نشرت "نيويورك تايمز" الأميركية مقالاً الخميس في 28 أبريل (نيسان) لفرانسيس هوغن، عالمة بيانات ومهندسة البرمجيات الأميركية، التي عملت في "فيسبوك" وسرّبت العام الماضي وثائق من "فيسبوك" تضمنت أدلة على مخالفات جسيمة في عمل العملاق التكنولوجي الأميركي.
واعتبرت هوغن في مقالها أن إعلان الاتحاد الأوروبي توصله إلى قانون تنظيمي لعمل المنصات الإلكترونية هو علامة فارقة في "مسار جعل مواقع التواصل الاجتماعي أقل سمومة". ورأت أن القانون الأوروبي والمسمّى بـ"قانون الخدمات الرقمية" Digital Services Act: "هو أهم خطوة في تشريعات وسائل التواصل الاجتماعي في التاريخ". ويتماشى مع ما حاولت هوغن فعله في عملها أي جعل التواصل الاجتماعي مكاناً أفضل من دون التأثير سلباً في حرية التعبير.
وتذكّر هوغن أنها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كشفت في أكثر من 20000 صفحة من المستندات لهيئة الأوراق المالية والبورصات والكونغرس، ما كانت إدارة "فيسبوك" تعلم به جيداً، تحديداً كما تقول هوغن: "كانت منتجاتها [فيسبوك] تثير الكراهية والانقسام، ما دفع المراهقين إلى إيذاء الذات وفقدان الشهية، هذه المنتجات تركت ملايين المستخدمين من دون نظام أمان أساسي ضد خطاب الكراهية أو التحريض على العنف، وفي بعض الأحيان، تم استخدامهم حتى لبيع البشر عبر المنصة".
وتستنتج هوغن أن الشركات الكبرى اختارت استراتيجيات تؤمّن لها الربح المادي على حساب مصالح الناس. تماماً كما في حالات التلوث الذي تسببه المصانع لكن بفارق كبير وهو أن المصانع وغيرها من قطاعات تخضع لإطار قانوني واضح ينظم عملها ويحاسبها في حال وجود مخالفات. وترى هوغن أن الحكومات في الرأسمالية الديمقراطية عليها "استخدام القانون لتوجيه السوق إلى التوافق مع المصلحة العامة".
وتؤكد هوغن أن كيفية تنفيذ القانون الأوروبي الجديد لا يقل أهمية عن إقراره، لافتة بإعجاب إلى أنه "يركز على الإشراف على تصميم وتنفيذ الأنظمة (مثل كيفية تصرف الخوارزميات) بدلاً من تحديد ما هو الكلام الجيد أو السيّء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي شرحها للقانون الأوروبي، تقول هوغن إنه يطلب من "فيسبوك" وغيرها من المنصات الاجتماعية الكبيرة أن تكون شفافة بشأن المحتوى الذي يتم ترويجه ومشاركته عبر المنصة. ويجب أن تطبق مبادئ حماية المستهلك على الميزات التي، من بين أمور أخرى، تتجسس على المستخدمين أو الأطفال المدمنين أو تضعف السلامة العامة. وتؤكد أنه مع فرض شرط الشفافية أخيراً، سيكون من الأسهل على المنظمين الأوروبيين والمجتمع المدني التحقق من أن الشركات تلتزم القواعد.
وتعتبر هوغن أن إقرار مشروع القانون في أوروبا وليس الولايات المتحدة حيث نشأ عمالقة التواصل الاجتماعي، يعود إلى إدراك الكتلة الأوروبية أن سياسات "فيسبوك" الرقابية تخذل المجتمعات بحيث تنتشر لغات عدة [كالاتحاد الأوروبي] لأن نظام "فيسبوك" الرقابي يتطلب بناؤه ضمن لغة واحدة في كل مرة. وعليه تستنتج هوغن، فقط استراتيجية التركيز على سلامة المنتج يمكن أن تعمل بشكل عادل في كل لغة.
وترى هوغن أن ما يمنع تمرير قانون مماثل في الكونغرس الأميركي هو استثمار شركة "ميتا" Meta المالكة لـ"فيسبوك" و"إنستغرام" بكثافة في جماعات الضغط والمتخصصين في الاتصالات ضمن استجابتها للمخاوف المتعلقة بخطاب الكراهية ونظريات المؤامرة والمعلومات المضللة. وبحسب هوغن، فقد أخطأ قطاع التكنولوجيا في تصوير الأمر وكأنه خيار بين حرية التعبير أو الأمان. فيما تدّعي "ميتا" Meta أنها ستحب أن يكون الجميع آمنين، لكن هذه السلامة ستأتي على حساب حرية التعبير.
وتدحض هوغن هذا الأمر بالإشارة إلى المستندات التي كشفتها، وتتضمن طريقة عمل "فيسبوك" والتي تؤكد أن المنصة تعطي أولوية ووصولاً أكبر للمواد التي تبث الأفكار الأكثر إثارة للخلاف والأكثر تطرفاً، وهي تعرف أيضاً كيفية التخلص من هذه الخيارات عبر إشراك العنصر البشري في توجيه انتباهنا بدلاً من أجهزة كمبيوتر بحتة.
وتقترح هوغن أن الحل يكمن في "اتخاذ إجراءات صارمة ضد الروبوتات التي تضخم المعلومات المضللة، أو مطالبة المستخدمين بالنقر فوق الرابط قبل إعادة مشاركته، وغيرها من الخيارات التي يمكن أن تقلص انتشار الكلام الذي يحض على الكراهية والمحتوى الضار والمعلومات الخاطئة".
وبرأي هوغن، فإن "فيسبوك" غير متحمسة لتطبيق هذه الخيارات بسبب تركيزها المطلق على الأرباح الفصلية للشركة، بدلاً من بناء نجاح طويل الأمد. وترى أن هناك فرصة أكبر أن نكون ضمن رواد "فيسبوك" بعد 10 سنوات من اليوم في حال كانت المنصة آمنة وممتعة للاستخدام.
وختمت هوغن بالتأكيد على رفضها الرقابة، مضيفة "يمكن أن تكون لدينا وسائل التواصل الاجتماعي التي تربطنا بأصدقائنا وعائلتنا ولا تفصلنا عن أبناء وطننا... لقد وضعت أوروبا طريقاً يمكننا أن نتكيف معه - بطريقتنا الأميركية الفريدة – ونتبعه". فعلاج شوائب فيسبوك وغيره من منصات التواصل الاجتماعي لا يكون بالرقابة بل بالترشيد عوض المساهمة في الترويج لأكاذيب أو دعوات متطرفة وعدم ترجيح كفة الربح المالي "الفلكي"، كما سبق أن وصفت هوغن أرباح "فيسبوك"، على كفة المصلحة العامة.