بعد يومين على وقوع اشتباكات عنيفة بين قوات الشرطة الاتحادية في العراق ومسلحين موالين لحزب العمال الكردستاني، أعلنت قيادة العمليات المشتركة نجاح خطتها في إبعاد المسلحين عن مركز قضاء سنجار، فيما تحدثت سلطات إقليم كردستان عن استقبال 4 آلاف نازح في محافظة دهوك.
وعاد الهدوء، اليوم الثلاثاء، إلى المدينة بعد دخول الطرفين في اشتباكات عنيفة عقب مهاجمة مسلحين تابعين لقوات "حماية سنجار" الموالية لحزب العمال، موكب ضابط رفيع في الجيش العراقي، ما أسفر عن إصابة جنديين بجروح، يوم الأحد الماضي.
ويُعدّ هذا الاشتباك الأعنف بعد ثلاث مواجهات سابقة خلال الشهر الماضي، وأسفر عن مقتل ثلاثة من المسلحين وجندي واحد بحسب مصادر أمنية، وأظهرت لقطات متلفزة وصول مساندة عسكرية كبيرة معززة بالدبابات والمدرعات إلى منطقة الاشتباك، وسط تحليق مكثف للطائرات الحربية التي قصفت مدرسة في مجمع دوكري، كان يتحصن فيه القناصة، فيما أزالت آليات الجيش السواتر الترابية والحواجز التي وضعها المسلحون لمنع دخول القوات إلى المدينة.
فرض "سلطة القانون"
وأعلنت "خلية الإعلام الأمني" الاتحادية أن "ناحية سنوني شهدت اشتباكات ليلة الأحد وصباح الاثنين، الأول والثاني من مايو (أيار)، عقب قطع مجموعة تُعرف باسم "عناصر تنظيم اليبشه" (مسلحو حزب الاتحاد الديمقراطي) عدداً من الطرق التي تربط ناحية سنوني وخانصور بالمجمعات والقرى المجاورة، ونصب حواجز ومنع حركة المواطنين بين هذه المناطق"، مشيرة إلى أن "القطعات العسكرية في قيادة عمليات غرب نينوى والوحدات المتجحفلة معها تعرضت لدى شروعها بفتح الطرق، لرمي كثيف مع انتشار للقناصين على أسطح عدد من البنايات وزرع الطرق بالعبوات الناسفة، وتعاملت قطعاتنا مع تلك العناصر المغرر بها وفق قواعد الاشتباك لفرض سلطة القانون والنظام، وردت على مصادر هذه النيران بدقة وفتحت الطرقات أمام حركة المواطنين".
وسائل إعلام موالية لحزب العمال ذكرت أن "الاشتباكات اندلعت عندما حاولت قوات من الجيش العراقي الدخول إلى مجمع دوكري وناحية سنوني في قضاء شنكال"، وأشارت إلى أن الجيش استخدم أسلحة ثقيلة كالدبابات والمدافع وقصف مدرسة، ما أدى إلى تدميرها كلياً".
وكانت "وحدات مقاومة سنجار" قبل نحو أسبوعين أقدمت على خطف جنديين عراقيين قبل أن تفرج عنهما لاحقاً، إثر خلاف مع الجيش للانسحاب من ثكنة عكسرية، حيث تعمل القوات العراقية منذ منتصف الشهر الماضي بأمر من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على إرسال تعزيزات عسكرية إلى منطقة سنجار.
إخراج المسلحين
وأعلنت "العمليات المشتركة"، اليوم الثلاثاء، وصول نائب قائد العمليات المشتركة الفريق الأول الركن عبد الأمير الشمري، ورئيس أركان الجيش عبد الأمير رشيد يار الله، إلى قضاء سنجار لمعاينة التطورات، وذلك بعد ثلاثة أيام من إجراء القائدين مباحثات على رأس وفد عسكري رفيع، للتوصل إلى تفاهمات بعدم الاعتراض على نشر قوات للجيش، إذ تواجه القوات العراقية صعوبة في إخراج المسلحين الموالين لحزب العمال من داخل المدن والبلدات في إطار اتفاقية كانت أبرمت بين حكومتي أربيل وبغداد في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2020 لتطبيع الأوضاع في سنجار.
