بعد معركة قانونية مع البنتاغون انتهت بسلام في فبراير (شباط) الماضي، سيخرج إلى النور في 10 مايو (أيار) الحالي كتاب "قسَم مقدس" الذي يحمل مذكرات مارك إسبر، وزير الدفاع في أيام الرئيس السابق دونالد ترمب، والذي يُنتظَر أن يكشف عن مفاجآت عدة خلال فترة مضطربة وحاسمة في تاريخ الولايات المتحدة تحت حكم ترمب. غير أن ما كشفه موقع "أكسيوس" من تفاصيل صادمة عن أن ترمب طلب إطلاق النار على المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع حول البيت الأبيض بعد مقتل جورج فلويد في عام 2020، قد يكون قمة جبل الجليد التي قد تهدد وضع ترمب في موسم الانتخابات النصفية الحاسم للكونغرس الأميركي.
معلومات سرية أم لا؟
كادت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن تنزع أكثر من 50 صفحة من مذكرات مارك إسبر، آخر وزير دفاع في عهد ترمب الذي أقاله من منصبه بتغريدة بعد فترة وجيزة من خسارته إعادة انتخابه في سباق 2020، بدعوى أنها تحتوي على معلومات مُصنفة "سرية"، لكن الوزارة تراجعت بعد دعوى قضائية رفعها محامي إسبر الذي اتهم البنتاغون بفرض قيود مسبقة على النشر بشكل غير قانوني، من خلال ما وصفه بـ"تأخير وعرقلة وانتهاك حق وزير الدفاع السابق في نشر مذكراته غير السرية".
ولم تكن معركة إسبر هي الأولى في نشر تفاصيل اللحظات الحساسة خلال حكم ترمب، فقد حارب مسؤولون سابقون آخرون، قيود ما قبل النشر على كتاباتهم عن الفترة التي قضوها في إدارة ترمب، لا سيما ما يتعلق بالتعاملات الخاصة مع الرئيس السابق. كما جادل مسؤولون سابقون والمدافعون عن الشفافية الحكومية بأن الحكم الصادر عام 1980 الذي أنشأ المعايير الخاصة بنشر مذكرات المسؤولين فضفاض ويتم تطبيقه بشكل غير متساوٍ، ولذلك قدم نشطاء التماسات إلى المحكمة العليا لإلغاء الحكم.
ومنذ ذلك الحين ينتظر مراقبون كثر فحوى هذه المعلومات التي يقول موقع "أكسيوس"، إن ما يقرب من 30 جنرالاً من فئة 4 نجوم وكبار المدنيين في الوزارة وبعض أعضاء الإدارة الأميركية راجعوها ضمن صفحات الكتاب الذي يحمل اسم "قسم مقدس: مذكرات وزير الدفاع خلال الأوقات غير العادية".
لم يسبق نشرها
وبحسب وصف موجز من الناشر حول الكتاب، فإن مارك إسبر الذي تولى وزارة الدفاع الأميركية من يونيو (حزيران) 2019 حتى إقالته من قبل الرئيس ترمب بعد انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، كان في قلب صناعة القرار خلال أكبر اضطرابات في الداخل الأميركي منذ جيلَين، وأن البيت الأبيض كان عازماً على كسر الأعراف والاتفاقيات من أجل تحقيق مصلحة سياسية، وأن مذكرات "القسم المقدس" الصريحة عن تلك الأوقات الخطيرة والاستثنائية، تتضمن أحداثاً ولحظات لم يسبق نشرها من قبل.
غير أن ما نشره موقع "أكسيوس" حول بعض تفاصيل مذكرات إسبر، كان بمثابة بداية قوية وصادمة قد يكون لها تأثير على وضع ونفوذ ترمب بين النخبة داخل الحزب الجمهوري وعامة الأميركيين، كونها تحدثت عن أن ترمب سأل إسبر في يونيو 2020، عما إذا كان بإمكانهم إطلاق النار على المتظاهرين الذين تجمعوا حول البيت الأبيض بعدما قتلت شرطة مدينة مينيابوليس جورج فلويد. ويقول إسبر في الكتاب، إن "ترمب ذا الوجه الأحمر كان يشكو بصوت عالٍ من الاحتجاجات أثناء جلوسهم أمام مكتب ريسولوت في المكتب البيضاوي"، ثم سأله ترمب "ألا يمكنك إطلاق النار عليهم؟ فقط أطلق النار على الساقَين أو شيء من هذا القبيل"، حينها شعر إسبر بغرابة الفكرة الثقيلة في الهواء، مضيفاً أن رفض القرار لم يكن صعباً، وهذا هو الخبر السار، لكن الخبر السيئ كان أنه يتعين عليه اكتشاف طريقة لثني ترمب عن هذه الفكرة من دون إحداث الفوضى التي كان يحاول تجنبها.
