بعد أسابيع من التوترات المتصاعدة بين روسيا وأوكرانيا بشأن حشد موسكو قوات مسلحة على طول الحدود المشتركة بين البلدين، عادت الحرب أخيراً إلى أوروبا في فبراير (شباط) 2022. إذ أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدء "عملية عسكرية خاصة" في كلمة متلفزة وجهها إلى مواطنيه، وذلك في الساعات المبكرة من يوم الخميس 24 فبراير، لشرح أنه كان يأمل بـ"اجتثاث النازيين ونزع السلاح" من حكومة أوكرانيا، وهو منطق زائف لم يُؤدِّ إلا إلى وضع حد للجهود الدبلوماسية التي بذلها الغرب من أجل تفادي كارثة.
بعد ذلك بوقت قصير، أفادت تقارير بوقوع انفجارات في ضواحي مدن خاركيف وكراماتورسك وماريوبول الشرقية، وكذلك العاصمة كييف. وسرعان ما فرض فولوديمير زيلينسكي الرئيس الأوكراني القوانين العرفية [قوانين الطوارئ]، فيما بقي في كييف لقيادة الدفاع [عن البلاد].
وبعد نحو شهرين، لا يزال القتال محتدماً مع مقتل آلاف الناس من الجانبين، بمن فيهم عديد من المدنيين والأطفال الأوكرانيين، إضافة إلى ارتكاب فظائع مزعومة ضد جنود روس.
وبالاسترجاع، لقد بدأت التوترات في الغليان على نار هادئة في أوروبا الشرقية منذ ديسمبر (كانون الأول) حين نشرت روسيا ما قدر بـ130 ألف جندي على طول حدودها الغربية، و30 ألف جندي آخر في بيلاروس، علماً بأنها واصلت بشكل منتظم إنكار وجود أي اهتمام لديها بالتوغل في أوكرانيا.
وتتابعت المفاوضات الدبلوماسية المحمومة من قبل أمثال أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي، وإيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي، وأولاف شولتز المستشار الألماني، وليز تراس وزيرة الخارجية البريطانية، على أمل تجنب الكارثة، لكنها فشلت في النهاية.
بعد ذلك، شهد الوضع تصعيداً حاداً حينما اعترف بوتين رسمياً ببؤرتين جغرافيتين يخضعان لسيطرة مجموعات انفصالية موالية لروسيا، ويقعان ضمن منطقة "دونباس" في شرق أوكرانيا، كدولتين مستقلتين.
وكذلك ناشد دينيس بوشيلين وليونيد باسيتشنيك، وهما زعيما جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية على التوالي، الكرملين بشكل مباشر وطلبا مساعدات عسكرية ومالية.
وبحسب الأصول، أبلغ الرئيس الروسي مجلس الأمن لديه أنه من الضروري النظر في تلك المناشدات بشكل جدي.
وسمع بوتين من سلفه الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف، الذي صار الآن نائباً لرئيس ذلك المجلس، أنه يعتقد أن غالبية روسية ستؤيد مزاعم استقلال المنطقتين، مضيفاً أن نحو 800 ألف مواطن روسي يعيشون في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين.
وسرعان ما تلا ذلك الاعتراف بوضعيتهما كدولتين مستقلتين، ما أعطى بوتين ذريعة لإرسال قوات عبر الحدود [مع المنطقتين الانفصاليتين] فيما ذهب إلى أنه يفعل ذلك من أجل حماية المنطقتين المنشقتين بوصفهما حليفتين لموسكو ضد كييف.
وانتقد المجتمع الدولي القرار على الفور، في حين أعرب مجلس الأمن الدولي لمنظمة الأمم المتحدة عن "قلق بالغ" بشأن تلك الخطوة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعتبر منطقة دونباس بمثابة القلب بالنسبة لاقتصاد البلاد، وذلك لأنها غنية باحتياطيات الفحم، وتتمتع مدنها الساحلية كماريوبول بأهمية حاسمة بالنسبة لتصدير السلع الأوكرانية عبر البحر الأسود، ولا سيما المنتجات الزراعية والمعادن.
وركزت روسيا القسط الأكبر من جهودها على ماريوبول منذ اندلاع الحرب، وراحت تقصف المدينة وتدفعها إلى غياهب النسيان، وترهب من بقي فيها من السكان، في وقت سعت فيه [روسيا] إلى تأمين جسر بري على طول بحر أزوف من أجل إنشاء رابط بين جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين وبين شبه جزيرة القرم وتأمين قاعدة أقوى لنفوذها.
وقد أعلنت هاتان المنطقتان استقلالهما أول الأمر في 12 مايو (أيار) 2014 بعد أن ضم بوتين شبه جزيرة القرم، على غرار فعلت الإمبراطورة كاترين العظيمة من قبله، رداً على طرد فيكتور يانوكوفيتش، وهو مرشحه الرئاسي المفضل والموالي لموسكو، من السلطة بفعل احتجاجات جماهيرية.
وقد أوقع الصراع ما يقدر بـ14 ألف قتيل في المنطقة على امتداد السنوات الثماني الماضية، فيما يتهم حلف شمال الأطلسي (الناتو) وأوكرانيا معاً روسيا بتسليح المتمردين الانفصاليين، وهي تهمة ينفيها الكرملين.
وبشكل رسمي، تعتبر كييف جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين منظمتين إرهابيتين، على الرغم من أن هذا ليس تصنيفاً متفقاً عليه مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أو هيئات دولية أخرى.
إذ سبق لزعيميهما السابقين ألكسندر زاخارتشينكو وإيغور بلوتنيتسكي أن وقّعا على "معاهدات مينسك" لعامي 2014 و2015 التي جرت صياغتها على أمل إنهاء العنف، لكنها لم تفعل على الإطلاق بسبب الخلاف على تفسيرات هذه الاتفاقات.
كذلك أصرت روسيا على أنها لم تكن طرفاً في الصراع، بالتالي لا تنطبق الاتفاقات عليها، وأنها لا تستطيع إخراج القوات المسلحة والعتاد العسكري من دونيتسك ولوغانسك باعتبار أن المقاتلين كانوا ينتمون إلى مجموعة انفصالية متمردة وليسوا تابعين لموسكو.
وواصل الطرفان الروسي والأوكراني خلافاتهما. وفيما اعتبرت أوكرانيا "اتفاقات مينسك" وسيلة تستطيع بواسطتها فرض سيطرتها مجدداً على حدودها، نظرت روسيا إلى الاتفاقات نفسها كفرصة لمنح الحكم الذاتي لمناطق المتمردين، ما يؤدي عملياً إلى إعطاء موسكو بالواسطة [من خلال المتمردين] كلمة في سياسة أوكرانيا الخارجية.
وكذلك أثار احتمال إجراء انتخابات في دونباس جدالاً لأنه قد يمهد الطريق أمام وصول أمراء الحرب الانفصاليين السابقين إلى البرلمان، أو تسلمهم مناصب عليا في الشرطة، وهي نتيجة اعتبر كثيراً من الأوكرانيين أنها غير مقبولة.
نُشر في "اندبندنت" بتاريخ 03 مايو 2022
© The Independent