بعد حوالى 13.8 مليار سنة من التوسع المستمر، قد يصل الكون قريباً إلى حالة ثبات ثم يبدأ بعدها بالانكماش ببطء، بحسبما أشار بحث جديد نشر في مجلة "تقارير الأكاديمية الوطنية للعلوم".
في الدراسة الجديدة التي نشر خلاصتها موقع ساينس أليرت sciencealert، حاول ثلاثة علماء محاكاة طبيعة الطاقة المظلمة- التي تعد قوة غامضة يبدو أنها تتسبب في توسع الكون بشكل أسرع- بناء على رصد سابق للتوسع الكوني.
في النموذج الذي وضعه الفريق، ليست الطاقة المظلمة قوة طبيعية ثابتة، ولكنها كيان يسمى الجوهر، والذي يمكن أن يتحلل بمرور الوقت.
وجد الباحثون أنه على الرغم من أن توسع الكون كان يتسارع لمليارات السنين، فإن القوة الطاردة للطاقة المظلمة قد تضعف.
وفقاً لنموذجهم، يمكن أن ينتهي تسارع الكون "بسرعة" خلال السنوات الخمس وستين مليون المقبلة، ثم في غضون مئة مليون سنة، يمكن أن يتوقف الكون تماماً عن التوسع، وقد يدخل بدلاً من ذلك حقبة من الانكماش البطيء الذي قد يؤدي بعد مليارات السنين من الآن إلى موت الزمكان أو إعادة ولادته.
قال المؤلف المشارك في الدراسة بول شتاينهاردت، مدير مركز برينستون للعلوم النظرية في جامعة برينستون في نيوجيرسي، إن كل هذا يمكن أن يحدث بسرعة "ملحوظة".
وأضاف: "لو أردنا العودة بالزمن خمسة وستين مليون مليون سنة، نصل إلى الفترة التي ضرب فيها الكويكب تشيكشولوب الأرض وقضى على الديناصورات... عندما نتحدث على مستوى كوني، فإن خمسة وستين مليون سنة تعد فترة قصيرة بشكل ملحوظ".
على كل حال، نظراً لأن النموذج يستند إلى الملاحظات السابقة عن التوسع فقط- ولأن الطبيعة الحالية للطاقة المظلمة في الكون ما زالت لغزاً- فمن المستحيل في الوقت الراهن اختبار ما تتنبأ به الدراسة، وتبقى النتائج التي توصلت إليها مجرد نظريات.
طاقة الفراغ
منذ تسعينيات القرن الماضي، أدرك العلماء أن الكون يتوسع بشكل متسارع، حيث تكبر المسافة بين المجرات بوتيرة أسرع الآن مما كانت عليه قبل مليارات السنين.
أطلق العلماء على المصدر الغامض لهذا التسارع اسم الطاقة المظلمة- وهي كيان غير مرئي يبدو أنه يعمل عكس الجاذبية، ويدفع الأجسام الضخمة في الكون بعيداً عن بعضها البعض بدلاً من تقريبها.
ورغم أن الطاقة المظلمة تشكل ما يقرب من 70 في المئة من إجمالي طاقة الكون، فإن خصائصها لا تزال لغزاً بالكامل.
تقول نظرية شائعة، قدمها ألبرت أينشتاين، إن الطاقة المظلمة هي ثابت كوني- شكل ثابت من الطاقة داخل في نسيج الزمكان. إذا كان الأمر كذلك، ولا يمكن للقوة التي تمارسها الطاقة المظلمة أن تتغير أبداً، فيجب أن يستمر الكون في التوسع (والتسارع) إلى الأبد.
على كل حال، تشير نظرية مغايرة إلى أن الطاقة المظلمة لا تحتاج إلى أن تكون ثابتة لتتوافق والتوسع الكوني الذي لوحظ في السابق.
بدلاً من ذلك، قد تكون الطاقة المظلمة شيئاً يسمى الجوهر- وهو حقل ديناميكي يتغير بمرور الوقت.
وعلى عكس الثابت الكوني، يمكن أن يكون الجوهر طارداً أو جاذباً، اعتماداً على النسبة بين طاقته الحركية وطاقته الكامنة في وقت معين. على مدى الأربعة عشر مليار سنة الماضية، كان الجوهر طارداً.
في معظم تلك الفترة، كانت مساهمته ضئيلة في توسع الكون مقارنة بالإشعاع والمادة. لقد تغير ذلك منذ حوالى خمسة مليارات سنة، عندما أصبح الجوهر هو المكون المهيمن وتسبب تأثير تنافر الجاذبية في تسريع تمدد الكون.
قال شتاينهاردت: "السؤال الذي نطرحه في هذه الدراسة هو هل يجب أن يستمر هذا التسارع إلى الأبد؟ وإن لم يكن الأمر كذلك، فما البدائل، وما مدى السرعة التي يمكن أن تتغير بها الأشياء؟".
