أعلنت وزارة الاقتصاد الأميركية أن الناتج المحلي الإجمالي الأميركي انكمش في الربع الأول من هذا العام بنسبة 1.4- في المئة بمعدل سنوي. وجاءت تلك الأرقام مفاجئة للاقتصاديين والمحللين، في وقت كانت الأسواق تتوقع نمواً إيجابياً وليس سلبياً في الربع الأول بارتفاع بنسبة واحد في المئة، وذلك أول انكماش حاد في الاقتصاد الأميركي منذ منتصف عام 2020، حين أدت أزمة وباء كورونا إلى دخول الاقتصاد الأميركي في أعمق ركود شهده منذ عقود.
وكان الاقتصاد الأميركي، مثله مثل كثير من الاقتصادات المتقدمة، بدأ في الانتعاش والتعافي، العام الماضي، محققاً نمواً بنسبة 5.7 في المئة في المتوسط لعام 2021، في أفضل أداء للاقتصاد الأميركي منذ عام 1984. وفي الربع الأخير من العام الماضي حقق الناتج المحلي الإجمالي الأميركي نمواً بنسبة 6.9 في المئة، ليعكس اتجاهه بشكل حاد في الربع التالي وينكمش بالنسبة الكبيرة التي أعلنتها وزارة الاقتصاد.
وعلى الرغم من الأرقام المحبطة، التي تعزز توقعات الركود في الاقتصاد، فإن الأسواق تجاهلت إعلان وزارة الاقتصاد تقريباً، وارتفعت المؤشرات الرئيسة في بداية التعاملات، الخميس 28 أبريل (نيسان)، ولا يعرف إن كان رد الفعل السوق سيأتي في ما بعد، أم أن المتعاملين يحافظون على التفاؤل الناجم من الاعتقاد بأن العوامل التي أدت إلى النمو السلبي في الربع الأول مؤقتة ولن تستمر طويلاً.
عوامل مختلفة
وهناك عوامل عدة أسهمت في التراجع القوي في أكبر اقتصاد في العالم، أهمها عجز الميزان التجاري الأميركي نتيجة الارتفاع الهائل في الواردات مقابل الصادرات وزيادة أسعار الواردات أيضاً، وتظهر الأرقام هبوط الصادرات الأميركية في الربع الأول بنسبة 3.2 في المئة، ويؤدي اختلال الميزان التجاري إلى الضغط على الإنتاج بشكل عام، لهذا، ما زال مخزون السلع والبضائع المنتجة أقل من مستوياته بعد النشاط الكبير، العام الماضي، في فترة التعافي من أزمة وباء كورونا.
وعلى الرغم من ارتفاع أرقام الاستهلاك الشخصي في الربع الأول بنسبة 2.7 في المئة، مقارنة بنسبة 2.5 في الربع الرابع من العام الماضي 2021، فإن الإنفاق الاستهلاكي جاء أقل من توقعات السوق بنموه بنسبة 3.5 في المئة. إضافة إلى ذلك، فإن معدلات التضخم المرتفعة عند أعلى مستوياتها في 40 عاماً التي تقارب ثمانية في المئة (7.9 في المئة) تقلل من انعكاس الزيادة في الإنفاق الاستهلاكي على الناتج المحلي الإجمالي. ويشكل الإنفاق الاستهلاكي نسبة تصل إلى 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي.
عكس الاتجاه
في مقابلة مع شبكة "سي أن بي سي" الأميركية، تقول كبيرة الاقتصاديين في شركة "ستيت ستريت غلوبال أدفايزرز" سيمونا موكوتا، "يبدو ذلك (بيان وزارة التجارة عن النمو) تقريراً محورياً في عكس الاتجاه، إنه يذكرنا بحقيقة أن النمو كان كبيراً جداً، وأن الأمور تتغير وأنه لن يكون نمو بهذا القدر في المستقبل".
من العوامل الأخرى التي أسهمت في النمو السلبي في الاقتصاد الأميركي في الربع الأول تراجع الإنفاق الحكومي، بخاصة الإنفاق العسكري الذي انخفض بنسبة 8.5 في المئة في الربع الأول، أما تأثير الحرب في أوكرانيا والإغلاقات في الصين نتيجة انتشار فيروس كورونا مجدداً، فلم تظهر آثارها الكاملة بعد على الاقتصاد الأميركي.
تباين التوقعات
وتعزز أرقام النمو السلبي في الربع الأول توقعات دخول الاقتصاد الأميركي في ركود، بخاصة أن أحد المؤشرات المهمة على الركود حدث الشهر الماضي، فقد ارتفع مؤشر العائد على السندات فوق الحاجز الذي يشير إلى احتمال الركود، لكن بعض المحللين يرون أن اختلال الميزان التجاري ونقص مخزونات السلع الإنتاجية أمر مؤقت ولن يستمر لبقية العام، ما يعني أن الاقتصاد الأميركي يمكن أن يفلت من الدخول في ركود، ويصبح الاقتصاد تقنياً في ركود إذا شهد نمواً سلبياً في الناتج المحلي الاجمالي لربعين متتاليين.
وقدر بنك "غولدمان ساكس" الاستثماري أن نسبة انكماش الاقتصاد الأميركي مجدداً في غضون عام هي عند 35 في المئة، أما "دويتشه بنك" فيتوقع أن الاقتصاد الأميركي سيدخل في ركود على الأكثر بحلول العام المقبل، وكان البنك توقع أن يدخل الاقتصاد البريطاني في ركود قبل نهاية هذا العام، وجاءت أرقام نمو الناتج المحلي البريطاني قرب الصفر في شهر مارس (آذار) الماضي بالفعل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من تلك المؤشرات على استمرار تراجع الاقتصاد، فإن الأسواق تنظر أكثر لسياسة التشديد النقدي من قبل الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي الذي ينتظر أن يرفع سعر الفائدة بنصف نقطة مئوية (0.5 في المئة) الشهر المقبل، ورفعت الأسواق والبنوك الاستثمارية وشركات الاستشارات المالية تقديراتها لارتفاع الفائدة الأميركي هذا العام إلى مستوى 2.75 في نهاية العام.
سعر الفائدة
كذلك، سيبدأ الاحتياطي الفيدرالي في ضبط حسابه الحالي بالتخلص من السندات التي اشتراها في فترة التيسير الكمي منذ 2020، حين كان يشتري أصولاً بنحو 120 مليار دولار شهرياً، وأوقف البنك البرنامج قبل شهرين، وسيبدأ ربما من الشهر المقبل أو الذي يليه في بيع السندات بكمية قليلة في البداية لتصل بعد ذلك إلى ما قيمته 95 مليار دولار شهرياً.
ومن شأن رفع سعر الفائدة وسحب السيولة من السوق ببيع السندات لكبح جماح ارتفاع معدل التضخم أن يضغط سلبياً على النمو الاقتصادي، وما لم تتحسن العوامل الأخرى التي أدت إلى النمو السلبي في الربع الأول فإن احتمالات الركود الاقتصادي تصبح أقرب إلى التحقق.