في المرة الأولى التي زرت فيها هيوستن في تكساس، أذهلني كم ذكرتني بالخُبر في السعودية، البلدة التي نشأت فيها. ولم يقتصر الأمر على الحرارة والرطوبة – لقد خطط الخُبر في الأربعينيات رجال نفط من تكساس. وكثيراً ما يعتبر الأميركيون السعودية مكاناً غريباً إلى حد كبير، حيث الرجال يرتدون العمائم والنساء يتشحن بالسواد، لكن هذه النظرة لطالما أغفلت الأوجه التي اعتمدت فيها بلادي بلادكم نموذجاً. فبنيتنا التحتية النفطية تعتمد على التكنولوجيا والخبرات الأميركية. ونظام الرعاية الصحية لدينا يستند إلى معداتكم الطبية ومرضانا يعالجهم أطباء تخصصوا في الولايات المتحدة. وتعتمد قواتنا المسلحة على معداتكم العسكرية، ويدرب جنودكم جنودنا.
ولهذا السبب، كان من المحزن إلى هذا الحد لي، وللشباب السعوديين الآخرين الذين نشأوا وهم يقدرون العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، والذين يشعرون بالحماسة إزاء احتمالات الإصلاح في بلادنا، الاستماع إلى الرئيس جو بايدن يصف السعودية بدولة "منبوذة" من "دون أي قيمة". والشهر الماضي، يُقَال إن ولي عهد المملكة العربية السعودية رفض الرد على مكالمات الرئيس الأميركي؛ والأسبوع الماضي أجرى الأمير بدلاً من ذلك محادثة هاتفية مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، اتفق فيها الرجلان على تعزيز التعاون السعودي- الصيني، بما في ذلك التنسيق بين المشروع السعودي الضخم للتنمية الوطنية المسمى "رؤية 2030" ومبادرة الحزام والطريق الصينية الشاملة للعالم.
لدى الصين كثير تعرضه على السعودية. وبتعبير صريح، احتياجات الصين من الطاقة هي صنو سوق متعطشة إلى النفط السعودي، فضلاً عن إقبال عارم على تزويد دولتنا بالتكنولوجيات المتقدمة، والأنظمة المصممة هندسياً [تكامل تكنولوجي]، والأجهزة العسكرية التي نحتاج إليها للبقاء والازدهار في ذلك الجزء غير المضياف أحياناً كثيرة من العالم. ولا شك في أن الصين ترى أيضاً أن تفسخ العلاقات الأميركية - السعودية التي كانت متينة ذات يوم – وتسيطر على المعروض العالمي من النفط – يشكل انتصاراً استراتيجياً لما يُطلَق عليه اسم "النموذج الصيني" في ما يصفه كثر في كل من بكين وواشنطن بالحرب الباردة الثانية.
لكن الصين ليست السبب وراء توتر العلاقات الأميركية - السعودية. ولا تسعى السعودية إلى وضع الصين والولايات المتحدة في مواجهة بعضهما بعضاً على أمل الحصول على "صفقة أفضل" من أي من الشريكين. بل إن السعودية بدأت تنظر إلى أبعد من أميركا لأن زعماءنا باتوا يعتقدون بأن قادة أميركا لم يعودوا يحتسبون المصالح الوطنية الأميركية، ناهيك عن مصالح السعودية.
تأسف السعودية لما تعتبره تفكيك أميركا المتعمد للنظام الدولي الذي أسسته وقادته طيلة القسم الأعظم من قرن من الزمن. وفي السنوات العشر الأخيرة، شهدنا تسليم الولايات المتحدة سوريا وشبه جزيرة القرم إلى روسيا في حين بذلت كل جهد ممكن لإبرام "صفقة" مع نظام ثيوقراطي إيراني يرفع لواء شعار "الموت لأميركا" ويسعى إلى إنتاج أسلحة نووية. وحيث كانت أميركا ذات يوم تحترم النظام العالمي الذي منحنا الأمن والقدرة على الوصول إلى الأسواق والدراية الأميركية، وسمح للأميركيين بطباعة المال كما يشاؤون لأننا جميعاً كنا نراكم الدولارات الأميركية – نشعر الآن باليتم بسبب أميركا السعيدة بالاستمرار في إنفاق المال لكنها فقدت الاهتمام في ما يبدو بالاحتفاظ بالقوة واستخدامها من أجل الصالح العام.
لكي نكون واضحين، لا نبحث عن جنود أميركيين يموتون من أجل نفطنا. نريد منكم مساعدتنا في تطوير الأنظمة التي نحتاج إليها للدفاع عن أنفسنا. نريدكم أن تجهزوا قواتنا المسلحة بأسلحة أميركية الصنع لا تجعلنا أقوى فحسب، بل كذلك تجعلكم أقوى، ليس أقله من خلال توليد فرص عمل للمواطنين الأميركيين.
