Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الدراجة الهوائية صديقة البيئة والإنسان... فهل تصل إلى لبنان؟

متعة وفائدة ووسيلة تنقل مفضلة للكبار والصغار في دول جهّزت طرقاتها لها

في دول أوروبية عدة تشكل الدراجة الهوائية وسيلة أساسية للتنقل (رويترز)

تعتبر أمستردام أكثر المدن التي تعتمد على الدراجة الهوائية في التنقل، فيزيد عدد الدراجات الهوائية فيها على عدد أهلها ليتخطى 900 ألف، ومع الوقت أصبحت مثالاً في هذا المجال وتحوّلت السياحة على الدراجة الهوائية في هذه المدينة الصديقة للبيئة إلى تجربة فريدة، خصوصاً أن البنى التحتية فيها مجهزة بالكامل لذلك بوجود الطرقات والخطوط الخاصة بالدرجات الهوائية والمحطات المخصصة لركنها ويستخدمها مواطنون من مختلف الفئات الاجتماعية.

في دراسة أجريت في مدينة "هاسلت" البلجيكية، دعا الباحثون الحكومات إلى جعل المدن أكثر ملاءمة لركوب الدراجة الهوائية لدورها الأساسي في مكافحة السمنة والعديد من الأمراض المزمنة التي يمكن التعرض لها، إضافة إلى دورها في الحد من تلوث الهواء، وتبين في الدراسة التي تناولت أكثر من 2000 شخص في مدن شملها الاستطلاع أن الرجال الذين اتجهوا إلى استخدام الدراجة الهوائية للتنقل يومياً خسروا ما يقارب 0.75 كيلوغرام من الوزن مع انخفاض في مؤشر كتلة الجسم بمعدل 0.24، وبدا معدل الاستجابة بين النساء أقلّ، أما الأشخاص الذين استخدموها من وقت إلى آخر، فتمكنوا من الحفاظ على أوزانهم. لذلك، شدد الباحثون على أن استخدام الدراجة الهوائية اختيار أمثل لتعزيز اللياقة البدنية والحفاظ على الصحة أو أيضاً للحفاظ على البيئة والحد من معدلات التلوث، علماً أن ركوب الدراجة الهوائية يعتبر من أكثر الرياضات متعة للكبار والصغار، إضافة إلى كونها وسيلة تنقل سهلة يمكن أن توفر في الوقت عبر تجنب الطرقات المزدحمة وفي المال أيضاً، لذلك تُستخدم في دول أوروبية كثيرة بشكل أساسي للتنقل والتوجه إلى أماكن العمل والدراسة.

حماية من الأمراض وفوائد أخرى

إضافة إلى أن ركوب الدراجة الهوائية وسيلة نقل سهلة لا تكلّف من يمارسها إلا خسارة الوحدات الحرارية، تتميز بفوائد واضحة على الصحة النفسية والجسدية، إلى جانب أثرها الواضح على الرشاقة، وفق ما يوضحه المدرب الرياضي مروان غصوب أن ما يميّز رياضة ركوب الدراجة الهوائية أنها تشغّل مختلف عضلات الجسم، وبشكل خاص تلك الأساسية من المعدة نزولاً إلى الأرداف والساقين من الخلف والأمام والقدمين ومن مختلف الزوايا، وبسبب التعرجات الموجودة على الطرقات، يواجه من يركب الدراجة الهوائية المزيد من التحديات، كما يمكن لمن يمارس رياضة ركوب الدراجة الثابتة التحكم بمعدل صعوبتها وبالسرعة عند مستوى معين، علماً أن رياضة ركوب الدراجة الثابتة قد ظهرت في الثمانينيات عندما تعرض شخص لحادث أثناء سباق على الطريق على الدراجة الهوائية، فأتت فكرة الدراجة الثابتة كونها آمنة أكثر، علماً أن الجسم يحرق في الجلسة الواحدة على الدراجة الثابتة ما بين 420 و900 وحدة حرارية، و يزيد هذا المعدل بـ 200 وحدة حرارية لدى ركوب الدراجة الهوائية على الطرقات، خصوصاً أن الجسم ملزم عندها بالتأقلم مع العوامل المناخية المتغيرة فيزيد معدل حرق الوحدات الحرارية لديه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتساعد رياضة ركوب الدراجة الهوائية على تحسين الدورة الدموية ووظيفة الرئتين، تماماً كما في رياضة الركض، ويقول غصوب إن الدراسات تؤكد أنها تخفف من مشكلات القلب كونها تشغّل القلب والأوعية الدموية ما يسمح بتأمين الأوكسجين للأعضاء كافة بمستويات كافية، بالتالي الأثر الإيجابي الأول والمباشر لركوب الدراجة الهوائية هو على القلب، هذا إضافة إلى ما لها من أثر إيجابي على الهرمونات، إذ تساعد على تحسين المزاج كما يلاحظ كل من يمارسها، خصوصاً في الطبيعة.

