تمثل شهادة البكالوريا في تونس بوابة المرحلة الجامعية، وتستأثر بمكانة مهمة في المجتمع التونسي، حتى أنها باتت مبعث فخر وبهجة للعائلات التونسية التي تقيم الحفلات عند نيل أبنائها هذه الشهادة.
واعتباراً لرمزيتها ومكانتها المجتمعية، يحرص التلاميذ على النجاح بهذه الشهادة بكل السبل المشروعة وأحياناً حتى غير المشروعة.
في هذا السياق، استفحلت في السنوات الأخيرة ظاهرة مجتمعية جديدة في تونس، وهي ظاهرة الغش الإلكتروني في الامتحانات الوطنية أو ما يعرف بـ"التكييت" (kit). ويعكس انتشار ثقافة الغش وابتكار وسائل حديثة ومتطورة وغير مسبوقة، خلال فترة الامتحانات الوطنية، ثقافة مجتمعية جديدة طبعت إلى حد كبير مع هذه السلوكيات، بشكل باتت معه المنظومة التربوية التونسية مهددة.
قالت أستاذة العلوم الطبيعية، لمياء بوبكر، "تفطنت خلال السنة الماضية خلال مراقبتي امتحانات البكالوريا إلى صوت غريب يشق صمت قاعة الامتحان، وعندما اقتربت من أحد التلاميذ لاحظت ارتباكه، وبالتواصل مع إدارة المعهد تم التفطن إلى أنه يتواصل عبر شبكة الاتصالات مع شخص من خارج المعهد، بصدد إملاء الإجابة على الأسئلة، عبر سماعة صغيرة الحجم مزروعة داخل أذنه".
وبينما حذرت بوبكر من "خطورة مثل هذه العمليات على المنظومة التربوية"، فإنها اعتبرت أيضاً أن "العقوبات الزجرية ليست الحل المناسب"، داعية إلى "مراجعة شاملة للمنظومة التربوية وتوزيع الامتحانات الوطنية".
فقدان المناعة الاجتماعية
من جهة أخرى، أدرج أستاذ علم الاجتماع، سامي نصر، ظاهرة الغش الإلكتروني في الامتحانات، في سياقها العام في تونس، و"المتسم بتدهور القيم، والتطبيع مع الغش المنتشر في المجتمع التونسي وكأنها ثقافة مجتمعية"، لافتاً إلى أن "الغش ليس ظاهرة غريبة عن المجتمع التونسي، إلا أنه تجاوز منسوبه الطبيعي ليصبح آفة تنخر الجسم المجتمعي وتخرب التعايش المشترك". أضاف نصر أن "وسائل الغش تطورت حسب التطور التكنولوجي في مجتمع فقد مناعته الاجتماعية وتآكلت منظومة قيمه وتخلت الدولة عن سلطتها الرمزية فيه".
ودعا أستاذ علم الاجتماع إلى "مقاربة مجتمعية جديدة تحيي القيم وتعزز مناعة المجتمع وتنشر الوعي بمخاطر هذه الممارسات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تقادم المحتوى التعليمي
من جهته، أرجع أستاذ التاريخ الحديث في جامعة تونس، حسن العنابي، أسباب انتشار ظاهرة الغش في الامتحانات سواء في المراحل الثانوية وحتى الجامعية إلى "تقادم المحتوى البرامجي، المنتهي الصلاحية ولا يتلاءم وتطلعات الطالب". أضاف أن "التلميذ اليوم يطلب منه إعادة ما تلقاه من مضامين تعليمية في الامتحان من دون إعمال للعقل أو تشريكه وجعله مقبلاً على المحتوى التعليمي، لذلك يدفع إلى الأساليب الملتوية كالغش".
يدعو العنابي إلى "ضرورة التخلي عن المواد التي تعتمد الحفظ، والتعويل أكثر على المواد التي تشجع الطالب على التفكير والمشاركة والنقاش وإعمال العقل من أجل تنمية الحس النقدي لديه"، معتبراً أن "المقاربة الأمنية أو الردعية لن توقف الظاهرة".
كما يدعو المتفقد العام للتربية، عبد العزيز الكردي، إلى ضرورة معالجة أسباب الغش من خلال "إصلاح المناهج وتحديث البرامج والترغيب في التعليم"، معتبراً أن "المدرسة اليوم باتت منفرة للتلاميذ لذلك يتزايد عدد المنقطعين عن الدراسة، والذي يناهز سنوياً المئة ألف منقطع".
ويعتبر الكردي أن "البرامج التربوية منتهية، ولا تصلح لمجتمع اليوم"، داعياً إلى القطع مع المنظومة العقابية التي أثبتت فشلها".
الوزارة جاهزة للتصدي للغش
وتضع وزارة التربية التونسية في كل سنة، إجراءات خاصة لضمان نجاح دورة امتحانات البكالوريا وقطع الطريق أمام محاولات تسريب الامتحانات أو الغش.
أكد وزير التربية، فتحي السلاوتي، أن "الوزارة جاهزة للامتحانات الوطنية، وخصوصاً للتصدي لظاهرة الغش لأنها "ظاهرة خطيرة تهدد المنظومة التربوية وأخذت أشكالاً إلكترونية يصعب التفطن إليها، كما خلقت شبكات مختصة في هذا المجال". أضاف أنه سيتم "تسليط أقصى العقوبات على مرتكبي عمليات الغش، لوضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة"، مشيراً إلى "تكوين خلية أزمة للتركيز والاهتمام بهذه الظاهرة"، محذراً من إمكانية اللجوء إلى "العقوبات السجنية على التلاميذ الذين يحاولون تسريب الامتحانات أو الغش".
يذكر أن الوحدات الأمنية حجزت أخيراً، أجهزة ومعدات الكترونية وسماعات صغيرة الحجم تستخدم في عمليات الغش الإلكتروني عبر زرعها داخل أذن التلميذ ليتم التواصل معه عن بعد خلال الامتحان.