مزيد من الأسرار
بينما لم يرد مكتب ترمب أو ناشر الكتاب وليام مورو على طلبات "أكسيوس" ووسائل إعلام أميركية للتعليق على فحوى هذه المعلومات، يتوقع كثيرون الكشف عن أسرار إضافية مع اقتراب نشر الكتاب في الأسواق الأميركية، كما جرت العادة في الإعلام الأميركي كنوع من الدعاية والتشويق لكتاب صادر عن الرجل الأول في البنتاغون وسط أزمة استثنائية لم تشهدها العاصمة الأميركية منذ عقود طويلة.
كما يترقب الأميركيون كتابَين آخرين يُنتظر نشرهما خلال أسابيع، أول هذه الكتب هو مذكرات كيليان كونواي، مستشارة ترمب السابقة في البيت الأبيض، التي ستصدر تحت عنوان "هذه هي الصفقة" في 24 مايو (أيار) الحالي، حيث وعد ناشر كونواي بأن كتاب المستشارة السابقة ليس مجرد قصة البيت الأبيض. أما الكتاب الثاني، فأشار موقع "أكسيوس" إلى أن جاريد كوشنر، صهر ترمب ومستشاره البارز في البيت الأبيض، سيصدر كتابه في 8 أغسطس (آب) المقبل، ويتوقَع أن يأخذ القراء داخل أروقة ودهاليز المكتب البيضاوي وإلى المفاوضات التي أجراها كوشنر حول العالم.
يأتي نشر كل هذه المذكرات في وقت تحتدم فيه معركة الانتخابات التمهيدية للكونغرس الأميركي، والتي يساند فيها ترمب مرشحين موالين له، في اختبار أولي لمدى نفوذه لدى القاعدة الشعبية الجمهورية.
روايات أخرى
لكن رواية إسبر الذي اشتبك مع ترمب قبل أشهر من إقالته لرفضه نشر قوات في الخدمة العسكرية للسيطرة على الاحتجاجات، لم تكن الوحيدة، حيث أظهرت روايات أخرى أن ترمب كان على خلاف مع مستشاريه بشأن كيفية التعامل مع الاحتجاجات المناهضة للعنصرية والمطالِبة العدالة الاجتماعية. فقد ذكر كتاب مايكل بيندر مراسل صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن ترمب وجّه شتائم إلى الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، في غرفة العمليات بشأن التعامل مع هذه الاحتجاجات. وأن ترمب اقترح في مناسبات متعددة على الجنرال ميلي أن السبيل إلى تطبيق القانون هو أن يتعامل الجيش مع المتظاهرين في كل أنحاء البلاد، وأن عليه "كسر جماجمهم"، و"ضربهم بالخارج" و"إطلاق النار عليهم في الساق أو ربما القدم"، وفقاً لما ذكره كتاب بيندر الصادر العام الماضي تحت عنوان، "بصراحة، لقد فزنا في هذه الانتخابات: القصة الداخلية لكيفية خسارة ترمب".
ويكشف هذا الكتاب تفاصيل جديدة حول كيف أصبحت لغة ترمب عنيفة بشكل متزايد خلال اجتماعات المكتب البيضاوي، حيث بدأت الاحتجاجات في مدينتَي سياتل وبورتلاند في جذب انتباه وسائل الإعلام، وأظهرت المقتطفات التي نشرها موقع "سي أن أن" آنذاك، أن الرئيس كان يسلط الضوء على مقاطع الفيديو التي تظهر أن سلطات إنفاذ القانون تتعامل بعنف مع المحتجين، ويخبر إدارته أنه يريد رؤية المزيد من هذا السلوك، وغالباً ما وجد رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال ميلي أنه كان الصوت الوحيد المعارض لتلك المطالب خلال مناقشات ساخنة في المكتب البيضاوي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توترات مرتفعة
يضيف بيندر أنه عندما رفض ميلي والمدعي العام آنذاك ويليام بار طلبات ترمب بإطلاق النار على المتظاهرين، خفف الرئيس السابق من حدة الموقف، ولكن بشكل طفيف، غير أن هذه التفاصيل تكشف مستوى التوتر وكيف واجه كبار المسؤولين الأميركيين سلوك ترمب المتقلب بشكل متزايد خلال الأشهر الأخيرة من رئاسته، وكيف ظهر "الخلل الوظيفي" داخل البيت الأبيض في ذلك الوقت.
