يستعد المسلمون قبيل انتهاء رمضان في جنوب شرقي آسيا لعيد الفطر بطرقٍ وعاداتٍ متشابهة على الرغم من تعدد الثقافات والأعراق. فيحيي المسلمون كل عامٍ صلاة عيد الفطر في المساجد، ويحتفلون بانتهاء شهر الصيام بالاجتماع مع عائلاتهم وذويهم. ففي الدول ذات الغالبية المسلمة، توارث المواطنون عادات وتقاليد لها بصماتها في القرى والمدن وفرحتها للصغار والكبار. فتُفتَح قصور السلاطين لاستقبال المواطنين وزائريها وتشرع أبواب البيوت لجيرانها وتلبس العائلات لوناً واحداً يميزها عن غيرها وتُمد أيادي الصفح. لكن أزمة جائحة كورونا اعتمت ضياء العيد واستقبله المسلمون في إندونيسيا وماليزيا وبروناي وسنغافورة على استحياءٍ، فأجواء "هاري رايا" ستقام افتراضياً ليأمن البلاد والعباد من تفشي الوباء.
عودة إلى القرية
في إندونيسيا، أكبر تجمع إسلامي في العالم، تُعَد مناسبة عيد الفطر (المعروف في الإندونيسية بليباران- lebaran) من أهم المناسبات والأعياد على مدار العام وقد تصل عطلتها إلى أسبوع في معظم الأعوام. ويرجع الاستعداد للاحتفال بقدوم العيد إلى فترة تسبقه، إذ ينتهز الكثير من الإندونيسيين القاطنين في المدن الكبرى من أجل الدراسة أو العمل فرصة العيد للعودة إلى مدنهم أو قراهم الأصلية في عادةٍ تعرف باسم "موديك". وتزدحم المواصلات العامة وتتضاعف أسعار التذاكر. فيما أوصت الحكومة الإندونيسية المواطنين هذا العام بعدم العودة إلى قراهم بسبب أزمة كورونا، كما حظرت جميع أنواع التنقل البري والجوي والبحري خلال الفترة بين 6 و17 مايو (أيار) الجاري في محاولة للسيطرة على تفشي فيروس كورونا.
ويحرص الإندونيسيون، كغالبية المسلمين، على إتباع عادة الملبس الجديد بشراء الملابس الجديدة للعيد، وتقدم الكثير من المحال ومراكز التسوق والشركات عروضاً موسمية قبيل عيد الفطر.
ويبدأ الإندونيسيون في استقبال العيد مع غروب شمس آخر يوم من رمضان. فتمتلئ الشوارع ليلة العيد بالناس ويهتفون بالتكبيرات احتفالاً بقدوم العيد. ولدى الإندونيسيين عادة التكبير في الشوارع مستخدمين السيارات المفتوحة أو السير على الأقدام وهم يقرعون على الطبول في الأحياء والشوارع. ويستمر تردد صدى قرع الطبول في كل الشوارع الإندونيسية حتى صلاة عيد الفطر.
ويجتمع الإندونيسيون مع عائلاتهم وأقربائهم وجيرانهم وأصدقائهم، وتعرف هذه العادة بـ "حلال بي حلال-Halal bi Halal". إذ يكون العيد فرصة للقاء الأشخاص الذين لم ير بعضهم البعض منذ فترة طويلة، وهو الوقت المناسب لطلب السماح والغفران من أي شخص.
وفي أثناء الاجتماعات العائلية، يمنح كبار السن الأفراد الصغار والأطفال "سلام تيمبل"، التي تعني أموال العيد، وهي من أكثر العادات المُحببة للأطفال إذ يعطي الأقرباء البالغين الأطفال وصغار العائلة بعضاً من النقود في ظروفٍ خاصة صغيرة احتفالاً بيوم العيد. وتنتشر هذه "العيدية" في دولٍ مجاورة كماليزيا وبروناي وسنغافورة كما هي الحال في الدول العربية.