ونقلت قناة "العراقية" الرسمية عن الناطق باسم "قيادة العمليات المشتركة" اللواء تحسين الخفاجي قوله إن "الزيارة تحمل أهمية كبيرة"، وأوضح أن الشمري ويار الله، كانت لديهما توجيهات واضحة بضرورة فرض الأمن والأمان في سنجار، مشيراً إلى "خلو مركز القضاء من المظاهر المسلحة باستثناء وجود للجيش والشرطة، إذ نجحا في رفع التجاوزات بعدما كان يحاول البعض إعاقتهما".
ويعود انتشار مسلحين موالين لحزب "العمال" إلى عام 2014، عندما تدخلت قوات تابعة لحزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي السوري لفك الحصار عن الآلاف من الإيزيديين في جبل سنجار عقب سيطرة تنظيم "داعش" على مناطقهم، وتشكّلت في ما بعد قوة باسم "وحدات مقاومة سنجار" مؤلفة من 3500 عنصر من متطوعين إيزيديين للدفاع عن المدينة، ثم ألحقت رسمياً بقوات "الحشد الشعبي" الشيعية والمعترف بها رسمياً ضمن منظومة الدفاع العراقية.
"مؤامرة للتوسع"
في المقابل، اتهم حزب "الاتحاد الديمقراطي"، كلّاً من "الحكومة العراقية والاحتلال التركي والحزب الديمقراطي" بتنفيذ مؤامرة مخططة للهجوم على المجتمع الإيزيدي، قد "تصل إلى حد الإبادة"، مشيراً إلى أن الهجوم "يأتي في وقت ينتهك الاحتلال التركي سيادة العراق عبر قصف وتدمير القرى الكردية وإبادة الشعب الكردي"، وداعياً بغداد إلى "فك ارتباطها بمؤامرة الدولة التركية وصد هجماتها، لا أن توجه السلاح إلى أبناء شعبها الذين عانوا الويلات"، بحسب ما جاء في البيان.
وأوضح أن هدف "الدولة التركية هو تمرير مخططاتها الاحتلالية بمحاصرة المشروع الديمقراطي الذي تبنّته شعوب ومكونات شمال وشرق سوريا وشنغال (سنجار)، واحتلال وقضم مزيد من المناطق لتوسيع دائرة هيمنتها على شعوب المنطقة"، مشيراً إلى أن "المجتمع الإيزيدي المسالم وبعد كل هذه الآلام والمعاناة يحق له أن يقرر كيفية إدارة مجتمعه ضمن حلول توافقية مع الحكومة العراقية، تضمن وجوده وهويته واستقلاليته".
وكان الجيش التركي أطلق منتصف الشهر الماضي عملية عسكرية واسعة تحت اسم "المخلب - القفل" لملاحقة معاقل مسلحي الحزب في جبال وقرى بمحافظة دهوك، وذكر مراقبون أن العملية تهدف إلى إنشاء "منطقة آمنة وقطع خطوط الإمداد والتواصل بين مسلحي حزب العمال في الجبال وأقرانهم الموجودين في قضاء سنجار، وصولاً إلى الحدود مع سوريا".
وجاءت العملية بعد ثلاثة أيام على زيارة رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني إلى أنقرة ولقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بحضور رئيس جهاز الاستخبارات التركي حقان فيدان.
نزوح جماعي
من جهتها، أعلنت سلطات إقليم كردستان عن استقبال المئات من الأسر النازحة، وقال مدير مركز تنسيق الأزمات في وزارة داخلية الإقليم حسين كلاري خلال مؤتمر صحافي، إن "الأحداث الأخيرة في سنجار يمكن اعتبارها الحملة 75 التي يتعرض لها الإيزيديون طيلة تاريخهم"، مبيّناً أن "أكثر من 700 أسرة، أي أكثر من 4000 آلاف شخص نزحوا نحو محافظة دهوك". وزاد أن "النسبة الأكبر من النازحين دخلوا المخيمات، بينما لجأ آخرون إلى أقربائهم، ولا يزال آخرون من دون مأوى".
وأعربت بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي" عن "قلقها البالغ إزاء الاشتباكات وما لها من عواقب وخيمة على المدنيين"، ودعت إلى "الحفاظ على سلامة أهالي سنجار الذين عانوا كثيراً في الماضي وهم يستحقون السلام تحت سلطة الدولة"، وختمت البعثة بيانها بالقول "لا مكان للمفسدين الداخليين والخارجيين في سنجار".
