بدأت القصة مع قاليباف وعائلته من تسريب خبر من داخل مطار طهران الدولي يتعلق بأعداد كبيرة لحقائب سفر ترافق عودة زوجته وابنته وصهره من زيارة إلى تركيا، ومحاولة تمريرها من دون المرور على جهاز الجمارك، ثم اتبعت ببعض صور للعائلة وهي تشتري جهازاً لطفل تنتظره ابنة قاليباف بالمدى القريب. لتنفجر الانتقادات والاتهامات لقاليباف وعائلته باستغلال السلطة، والتربح غير المشروع، خصوصاً أن هذه الزيارة تأتي في وقت يعاني فيه الشعب الإيراني أعلى درجات الضائقة الاقتصادية، جراء العقوبات التي تسبب في استمرارها أداء هذا الرجل في إدارة ملف المفاوضات داخل البرلمان، وسن قوانين كبلت وتكبل المفاوض الإيراني وتعرقل عملية الحل.
قاليباف، الذي التزم الصمت والابتعاد عن التعليق على هذه الأخبار، دفع بنجله "إلياس" لتقديم المسوغ والاعتذار من الشعب الإيراني، إلا أن تصريحات نجله ورّطته في أزمة جديدة، بخاصة أن والده سبق له أن رفض أي مسوغ لمسؤولين آخرين في حكومة الرئيس السابق حسن روحاني، عندما اتهم ابنة أحد الوزراء باستغلال موقع والدها، والقيام بأعمال تجارية مخالفة للقوانين وعمليات احتيال على الضرائب والجمارك، وذلك في محاولة لإحراج روحاني وإسقاطه خلال الحملة الانتخابية.
خطأ نجل قاليباف جاء هذه المرة من جهة السيف الذي يحمله والده ويحارب به خصومه السياسيين، وتحديداً من يتهمهم بالليبرالية والتغرّب ويحملون شعار الإصلاح والاعتدال على حساب الثورة والدين والمذهب والأحكام الشرعية والدينية، فقد قال إلياس في تغريدة الاعتذار، إن والده "لم يكن مواقفاً على سفر والدته إلى تركيا"، محاولاً إبعاد والده عن تفاصيل هذه الزيارة وما حصل فيها، إلا أنه وجّه طعنة لوالده، إذ أظهره بموقف الضعف أمام زوجته التي لم تستجب لطلبه أو لم تقف عند رأيه من ناحية، وبأن والدته ارتكبت إثماً ومعصية شرعية عندما لم تلتزم بنهي زوجها عن السفر، فالأحكام الشرعية لدى جميع المذاهب الإسلامية، ولدى جميع المراجع الدينية لدى المذهب الشيعي لا تجيز للزوجة الخروج من منزلها من دون إذن زوجها، وتؤكد هذا الموقف بالاعتماد على رواية منقولة عن الرسول تقول بما فحواه إن الملائكة تلعن هذه الزوجة من ساعة خروجها إلى ساعة عودتها لمنزلها. وهذا يدفع إلى التشكيك بقدرة قاليباف الرئيس والبرلماني والقائد العسكري على ضبط أمور منزله الخاص، فكيف يصلح لإدارة برلمان أو دولة كما كان، وما زال، يطمح له.
لكن هذه القضية لم تقف عند هذه الحدود، بل فتحت باباً لاتهام قاليباف بالازدواجية في التعامل مع القضايا والمصالح الوطنية، حيث فضّلت عائلته التبضع من الخارج، ولم تعمد إلى تشجيع الصناعات الداخلية، التي كما يؤكد قاليباف نفسه بأنه يعمل بشكل دؤوب من أجل سن قوانين تحمي الإنتاج الداخلي وتحد من اللجوء إلى المنتج الخارجي أو المستورد، تطبيقاً للشعار الذي رفعه المرشد الأعلى كعنوان وشعار للسنة الجديدة بتطوير العلوم في جميع المجالات، وذلك استكمالاً لشعار "الاقتصاد المقاوم"، الذي يؤكده دائماً.
ومن تداعيات هذه القضية أيضاً أنها أعادت فتح ملفات فساد أخرى، اتهم قاليباف بالتورط فيها، وجرى إقفالها بقوة قاهرة فوقية، منعت القضاء عن السير بها إلى النهاية، كما حدث في ملف الفساد الكبير الذي تفجر بعد خروج قاليباف من منصب "عمدة العاصمة". أو منع التطرق للقضية كما حصل في التسريب الصوتي الذي كشف عن عملية اختلاس تفوق قميتها 7 مليارات دولار، أبطالها قيادات الصف الأول في حرس الثورة، بينهم قائد الحرس محمد عزيز جعفري وقاليباف.
في قضية بلدية طهران، بذلت جهود كبيرة وجبارة من مراكز القرار في النظام والسلطة لمنع حكومة روحاني والمجلس البلدي المقرب منه حينها من السير في هذا الملف، ومورست ضغوط كبيرة لإبعاد قاليباف واسمه عنه، وقد تصاعدت المواجهة إلى معركة مفتوحة بين الطرفين، دفع ثمنها عمدة العاصمة الجديد محمد علي نجفي واعترافه المشكوك بارتكاب جريمة قتل بحق زوجته الثانية ميترا استاد التي قيل إنها دسّت عليه من قبل جهاز الاستخبارات الذي تعمل لصالحه.
وأمام حجم الفساد في بلدية طهران، وإصرار حكومة روحاني على السير بالقضية إلى نهاياتها، خصوصاً أن الأمر تزامن مع توجيه اتهامات لشقيقه حسين فريدون بالاختلاس والفساد ومحاكمته وزجته بالسجن بعد أن كان يشغل منصب المعاون التنفيذي لرئيس الجمهورية. كان لا بد من البحث عن "كبش فداء" لختم هذه القضية، فوقع الاختيار على نائب قاليباف في البلدية "عيسى شريفي"، الذي تحمل الاتهام بالاحتيال والاستيلاء على عقارات باهضة الثمن في العاصمة طهران وملاحقة ياشار سلطني الصحافي الذي كشف ملف أملاك قاليباف واستغلاله لموقعه في بلدية طهران، إلا أن ذلك لم يخرج قاليباف من دائرة الاتهام والشبه التي ما زالت تلاحقه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما في ملف الاختلاس بين قيادات "الحرس"، فقد كان متوقعاً أن يكون تدخل المرشد الأعلى حازماً وحاسماً، بخاصة أن هذه القضية تمسك مصداقية المؤسسة التي يتمسك بها ويعتبرها الحصن الأول للنظام والثورة والمسؤولة عن مصالح إيران الاستراتيجية ودورها ونفوذها الإقليمي، لكن وبدلاً من أن يصدر الأوامر الواضحة والمباشرة بمتابعة هذا الملف والتحقيق الجدي به، خصوصاً أن الدليل عليها موثق في التسجيل الصوتي الذي سرّبه أحد أعضاء هذه المؤسسة ومقرب من هذه القيادات، إلا أن المرشد وصف ما جاء في التسريب الصوتي والجدل الذي دار حول هذا الملف بأنه "تخبيص"، للنيل من سمعة هذه المؤسسة خدمة لمصالح الأعداء.
حجم تورط قاليباف الذي يتكشّف يوماً بعد يوم في ملفات الفساد، يجعل من الصعب القبول بما يدّعيه المدافعون عنه بأنها مجرد تلف ملفات واتهامات. إلا أن الكشف عنها على مراحل يعزز الاعتقاد بوجود صراع محتدم داخل أجنحة التيار المحافظ والمسيطر على السلطة، وأن هناك جهات لا تريد أن يتحول قاليباف، الذي استطاع المرور بسلام من ملفات وشبهات أكيدة وتورط واضح فيها، إلى أحد مراكز القوى التي تسعى لفرض نفسها شريكاً في رسم مستقبل العملية السياسية لإيران والنظام في المرحلة المقبلة.