ويهادي الأفراد بعضهم البعض بالطرود والحقائب التي تحتوي على العديد من الأشياء كالفواكه والأطعمة والمشروبات المعلبة وأدوات المطبخ وغيرها، تعبيراً عن فرحتهم بالعيد. كما يرتبط العيد لدى الإندونيسيين بتناول "الكيتوبات" وهي كعكة أرز معبأة داخل حاوية على شكل ماسة من كيس سعف النخيل المنسوج، كوجبة خفيفة موجودة على مائدة العائلات الإندونيسية خلال موسم عيد الفطر.
ماليزيا والبيت المفتوح
ينتظر الماليزيون "هاري رايا بواسا" أو عيد الفطر كل عام بترقبٍ وحماسة، إذ يعد أكبر احتفال للمسلمين في البلاد. وكما في إندونيسيا، يفضل كثير من الماليزيين السفر إلى مدينتهم الأصلية والتجمع مع عائلاتهم للاحتفال بعيد الفطر. ويحرص الماليزيون في أيام العيد على ارتداء الملابس المحليّة التقليدية التي تعرف بـ"باجو ميلاو" للرجال و"باجو كورونغ" للسيدات في أثناء الزيارات العائلية وزيارات الأقارب. وبعد صلاة العيد تبدأ الزيارات للوالدين والعائلات ويطلب الصغار والشباب من أفراد العائلة الأكبر سناً الصفح والمغفرة في عادةٍ تحمل في طياتها تقوية للعلاقات بين الأقرباء والأصدقاء، كما يزور بعض الأفراد مقابر موتاهم في أيام العيد الأولى.
ولإقبال المواطنين على الشراء في موسم عيد الفطر، تهتم كثير من الشركات التجارية بتقديم العروض الترويجية المختلفة المرتبطة بمناسبة العيد على مختلف المنتجات الغذائية والمنزلية والملابس وكافة السلع. كما تولي الشركات أهميّة خاصة بمناسبة "هاري رايا" في موادها الترويجية والدعائية، وتنتج إعلانات تتطرق إلى العائلة والترابط الأسري في عيد الفطر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرتبط عيد الفطر في ماليزيا بتناول "الليمانغ- LeMang" وهو من الأطعمة الماليزية التقليدية ويصنع من الأرز وحليب جوز الهند والملح ويُطبخ في أعواد البامبو المجوفة والمبطنة بأوراق الموز. كما تنتشر في الشوارع ومحطات الراديو ومراكز التسوق والأسواق الأغاني التي ترحب بعيد الفطر وقدومه. كما تتنافس الشركات والبنوك والمؤسسات الكبيرة على الإعلانات الترحيبية بقدوم العيد والعودة إلى القرية.
ومما يميز ماليزيا في احتفالها بعيد الفطر إقامة فعاليات "البيت المفتوح" وهي تجمع يُدعى فيه الأصدقاء والعائلة للانضمام إلى الاحتفال بالعيد وتقدم فيه العائلات أشهى الأطعمة الماليزية. وغالباً ما تكون دعوات البيت المفتوح في الأسبوع الثالث من شهر شوال، مما يجعل أجواء عيد الفطر في ماليزيا تستمر وتمتد لأكثر من أيامها الثلاث المعتادة في جميع أرجاء العالم الإسلاميّ. ولا يقتصر الحضور على المسلمين فقط، إذ تشهد فاعليات البيت المفتوح حضور كافة أفراد المجتمع الماليزي من الأعراق الصينية والهندية وغيرها والديانات المختلفة. وتمتد فاعلياته لتشمل حتى المدارس التي تنظم بدورها بيتاً مفتوحاً يُسمح فيه للطلبة بالحضور بالزيّ التقليدي للبلاد كمظهر يدل على احتفاء كافة المؤسسات الماليزية بعيد الفطر ورغبتها في تقوية العلاقات بين أفراد المجتمع. كما يقيم السلاطين والوزراء والمسؤولون الماليزيون فعاليات "البيت المفتوح" طوال شهر شوال.