لكن ألا يشكل النفط ذاته جزءاً كبيراً من المشكلة؟ أنا سعودي يعمل لدى شركة إعلامية ذات ملكية سعودية ونصير فخور لجهود ولي العهد الرامية إلى تحرير المجتمع السعودي وتنويعه بعيداً من النفط. ويدرك السعوديون تمام الإدراك ثمن الاحترار العالمي – نحن نعيش في صحراء – وكذلك حقيقة أن النفط مورد محدود. ولهذا السبب يشكل أيضاً مشروع "نيوم" الأبرز بين مشاريع ولي العهد، ويشتمل على إنشاء مدينة جديدة متقدمة تكنولوجياً في الصحراء، الاستثمار الأضخم على الإطلاق في مفاهيم الطاقة الخضراء الحضرية على الكوكب، بميزانية حالية تبلغ 500 مليار دولار. وعلى النقيض من هذا، تقل تكلفة مبادرات بايدن التقديرية في مجال الطاقة الخضراء هذا العام عن عُشْر هذا الرقم – 44.9 مليار دولار، وفق البيت الأبيض. إذا كان هدفكم هو الطاقة النظيفة، ينبغي أن تكون "نيوم" شريكتكم وليس شريكة الصين.
ليس كل ما تفعله أميركا يحظى بموافقة سعودية، والعكس صحيح أيضاً. لكن التحالفات التي تشكل أهمية كبيرة داخل نظام الدول القومية لا تعتمد على نزوات سطحية أو حملات عبر تطبيق "تيك توك" بل تقوم بين بلدان تفوق مصالحها المشتركة خلافاتها، وتقدر الرفاه الأساسي لمواطنيها في ما يخص الأمن والغذاء والوظائف.
بكلمات بسيطة، إن حكومة أميركية تسعى إلى وصم [شجب وتلطيخ سمعة] السعودية عن طريق إطلاق طفولي للنعوت في حين تشطب عن قائمتها للمنظمات الإرهابية الميليشيات الحوثية الإرهابية التي تطلق الصواريخ الإيرانية الصنع على المدن والمطارات ومصافي النفط في المملكة العربية السعودية وتهدد أمننا وحياة مواطنينا، لا تتصرف بما يصب في مصلحة الطرفين. ويطالب السعوديون عن حق بوقف هذا النوع من السلوك الأميركي المدمر لنا ولنظام التحالف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إن أميركا التي تسعى إلى مكافأة إيران على عشرات السنوات من الإرهاب والحرب والدمار – بما في ذلك قتل المئات من الأميركيين في لبنان وقتل وجرح الآلاف منهم في العراق – إلى جانب القدرة على تصنيع الأسلحة النووية، لا تتصرف كصديق، بل كعدو.
إن أميركا التي ترفض في شكل متهور ومهين شراكة دامت قرناً بين بلدين من دون تقدير عشرات المليارات من الدولارات التي تنفقها السعودية في أميركا، ما يوفر وظائف مجزية لعشرات الآلاف من الأميركيين، ويغذي التصنيع والإبداع الأميركيين، يبدو أنها تتجاهل ليس فقط مصالح السعودية ومواطنيها، بل أيضاً مصالح الأميركيين العاملين.
من وجهة النظر السعودية، لا يمكن لهذه الاعتداءات الغريبة على أسس التحالف السعودي- الأميركي والبنية الأمنية الإقليمية التي يدعمها هذا التحالف أن تُفهَم في إطار المنطق الذي يحكم العلاقات بين الدول. هو سلوك [نهج] يليق بمهووس بإشعال الحرائق، يخسر فيه الجميع.
من المؤكد أن السعودية سترفض أن تكون شريكاً في إلحاق الدمار بها. وبعيداً من هذا، جلّ ما تريده من الولايات المتحدة هو استمرار الصناعة الأميركية في قيادة العالم [توجيه دفته] واستمرار الابتكار الأميركي في التفوق. فتقادم الأنظمة الأميركية والتصنيع الأميركي وفشلها يشكل كابوساً لبلد تدور عجلته على الأنظمة الأميركية. وساعدت السعودية والولايات المتحدة معاً في إلحاق الهزيمة بالاتحاد السوفياتي في أفغانستان وإنهاء الحرب الباردة، ما حقق منافع لا حصر لها ليس فقط لبلدينا بل أيضاً للمعمورة كلها.
كما أخبرني أحد كبار المسؤولين في الرياض الأسبوع الماضي فإن "أميركا القوية والتي يمكن الاعتماد عليها هي أعظم صديق يمكن للسعودية أن تحصل عليه". ومن المنطقي إذاً اعتبار أن الضعف والارتباك الأميركيين يشكلان تهديداً خطيراً ليس لأميركا فحسب، بل ولنا أيضاً.
هذا المقال نشر لأول مرة في موقع "نشنال اينترست" وترجم من الإنجليزية إلى العربية بواسطة فريق "اندبندنت عربية"