وبحسب شبكة "سي أن أن"، فإن المخاوف داخل البنتاغون بشأن قدرة ترمب على اتخاذ قرارات غير متوقعة خلال الحملة وما بعدها وصلت إلى نقطة الغليان في سبتمبر (أيلول) 2020، ففي حين كان رئيس الأركان المشتركة من بين أولئك الذين انزعجوا بشكل خاص من هجمات ترمب على كبار قادة البنتاغون، ظل يحاول الحفاظ على علاقة جيدة مع الرئيس، وبذل جهوداً للبقاء في واشنطن قدر الإمكان خلال تلك الأشهر الأخيرة، حيث كان مصدر القلق الكبير لميلي في ذلك الوقت، هو كيفية تقديم المشورة لترمب إذا قرر استخدام "قانون التمرد" في أعقاب الاضطرابات المدنية التي شهدتها المدن الأميركية عقب وفاة جورج فلويد تحت ركبة شرطي، وهي خطوة تعني نشر قوات عسكرية في الشوارع ضد المدنيين، لكن في النهاية، لم يلجأ ترمب إلى استخدام قانون التمرد مطلقاً، لكنه اقترح القيام بذلك مرات عدة خلال نهاية فترة ولايته، ما وضع ميلي وإسبر في موقف معقد في كل مرة.
معضلة إسبر
وصفت كتب أخرى صدرت العام الماضي، الحبل المشدود الذي سار عليه إسبر، أحد خريجي الأكاديمية العسكرية الأميركية في "وست بوينت"، المدير التنفيذي السابق لشركة ريثيون، أثناء سعيه للسيطرة على دوافع ترمب في استخدام القوة العسكرية كدليل على القوة في الجبهة الداخلية، ففي كتاب "هذا لن يمر: ترمب وبايدن والمعركة من أجل مستقبل أميركا"، روى مراسلا "نيويورك تايمز" جوناثان مارتن وألكسندر بيرنز مكالمة جرت في يونيو 2020 قيل فيها إن ترمب شجّع حكام الولايات المتحدة على الرد بقوة على الاحتجاجات على مقتل فلويد، في حين أن إسبر ضغط على حكام الولايات للسيطرة على الوضع في ولاياتهم بمواجهة حث ترمب لهم على الانتقام ومطالبته إياهم بعودة النظام العام بأسرع وقت.
وفي العام الماضي، كتب مراسلا "واشنطن بوست"، كارول دي ليونيغ وفيليب روكر في كتابهما، "وحدي أستطيع إصلاح الأمر: السنة الأخيرة الكارثية لدونالد ترمب"، أن إسبر قاوم بشدة رغبة ترمب في نشر قوات الخدمة العسكرية الأميركية بمواجهة المتظاهرين، وأن ترمب استدعى من الذاكرة أعمال الشغب والاحتجاجات العرقية التي جرت في الستينيات لتبرير استخدام القوات العسكرية من أجل استعادة النظام، لكن الجنرال ميلي قال له، إن ذلك لا يُقارن في أي مكان بصيف عام ثمانية وستين، لأن المقارنة بعيدة بينهما.
وبحسب مراسلي "واشنطن بوست"، فإن إسبر أخبر ترمب بعد ذلك أن الحرس الوطني يظل الخيار الأفضل لوقف أي اضطرابات في المستقبل، لكن ترمب شرع في انتقاده وأخبره أنه لم يفعل ما يكفي لحل المشكلة، وفي نوفمبر 2020، بعد فترة وجيزة من الانتخابات الرئاسية الأميركية، أعلن ترمب على "تويتر" أنه أقال إسبر من منصبه، وعين كريستوفر ميلر، مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، محله قائماً بأعمال وزير الدفاع.
وفي حين ليس من المنتظر أن تؤثر المعلومات التي سينشرها إسبر في كتابه يوم 10 مايو على شعبية ترمب ومَن يدعمهم من المرشحين الجمهوريين في المناطق التي يسيطر عليها الجمهوريون بسهولة، إلا أنها قد تكون مؤثرة في المناطق والولايات المتأرجحة وفي المناطق الحضرية، بحسب بعض المراقبين في واشنطن، خصوصاً وأنه من المتوقع أن يتزايد الجدل خلال الأسابيع والأشهر المقبلة حول حقيقة الدور الذي لعبه الرئيس ترمب خلال أحداث اقتحام مبنى الكابيتول هيل في 6 يناير (كانون الثاني) 2021.