وفي السياق ذاته، وجه الزعيم الروحي للإيزيديين الشيخ علي شيخ إلياس، نداء إلى حكومة بغداد والأطراف المعنية "لحماية المدنيين والأبرياء وإبعاد النزاعات المسلحة عن وسط المدينة التي عاد إليها عدد من النازحين"، وحث حكومتي بغداد وأربيل على "إيجاد حل جذري لقضية سنجار التي لا تزال تعاني تأثير هجمات داعش"، وطالب حكومة إقليم كردستان بـ"توفير ملاذ آمن للأسر التي نزحت من جديد إلى مدن الإقليم جراء الاشتباكات الأخيرة".
وجود غير مشروع
وكان مرصد "أفاد" العراقي المعني بحقوق الإنسان، اتهم في تقرير أصدره يوم السبت الماضي، "مسلحي حزب العمال بمنع دخول القوات العراقية النظامية إلى سنجار، وحصل اشتباك أكثر من مرة، كان آخره قبل 10 أيام". وشدد المرصد على أن "سلوك هذا الحزب ووجوده داخل الأراضي العراقية غير مشروع ومخالف للدستور، فهو يتحكم بآلية صنع القرار في سنجار، ويرفض تنفيذ اتفاقية تطبيع الأوضاع".
النائب عن نينوى ضمن كتلة الحزب "الديمقراطي" في البرلمان الاتحادي شيروان دوبرداني أفاد بأن "الاشتباك اندلع بعدما رفض مسلحو الاتحاد الديمقراطي إخلاء نقاط التفتيش وتسليمها إلى الجيش"، مبيّناً أن "الجيش كان أمهل المسلحين يوم الجمعة الماضي 29 أبريل (نيسان) كآخر موعد للخروج من المدينة".
لكن وسائل إعلام تابعة لحزب العمال نقلت عن قادة في قوات "أمن إيزيدخان" حينها إعلانهم "رفض أي قرار يتعارض مع إرادة المجتمع الإيزيدي"، وقالوا "نحن قررنا أن نخوض القتال، نحن المجتمع الإيزيدي قدمنا هنا مئات الشهداء، وسنواصل تقديم التضحيات".
محاصرة الكيانات الكردية
وحول مدى علاقة التطورات في سنجار بالعملية العسكرية التركية، يرى المحلل الأكاديمي الكردي كامران منتك أن ما يجري في سنجار هو "استكمال للعملية العسكرية التركية الأخيرة ضد حزب العمال التي سيطرت على مواقع استراتيجية في جنوب كردستان، ويبدو أن الجيش العراقي أصبح طرفاً في العملية لانتزاع سنجار من سيطرة الكرد"، مبيّناً أن "خطوة الجيش مؤشر إلى بدء مرحلة خطيرة وعودة العراق إلى الساحة الإقليمية، وعلى الرغم من وجود أجنحة وقوى متعددة تتقاطع في المصالح وتخوض صراعات عطلت تشكيل الحكومة الجديدة، ومع ذلك نجدها متفقة للسيطرة على سنجار لفرض منظومة إقليمية جديدة على حساب الكرد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول منتك إن "بغداد تبدو واقعة تحت تأثير الضغوط التركية التي تستخدم أوراق قطع المياه والتوغل في عمق مناطق إقليم كردستان أو احتلال الموصل، ومجمل العملية تبدو كماراثون لتقسيم كردستان، لأن السيطرة على سنجار ستوجّه ضربة موجعة في غرب كردستان (المناطق الكردية السورية)"، وأردف "إذا كانت تركيا من خلال سلسلة عملياتها التي بدأتها عام 2016 في غرب كردستان، توغلت في عمق جنوب كردستان بذريعة خلق منطقة آمنة، فإن الهجوم على سنجار وصل إلى عمق الحدود العراقية السورية، وهذا تطور خطير يؤدي إلى محاصرة الكيانين الكرديين في العراق وسوريا، وسوف يخسر الكرد في الإقليم من جديد مساحة تُقدّر بنحو 3 آلاف كيلومتر بعد أن كانوا تخلوا عن نصف مناطقهم في أحداث أكتوبر عام 2017، في أعقاب إجراءات كانت اتخذتها بغداد ضد أربيل لخوضها استفتاء للانفصال".