ولكن ماليزيا فقدت موسم البيت المفتوح للعام الثاني على التوالي، جراء الإجراءات الاحترازية وتقييد الحركة المرتبطة بجائحة كورونا. إذ أعلنت الحكومة الإغلاق الكلي للبلاد ومنع استضافة البيت المفتوح في عيد الفطر، واستقبال المواطنين لعائلاتهم وجيرانهم في منازلهم إنفاذاً لقانون تقييد الحركة في ماليزيا لأسبوعين مع نهاية شهر رمضان.
بروناي وزيارة قصر السلطان
تتشابه العادات في سلطنة بروناي دار السلام المتاخمة لماليزيا مع العادات في جارتها. فمع بداية اليوم الأول للعيد يرتدي الرجال في بروناي الزيّ التقليدي للبلاد وغطاء الرأس كما ترتدي النساء زي "باجو كورونغ" التقليدي. ويحرص المواطنون في بروناي أيضاً على زيارة الأقارب والأصدقاء للاحتفال في المنزل ويتناولون الحلوى المرتبطة بالعيد.
ومن العادات الفريدة في بروناي، زيارة المواطنين والسياح للقصر الوطنيّ للسلطان، حيثُ تكون فرصة لتحيّته وزوجته وأفراد العائلة المالكة في بروناي أو لإلقاء نظرة مقربة عليهم. ويكون قصر السلطان مفتوحاً للعامة طوال الأيام الثلاثة للعيد، حيثُ يزور المواطنون والسائحون القصر ويلقي الرجال التحية على السلطان فيما تلتقي النساء بزوجته وتُسلمن عليها. ويصل عدد زوار القصر في اليوم الواحد خلال العيد إلى 40 ألف شخص. كما يمكن للمواطنين السير في جولةٍ داخل أحد أقسام القصر وتناول الطعام بداخله، إذ تقدم لهم أطباق عليها الأختام الملكيّة، وبعدها يمكنهم لقاء السلطان وتحيته.
أقلية إسلامية
في عدد من دول جنوب شرقي آسيا التي لديها أقليّة من المسلمين، تتقلص مراسم العيد وعاداته كونها تقتصر على عددٍ قليل من الأفراد. ففي كمبوديا، البلد الذي يضم عدداً ضئيلاً من المسلمين يصل إلى ما يقرب من 400 ألف شخص، فإن صلاة العيد هي العادّة الأهم التي يحرص مسلمو كمبوديا على حضورها وإقامتها إلى جانب أداء زكاة الفطر واحتفال الأطفال بقدوم العيد بإشعال الألعاب النارية. وفي قرى مسملي تشام بكمبوديا، يتبادل الأفراد الزيارات بين العائلات حيثُ يتناولون الطعام سوياً، كما يحرصون على زيارة الفقراء وتقديم الأموال والطعام لهم في يوم العيد.
أما في تايلاند، فتقطن غالبية مسلمي البلاد في منطقة الجنوب. وكانت من بين أهم العادات التي تسبق العيد عودة معظم العاملين في الخارج أو في بقية المدن التايلاندية إلى الجنوب لقضاء عيد الفطر مع أسرهم وعائلاتهم. ويبدأ مجتمع مسلمي تايلاند باستقبال العيد من خلال إعداد الطعام للاحتفالات وتوزيعه على الجيران، ويتزاورون خلال اليوم الأول للعيد.
وفي سنغافورة وعلى الرغم من قلّة أعداد المسلمين، فقد اعتاد المسلمون على إحياء احتفالات العيد بالزيارات والتجمعات وتقديم الهدايا إلى بعضهم البعض. وفي هذا العام مع تشديد الإجراءات الاحترازية، سيصعب على السنغافوريين الاحتفال كما في السابق حيث تفرض الإجراءات استقبال كل منزلٍ لخمسة أفراد يومياً كحد أقصى. لكن رئيسة البلاد، حليمة يعقوب، أوضحت أن أجواء "هاري رايا" الاحتفالية باقية، إذ يتمكن المواطنون من الاجتماع مع العائلة والأصدقاء افتراضياً من خلال مكالمات الفيديو وتطبيقات الهواتف المحمولة.