فيما وضعت المتحورة "أوميكرون" عثرة هائلة في طريق انتعاش الاقتصاد الأوروبي والأميركي هذا الشتاء، فربما تتسبب الأزمة الروسية - الأوكرانية والعقوبات التي تم فرضها على روسيا خلال الفترة الماضية، في زيادة توقعات الانكماش، وربما الدخول في موجة من الركود التضخمي في ظل استمرار ارتفاع معدلات التضخم عالمياً.
وقبل أيام، أعد البيت الأبيض، الأميركيين لخيبة أمل جديدة بشأن أرقام الوظائف. وقال جاريد بيرنشتاين، عضو مجلس البيت الأبيض للمستشارين الاقتصاديين، إن عدد الوظائف المضافة في بداية عام 2022 قد يكون "منخفضاً بشكل غير عادي" بسبب "أوميكرون".
وتوقع خبراء اقتصاديون في استطلاع أجرته "رفينيتيف" إضافة 150 ألف وظيفة في يناير (كانون الثاني) الماضي. وهذا من شأنه أن يجعله أسوأ تقرير منذ ديسمبر (كانون الأول) 2020، عندما تخلى الاقتصاد عن الوظائف. وكان ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا يمثل مشكلة أيضاً في ذلك الوقت.
تعديل بيانات النمو بمنطقة اليورو
في منطقة اليورو، ألقت الحرب على أوكرانيا بظلالها على النمو الاقتصادي، بخاصة في أوروبا، الأمر الذي دفع العديد من الدول لمراجعة حساباتها. وفق وكالة "بلومبيرغ"، قال وزير المالية الفرنسي برونو لو مير، إن بلاده ستسعى للحصول على مزيد من الوضوح بشأن آثار الهجوم الروسي على أوكرانيا قبل تعديل توقعاتها للنمو الاقتصادي. وأضاف: "بالطبع سنعدل توقعاتنا للنمو... سوف نضطر إلى تعديل أرقام النمو عندما يحين الوقت المناسب. هناك عدم يقين كبير للغاية الآن للقيام بذلك بطريقة جدية".
وفي وقت سابق من الشهر الحالي، كان البنك المركزي الفرنسي، قد أكد أن الحرب تؤثر بالفعل على الاقتصاد. وبدلاً من نشر توقعاته الاقتصادية الدورية، اتخذ البنك خطوة غير مسبوقة بعرض سيناريوهين جراء حالة عدم اليقين الحالية.
في الوقت نفسه، فقد خفض المعهد الألماني للاقتصاد العالمي "أي أف دابليو"، توقعاته للنمو الاقتصادي لعام 2022 إلى النصف تقريباً في ظل الحرب الروسية في أوكرانيا. وأعلن المعهد أن الاقتصاديين يتوقعون حالياً نمو الاقتصاد الألماني بنسبة 2.1 في المئة فقط في العام الحالي.
وفي ديسمبر الماضي، كان المعهد قد خفض توقعاته للنمو من 5.1 في المئة إلى 4 في المئة، في ظل استمرار تفشي فيروس كورونا واستمرار الاختناقات في سلاسل التوريد. وفي ظل ارتفاع أسعار الطاقة المتزايد منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، توقع الاقتصاديون في المعهد، أن يبلغ معدل التضخم مستوى 5.8 في المئة، وهي أعلى نسبة تضخم منذ إعادة توحيد ألمانيا منذ أكثر من 30 عاماً.
وأوضح أن "صدمة (الحرب) في أوكرانيا ستؤخر العودة إلى مستويات ما قبل كورونا". وذكر أنه من الممكن تعويض جزء من الإنتاج المفقود في عام 2023، حيث إنه من المتوقع الآن أن يبلغ معدل النمو في العام المقبل نحو 3.5 في المئة. ووفقاً لحسابات المعهد، تبلغ تكلفة الاضطرابات الاقتصادية الناتجة عن الحرب الروسية في أوكرانيا نحو 90 مليار يورو (99 مليار دولار) من إجمالي الأداء الاقتصادي في ألمانيا في العامين الحالي والمقبل.
مزيد من الأزمات في سوق التوظيف الأميركية
بالعودة إلى السوق الأميركية، تشير توقعات العديد من المحللين إلى استمرار فقدان الوظائف، حيث توقع "غولدمان ساكس"، في مذكرة بحثية حديثة، انخفاضاً قدره 250 ألف وظيفة جديدة، في حين توقعت شركة الاستشارات "كابيتال إيكونوميكس" خسارة نحو 200 ألف وظيفة.
وقبل أيام، أظهر تقرير التوظيف "إي دي بي"، الذي يتتبع جداول الرواتب الخاصة، انخفاضاً غير متوقع من 301 ألف وظيفة خلال الشهر الماضي. وعلى الرغم من عدم ارتباط تقارير "إي دي بي" والتقارير الحكومية، فإنها تزيد من القلق بشأن الشكل الذي قد تبدو عليه الأرقام الرسمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأظهرت البيانات المنشورة يوم الخميس الماضي تحسناً طفيفاً في المطالبات الخاصة بإعانات البطالة في الأسبوع الأخير الكامل من شهر يناير (كانون الثاني) الماضي. وكانت المطالبات أيضاً أقل مما توقعه الاقتصاديون. وبلغت مطالبات البطالة نحو 238 ألف طلب، معدلة لتقلبات موسمية. وأفادت وزارة العمل بأن عدد الأميركيين المتقدمين للحصول على إعانات لأسبوعين متتاليين على الأقل انخفض إلى 1.6 مليون في الأسبوع المنتهي في 22 يناير الماضي.