وتعتبر هذه من رياضات "الكارديو" التي ترفع معدل نبضات القلب وتساعد على حرق الدهون وتنشيط عملية الأيض، ويكمن هنا دورها في مكافحة السمنة والأمراض التي يمكن أن ترتبط بها، ولها انعكاس واضح على الوزن كونها تزيد من نشاط عملية الأيض، لا أثناء ممارستها فحسب، إنما يستمر أثرها هذا لساعات لاحقة، فبعد ممارسة رياضة ركوب الدراجة يزيد نشاط عملية الأيض، طوال 14 ساعة لاحقة ويحرق الجسم فيها 190 وحدة حرارية إضافية، وإن كان معدل الاستفادة يختلف بحسب نوع الدراجة المستخدمة وطبيعة الطرقات، كأن تكون وعرة مثلاً فتزيد فيها التحديات. في كل الحالات، تبدو وسيلة للراحة والاسترخاء بسبب الأحاسيس التي تولّدها والأهم أنه يمكن أن يمارسها أيّ كان سواء كان مبتدئاً أو رياضياً متمرساً، فعند تعلّمها لا يمكن نسيان هذه المهارة، ويبقى هذا الأثر موجوداً حتى لدى من ليسوا من الرياضيين، وإن كان أهم بعد في حال الالتزام.

وسيلة صديقة للبيئة

إلى جانب فوائدها التي لا تعد ولا تحصى على الصحة، للدراجة الهوائية أثر بارز على البيئة، إذ أسهمت في الحد من مستويات التلوث في الدول الأوروبية التي ثمة التزام في استخدامها فيها، إلى جانب أنها ساعدت في الحد من زحمة السيارات. في الواقع، مع اعتمادها يمكن تحويل نمط الحياة ليكون صديقاً للبيئة نظراً لدورها في الحد من معدلات التلوث ومن الازدحام ومن مشكلة ركن السيارات وما ينتج من ذلك من توتر، ويسهم ذلك في الحد من تدمير الطبيعة لإنشاء الطرقات، ما يسمح بزيادة المساحات الخضراء، إنما في مقابل الدول التي تشجع على استخدام الدراجة الهوائية لهذه الأسباب كافة والتي لها طرقات مجهزة، لا يزال استخدامها محدوداً وخجولاً في العديد من الدول ومنها لبنان، وعلى الرغم من وجود مبادرات تحفز على استخدامها، لا يزال دورها محدوداً.

من هذه المبادرات اللافتة في البلاد في هذا المجال The Chain Effect وهي منظمة غير حكومية هادفة إلى التشجيع على استخدام الدراجة الهوائية في طرقات لبنان كوسيلة تنقل صديقة للبيئة من تاريخ تأسيسها في عام 2014، وفق ما توضحه إحدى مؤسِّساتها الثلاث نديدا رعد أن فكرة التأسيس أتت بعد عودة زينة حوا وإيلينا حداد من أوروبا حيث كانتا تتنقلان على الدراجة الهوائية، وشعرتا أن طرقات لبنان تعتبر صغيرة ومساحاتها تسمح باستخدام الدراجة كوسيلة للتنقل، "شخصياً، كنت أتنقل في بيروت على الدراجة في مختلف الأوقات، وعندما رأيت في إحدى المرات جداراً رُسمت عليه دراجات مع عبارة معبّرة، تواصلت مع إيلينا وزينة صاحبتا الفكرة وقررنا إطلاق هذه المبادرة".

ثقافة اللبنانيين

وتدرك رعد أن الأمور لا يمكن أن تتغير في ثقافة اللبنانيين بين ليلة وضحاها، لكن ثمة خطوات عدة يمكن أن تحدث فارقاً وتترك أثراً لديهم. لذلك اتُخذ القرار بطرح الفكرة لتغيير الذهنية السائدة بأن من لا يملك المال لشراء سيارة هو حصراً من يستخدم الدراجة للتنقل، وبدأت كتابة الجمل المعبّرة عن هذه الأفكار بطريقة طريفة على الجدران في بيروت لنشر هذه الثقافة، وأقيمت ندوات في الجامعات والمدارس ومع الجمعيات، ونُظمت أنشطة تثقيفية للأطفال في هذا المجال، أما نشاط Bike to work فكان هدفه تشجيع الناس على التوجه إلى أماكن العمل على الدراجة بدلاً من السيارة المستخدمة بكثرة في لبنان، مع ما ينتج من ذلك من زحمة سير خانقة ومن ارتفاع كبير في معدلات التلوث بالنسبة إلى بلد غير صناعي كلبنان.

وعرف هذا النشاط نجاحاً متزايداً خلال ثلاث سنوات متتالية، خصوصاً بعد دعم السفارة السويسرية والتمويل المالي في السنة الثالثة، وفق ما تؤكده رعد، معتبرة أن ثمة أسباباً عدة تدعو إلى التشجيع على استخدام الدراجة كوسيلة تنقل بدءاً من فوائدها الصحية العديدة وأثرها على المزاج، إلى دورها في الحد من التلوث وتأمين التباعد الاجتماعي المطلوب في ظل انتشار الوباء، يضاف إلى ذلك أن الوضع الاقتصادي في لبنان اليوم قد يشكل دافعاً إضافياً مع ارتفاع أسعار المحروقات وبقية التكاليف التي يتحملها المواطن الذي يستخدم السيارة للتنقل، "لم تكن أمستردام كما هي الآن من البداية، بل انتشرت هذه الثقافة تدريجاً مع تزايد المشجعين عليها، وهذا ما يجب أن يحصل في لبنان. لا يمكن أن ننكر أن الوضع قد زاد سوءاً اليوم مع حال الطرقات وعدم صيانتها، إنما لا بد من الاستمرار بالعمل في هذا المجال عبر خطوات إضافية لأن الدراجة تخفف من الكلفة والوقت على المواطن وتعود عليه بفوائد كثيرة".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات