اليوم، يحتفي المسلمون في جميع أنحاء العالم - بمن فيهم أكثر من أربعة ملايين مسلم في المملكة المتحدة - برؤية الهلال الجديد الذي يعلن حلول عيد الفطر، مكافأتهم السنوية على تحملهم الجوع والعطش لدورة قمرية كاملة.
ذكرياتي عن العيد هي أنه من المناسبات العظيمة: الولائم المحضرة بعناية، التي تحتوي غالباً على لحم متبل مقدم فوق الأرز الساخن، وقطع سمبوسة مقرمشة تقطر عسلاً، والبقلاوة، والملابس الجديدة الأنيقة، وحصول الأطفال على العيدية من الأقارب الكبار، تهنئة "عيد مبارك" التي تتردد طوال اليوم.
في مثل هذه اللحظات السعيدة، لا يسعني إلا التفكر في الشهر الذي سبقها. قد يكون الحرمان من الطعام والشراب من شروق الشمس حتى غروبها مرهقاً من الناحيتين الفكرية والجسدية. وتزداد صعوبة الحفاظ على الطاقة من دون حتى رشفة ماء مع اقتراب شهر رمضان من نهايته. في هذه الأوقات، أتذكر أولئك الذين يواجهون صعوبة أكبر - حوالى 811 مليون شخص في جميع أنحاء العالم لا يزالون يكابدون الجوع كل يوم.
تثير هذه المناسبة أيضاً أمثلة استثنائية لقوة المجتمع: يتبرع المسلمون البريطانيون بحوالى 150 مليون جنيه استرليني للأعمال الخيرية خلال شهر رمضان وحده، تتم استضافة واحدة من أكبر وجبات الإفطار التي ترحب بكل الأديان على أعتاب قاعة رويال ألبرت هول، ينضم الأصدقاء غير المسلمين إلى تجربة الصيام كي يتمكنوا من فهم ما يقوم به الملايين حول العالم على نحو أفضل.
على مدى 14 قرناً، كان إيقاع شهر رمضان الذي يتكرر كل عام يحمل تحديات ومكافآت. من تعاليم الإسلام أن القوة المتجددة والسعادة تأتي مع الشدائد، وأن الإنجاز والأمل ينشآن من الصعوبات. تقول الآية الكريمة في سورة الشرح: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}.
تتوج رحلة شهر رمضان بعيد الفطر. بعد الحرمان يأتي التقدير لنعمة الطعام والشراب. بعد الظلام يأتي النور. لم يصل نور الوحي القرآني إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلا بعد مكوثه داخل غار حراء المظلم المنعزل في جبل النور. شهر رمضان هو تاسع أشهر السنة القمرية وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تعتبر جميع الأعياد في العالم تقديراً للصبر بعد أوقات الشدائد. يحتفل السيخ والهندوس والجاينيون بانتصار النور على الظلام خلال مهرجان ديفالي الذي يستمر خمسة أيام. وفي المسيحية، يأتي موسم الصوم والتوبة في الصوم الكبير تمهيداً لاحتفالات عيد الفصح بالربيع والتجدد.
يروي عيد الفصح اليهودي قصة الأمل والانتصار على معاداة السامية. يطلق البوذيون فوانيس في سماء ليلة ربيعية خلال عيد فيساك احتفاء بمولد بوذا ووفاته، الذي يقال إن بوذا بلغ بعده أعلى مراحل التنوير أو النيرفانا.
بعيداً من الأديان، تعطينا الطبيعة دروساً في الانتصار على المشقات. تذكرنا الفصول أن العالم يمضي قدماً. تعدنا بأن فصل الشتاء مهما بلغت قساوته فإنه لن يستمر إلى الأبد وأن الربيع سيحل. منذ آلاف السنين، احتفت احتفالات الانقلاب الشتوي بعودة الضوء بعدما كان الظلام في أطول مراحله. يبدو مهرجان الأضواء الأثيري الطبيعي المعروف بالشفق القطبي أكثر وضوحاً كلما كانت السماء الصافية أشد سواداً فوق الجزء الشمالي من الأرض.
عندما تتزين لوحة السماء الحالكة بمثل هذا الإشراق، تضج أضواء الشمال بالأمل. كما أن فوانيس العيد وأضواء أعياد الميلاد وشموع عيد الأنوار تشع جميعها بالأمل نفسه – الأمل بأن مستقبلاً أكثر إشراقاً ينتظرنا بعد محنة اليوم.
© The Independent