقة متوتراً قبل هجوم آخر، جرى يوم الأحد (24 أبريل)، على كرينك، موطن نحو 40 ألفاً من النازحين، حيث قُتل ما لا يقل عن 168 شخصاً وأُصيب 98 آخرون، بحسب المنسقية.
وقالت نقابة المحامين في دارفور، الأحد، إن "الاشتباكات أدت إلى تشريد ما لا يقل عن 20 ألفاً بعد احتراق منازلهم".
وامتد القتال إلى الجنينة حيث تعرض المستشفى الرئيس بالمدينة لهجوم وقُتل أربعة أشخاص، بحسب لجان الأطباء. وقال سكان، الاثنين الماضي، إنهم لم يروا أي علامة على تدخل الجيش، لافتين إلى أن القتال بدا أنه بين ميليشيات الجنجويد وجماعات متمردة، مما أعاد إلى الأذهان الصراع الذي اندلع في أوائل العقد الأول من القرن الحالي.
وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر دعت الأحد السلطات السودانية إلى تأمين وصول الجرحى إلى مستشفيات المنطقة.
واتهم شهود ميليشيا الجنجويد بتدبير الهجوم على قبيلة المساليت. ونشأت ميليشيا الجنجويد في دارفور في مطلع الألفية الثانية، واشتهرت بقمعها تمرّد القبائل غير العربية الذي اندلع احتجاجاً على تهميش الإقليم اقتصادياً.
وأدى النزاع الذي اندلع في دارفور في عام 2003 إلى مقتل قرابة 300 ألف شخص ونزوح 2.5 مليون آخرين من قراهم، وفقاً للأمم المتحدة.
وقُتل العشرات في دارفور منذ انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على شركائه المدنيين في السلطة في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، وما تسبب به ذلك من فراغ أمني، خصوصاً بعد إنهاء مهمة قوة حفظ السلام الأممية في الإقليم، إثر توقيع اتفاق سلام بين الفصائل المسلحة والحكومة المركزية في عام 2020.

المزيد من متابعات