وكان تقرير الوظائف لشهر ديسمبر الماضي قد أظهر أن الاقتصاد الأميركي أضاف نحو 199 ألف وظيفة، ولكن ذلك كان بناءً على استطلاعات الرأي التي أجريت قبل تسارع موجة انتشار "أوميكرون". لهذا السبب توقع الاقتصاديون أن يبدو شهر يناير أسوأ. ووفق مكتب الإحصاء الأميركي، قال ما يقرب من 9 ملايين عامل أميركي إنهم لا يعملون بسبب الفيروس، إما لأنهم كانوا مرضى أو لأنهم يعتنون بأحد أفراد أسرتهم.
لكن الخبر السار يتمثل في انخفاض انتشار المتحورة "أوميكرون"، ويجب أن يرتد الاقتصاد بسرعة. ولم يمنع الانخفاض القصير في الشتاء الماضي وزيادة المتحورة "دلتا" في الصيف عاماً من نمو الوظائف القياسي في عام 2021. ومع ذلك، فإن التأثير الناتج عن المتغير سوف يتخلل التقارير الاقتصادية طوال أوائل عام 2022. وأخيراً، حذر "بنك أوف أميركا"، من خطر كبير يتمثل في أن الناتج المحلي الإجمالي لأميركا سوف يتقلص في الربع الأول بسبب "أوميكرون"، وهو ما أكده بنك "غولدمان ساكس"، متوقعاً تباطؤ مفاجئ في النمو وإنفاق المستهلكين.
الحرب تمحو 1 في المئة من الناتج البريطاني
في بريطانيا، قال بنك إنجلترا المركزي، إنه يتوقع ارتفاع أسعار المستهلك في بريطانيا نتيجة مخاطر الحرب الأوكرانية على سلاسل الإمداد ونقص العمالة، مما أدى إلى زيادة ضغوط النفقات على الشركات. وذكر البنك في تقرير الممثلين الإقليميين للبنك المركزي، أن الصراع الأوكراني يخفض توقعات النمو، في ظل تزايد ضغوط ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج على الشركات، وهو ما سيؤدي إلى تضخيم النقص في بعض السلع.
وأوضح وفق بيان، أن صعوبات الحصول على العمالة المطلوبة تتزايد، ومن المتوقع استمرار النقص في سوق العمل خلال العام الحالي. ونتيجة لذلك تقول الشركات إنها تخطط لزيادة الأسعار لحماية أو تحقيق هامش أرباحها التي ظلت أقل من الطبيعي في المتوسط.
فيما تعتزم سلاسل متاجر الملابس في بريطانيا زيادة أسعارها بنسبة 5 في المئة خلال الصيف المقبل، ومتاجر الأجهزة الإلكترونية بنسبة 7 في المئة، بحسب تقرير البنك. ومن المتوقع أن تؤدي الحرب الروسية في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار المواد الخام لفترة أطول. كما تتوقع الشركات ارتفاع أجور العمالة بنسبة تتراوح بين 4 و6 في المئة خلال العام الحالي بعد ارتفاعها بما بين 2.5 في المئة و 3.5 في المئة خلال العام الماضي. وستكون هذه الزيادة هي الأكبر منذ 2007.
وفي ظل الحرب الدائرة، تتصاعد بشدة مخاطر حدوث ركود تضخمي في العالم، حيث شهدت أسعار السلع والمعادن والطاقة والحبوب ارتفاعات قياسية وسط تراجع آفاق نمو الاقتصادات العالمية. ويتوقع المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية في بريطانيا، أن الحرب في أوكرانيا قد تضيف 3 نقاط مئوية إلى التضخم العالمي المتفاقم بالفعل، بينما قد تمحو 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي هذا العام. وستضيف تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا أعباءً أخرى أمام الاقتصاد العالمي، بخاصة مع تزايد أعداد اللاجئين الأوكرانيين للدول الأوروبية المجاورة، والتوقعات بزيادة حجم الإنفاق العسكري خاصة لدول أوروبا.
وترى رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، أن صناع السياسة يدركون تطورات الأوضاع الجديدة ويعملون على زيادة الخيارات المتاحة، وشددت على التزام البنك بالتحرك بشكل تدريجي ومرن من أجل تنفيذ مهمته الخاصة بالحفاظ على استقرار الأسعار.
وأقرت لاغارد بأن الحرب قد تتسبب في موجة تضخمية جديدة. وأضافت: "ندرك المخاطر، ومستعدون لمراجعة خطتنا إذا ما أظهرت البيانات الواردة الحاجة لذلك... نحن على ثقة بأن ديناميكيات التضخم على المدى المتوسط لن تعود للنمط الذي رأيناه قبل الجائحة، ولكننا بحاجة إلى إدارة صدمة ستؤدي على المدى القصير لرفع التضخم وإبطاء النمو".