يأتي الهجوم على ست ناقلات نفط في الأسابيع الأخيرة ليذكرنا بما حدث في الماضي في منطقة الخليج، ولكن للهجوم على الناقلتين الخميس 13 يونيو (حزيران)، حيث استهدف الناقلة "فرونت ألتير" المحملة بالنافثا من ميناء الرويس في الإمارات، والناقلة كوكوكا كوريجيس المحملة بالميثانول من السعودية وقطر، أهمية خاصة بسبب نوعية الحمولة من جهة، والتوقيت من جهة أخرى.
فهل عادت حرب الناقلات؟ وهل سنشهد المزيد منها؟ لا بدّ من التذكير أن ناقلات النفط كانت أحد الأهداف الرئيسة لكل الأطراف في الحرب العالمية الثانية، وجرى إغراق عدد كبير منها، إلا أن ذلك كان جزءاً من الهجوم على السفن التجارية، إذ إن الولايات المتحدة خسرت أكثر من 500 سفينة تجارية (بما فيها ناقلات نفط) أثناء الحرب العالمية الثانية.
والمقصود من هذه المقدمة أن ما حدث وما سيحدث ليس جديداً ولا مستغرباً، إذا نظرنا للأمر من منظور تاريخي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
القاسم المشترك
هناك المئات من ناقلات النفط في الخليج يومياً تحمل أنواعاً مختلفة من النفط والمنتجات النفطية، وترفع أعلام دول كثيرة، وتملكها شركات ودول كثيرة، إلا أن هناك عوامل مشتركة في الهجمات على الناقلات الستة في الأسابيع الأخيرة:
1- النفط والمنتجات النفطية من السعودية والإمارات فقط.
2- في كل الهجمات كانت هناك على الأقل باخرة تحمل مادة "النافثا".
3- الناقلات غير الخليجية مملوكة من دول أوروبية محايدة سياسياً وعسكرياً مثل النرويج.
4- جرت الهجمات في أقل المناطق والأوقات حماية، وفي جو غائم أحياناً.
5- الهجوم على ناقلات النفط جاء بعد إلغاء ترمب للاستثناءات التي منحها لثماني دول للاستيراد من إيران سابقاً، والهجوم على ناقلة كوكوكا كرويجيس، والتي تحمل الميثانول، وهو من منتجات البتروكيماويات، بعد فرض الحظر الأميركي على شركات البتروكيماويات الإيرانية.
توقيت الهجمات... وما علاقة الزيارة بالتفجيرات؟
ووصل رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى طهران، وحصلت تفجيرات السفن بعدها بساعات. وعندما زار ترمب اليابان منذ حوالى ثلاثة أسابيع، طلب من آبي أن يقوم بالوساطة بين الولايات المتحدة وإيران بهدف إجراء مباحثات مباشرة بين الحكومتين للتوصل إلى حل للخلاف القائم قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2020.
ولكن هناك بعض المجموعات المتطرفة، خصوصاً في الحرس الثوري، عارضت الزيارة، وتعارض أي مباحثات مباشرة أو غير مباشرة مع الولايات المتحدة أو الدول الخليجية.
ولهذا، فإن توقيت الهجمات هنا يوحي أن هناك رغبة لدى بعض القادة الإيرانيين بالتوصل إلى تسوية لإنهاء العزلة الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها إيران، بينما هناك فئات متطرفة ستعمل ما في وسعها لمنع التوصل إلى اتفاق وتسوية، فلجأت إلى تفجير الناقلات كي تسوء العلاقات، ويستمر الوضع كما هو، ليس في إيران فقط، وإنما في اليمن وسوريا وغيرها، ما يعزز هذا الأمر أن الباخرة كوكوكا تملكها اليابان، لذلك فهي رسالة واضحة لرئيس الوزراء الموجود في طهران.
ماذا يعني هذا؟
هذا يعني أن من خطّط للعملية يعرف تماماً ماذا يفعل، وماذا يريد، وهذه عملية معقدة لا يمكن أن تحصل من قبل أفراد أو جماعات مسلحة، وهذه عملية تتطلب كثيراً من المعلومات الاستخبارية والأمنية، والتي لا تقدر عليها سوى حكومات. اختيار "النافثا" ليس صدفة، فهي الأكثر اشتعالاً من غيرها، وهي الجزء الذي خسرته إيران لصالح دول أخرى، "النافثا" الإيرانية مرغوبة جداً في الأسواق الآسيوية، وهي تمثل "تاج النفط الإيراني."
واختيار "كوكوكا كورجيس" لا يبدو صدفة أيضاً، فهي تحمل مادة "الميثانول"، والتي كانت ضمن المواد التي حظرتها إدارة ترمب الأسبوع الماضي عندما فرضت عقوبات على شركات البتروكيماويات الإيرانية وصادراتها.
من المستهدف؟
إلا أن الأمر يزداد تعقيداً أن جزءاً من الحمولة جاء من قطر، حيث رست الباخرة في ميناء مسيعيد القطري قبل أن ترسو في الموانئ السعودية، فهل غاب عمن قام بالعملية أن جزءاً من الحمولة من قطر، أم أنها رسالة إلى قطر أيضاً كي لا تعوض عن صادرات البتروكيماويات الإيرانية؟ ولكن يجب ألا يغيب عن الذهن أيضاً أن الفئة التي قامت بهذه العمليات لا تستهدف السعودية والإمارات فقط، وإنما تستهدف أيضا الدول والشركات المستوردة التي تخلت عن إيران في ظل العقوبات الأميركية.
إذاً، المتأثر هنا ليس فقط الدولة الخليجية التي صدّرت "النافثا" و"الميثانول"، وإنما الدول الآسيوية التي استجابت للعقوبات الأميركية وتخلت عن استيراد "النافثا" والميثانول من إيران.
التداعيات على أسواق النفط
استمرار حرب الناقلات، سيرفع تكاليف الشحن والتأمين، وتكاليف الحماية الأمنية، وسيرفع الأسعار، وهذا ليس في صالح دول الخليج، ولكن الأمر لا ينطبق على النفط إنما على كل السوائل النفطية والبتروكيماويات.
واستمرار حرب الناقلات ستكون له نتيجة مؤكدة وهي لجوء دول الخليج والعراق إلى وسائل أخرى لتفادي مضيق هرمز، وسيؤدي إلى بناء المزيد من الأنابيب عبر الإمارات وعبر السعودية، ومشكلة الحكومة العراقية أن الحلول المتاحة لها محدودة: أنابيب عبر غرب العراق والأردن إلى خليج العقبة في مناطق غير آمنة، أو عبر السعودية، وكل خيار له مساوئه ومحاسنه، إلا أنه من الواضح أن إيران ليست في الصورة!
وخلاصة الأمر أن الضغوط الاقتصادية والسياسية داخل إيران ستجبر القيادة الإيرانية على التفاوض، إلا أن هناك مجموعات ستعمل ما في وسعها لمنعه، حتى لو تطلّب ذلك المزيد من التخريب والدمار، واستمرار حرب الناقلات سيؤثر في أسواق النفط إذ سترتفع التكاليف، وترتفع الأسعار، من دون أن يستفيد أحد.