موت الطاقة المظلمة
في دراستهم، توقع شتينهاردت وزميلاه، آنا إيجاس من جامعة نيويورك وكوزمين أندريه من جامعة برينستون، كيف يمكن أن تتغير خصائص الجوهر خلال مليارات السنين القليلة المقبلة.
للقيام بذلك، ابتكر الفريق نموذجاً مادياً للجوهر، يظهر قوته الطاردة والجذابة بمرور الوقت، ليتناسب مع الملاحظات السابقة لتوسع الكون. بمجرد ما تمكن نموذج الفريق من إعادة تشكيل تاريخ توسع الكون بشكل يمكن الاعتماد عليه، قام الباحثون بسحب توقعاتهم على المستقبل.
قال غاري هينشو، أستاذ الفيزياء وعلم الفلك بجامعة كولومبيا البريطانية، الذي لم يشارك في الدراسة: "دهش الباحثون من أن الطاقة المظلمة في نموذجهم يمكن أن تتحلل مع مرور الوقت ... قد تضعف قوتها. وإذا حدث ذلك بطريقة معينة، فإن خاصية الطاقة المظلمة المضادة للجاذبية تختفي في النهاية وتتحول مرة أخرى إلى شيء يشبه المادة العادية".
وفقاً لنموذج الفريق، يمكن أن تكون القوة الطاردة التي تتمتع بها الطاقة المظلمة قد بدأت بالتدهور السريع قبل مليارات السنين.
في هذا السيناريو، فإن التوسع المتسارع للكون يتباطأ بالفعل اليوم. وقريباً، ربما في غضون خمسة وستين مليون سنة، يمكن أن يتوقف هذا التسارع تماماً ثم وفي غضون مئة مليون سنة من الآن قد تصبح الطاقة المظلمة جاذبة ما سيتسبب في بدء الكون بأكمله في الانكماش.
بعبارة أخرى، بعد نمو استمر حوالى أربعة عشر مليار سنة، يمكن أن يبدأ الكون في الانكماش.
لكن هذا التقلص سيكون بطيئاً جداً في البداية لدرجة أن أي إنسان نفترض أنه لا يزال على قيد الحياة على الأرض لن يلاحظ حتى أي تغيير، وسيستغرق الكون بضعة مليارات من السنين من الانكماش البطيء حتى يصل إلى نصف حجمه في يومنا هذا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هل هذه هي نهاية الكون؟
قال شتاينهاردت، إن هناك احتمالين بعد بدء الكون بالانكماش: إما أن يتقلص الكون حتى ينهار تماماً وينتهي الزمكان الذي نعرفه، أو أن يتقلص بما يكفي للعودة إلى حالة مشابهة لظروفه الأصلية، وبالتالي يحدث انفجار عظيم آخر - أو "ارتداد" كبير يؤدي إلى خلق كون جديد من بقايا الكون القديم.
في هذا السيناريو الثاني، يتبع الكون دورة متكررة من التمدد والانكماش والتلاشي والارتداد، حيث ينهار باستمرار ويعيد تشكيل نفسه.
إذا كان هذا صحيحاً، فقد لا يكون كوننا الحالي هو الكون الأول أو الوحيد، بل هو الأحدث في سلسلة لا نهائية من الأكوان التي توسعت وتقلصت قبل كوننا. وكل هذا يتوقف على الطبيعة المتغيرة للطاقة المظلمة.
قال هينشو، إن تفسير الدراسة الجديدة للجوهر هو "افتراض معقول تماماً لماهية الطاقة المظلمة".
وأضاف، أنه نظراً لأن جميع ملاحظاتنا عن التوسع الكوني تأتي من أجسام تبعد عن الأرض ما بين ملايين إلى مليارات السنين الضوئية، فإن البيانات الحالية يمكنها فقط إعطاء العلماء فكرة عن ماضي الكون، وليس حاضره أو مستقبله.
لذلك، يمكن أن يكون الكون في طريقه نحو الانهيار، ولن تكون لدينا أي وسيلة لمعرفة ذلك إلا بعد فترة طويلة من بدء مرحلة الانكماش.
قال هينشو: "أعتقد أن الأمر يتلخص فقط في مدى اقتناعك بهذه النظرية، والأهم من ذلك، إلى أي مدى تجدها قابلة للاختبار؟".
اعترف شتاينهاردت أنه ولسوء الحظ، لا توجد طريقة جيدة لاختبار ما إذا كان الجوهر حقيقياً، أو ما إذا كان التوسع الكوني قد بدأ في التباطؤ.
وسواء كان مستقبل من النمو اللامتناهي أو الاضمحلال السريع ينتظر كوننا، فلن نعرف ذلك إلا مع مرور الوقت.