منذ أيام عدة، يسجل عمود الزئبق في مقياس الحرارة 45 درجة مئوية في مدينة أحمد آباد الهندية.
"يصاب كثيرون بالمرض"، تقول بهافنا ماهريا، مهندسة كهربائية ومديرة برنامج في "رابطة ماهيلا للإسكان" Mahila Housing Trust، مجموعة غير ربحية في المدينة.
وفق كلام ماهريا، "ينتاب البعض دُوار، بينما يواجه البعض الآخر حالات إسهال وطفحاً جلدياً"، مضيفة أن آخرين يصابون بصداع وقيء، بينما تشعر النساء بضيق وانزعاج من ارتداء الفوط الصحية.
الحال أن الحرارة ليست ظاهرة غريبة على الهند، وعلى مر السنين ابتكر سكانها آليات تساعدهم على التكيف كي يواصلوا حياتهم تحت وطأة درجات ملتهبة من الحرارة.
يلجأ البعض إلى تخزين المياه في أوان مصنوعة من طين محروق (تيراكوتا)، ولا يغامرون بالخروج من المنزل إلا بعد حماية أنفسهم بأغطية يلفون بها رؤوسهم، فيما يسكب آخرون الماء فوق أسطح منازلهم، أو يضعون أقمشة مبللة تماماً عند ردهة الدخول، علهم يحافظون على البرودة في الداخل.
ولكن مع ذلك، أزهقت موجات الحر في الهند أرواح مئات الناس سنوياً في العقد الماضي.
ولما كانت أزمة المناخ تؤجج وتيرة موجات الحر وشدتها في هذا البلد الذي يبلغ تعداد سكانه 1.4 مليار نسمة، وفي بلاد أخرى حول العالم، يدرك كثيرون أن الحاجة تدعو إلى بذل جهد إضافي لحماية أهل الهند من درجات الحرارة الحادة، لا سيما من لا يسعهم أن يتحملوا تكاليف اقتناء ثلاجات أو مكيفات هوائية.
تلك الجهود بالذات يبذلها العاملون، نساء ورجالاً، في "رابطة ماهيلا للإسكان"، التي أسستها "جمعية النساء العاملات لحسابهن الخاص"Self Employed Women’s Association في 1994 بغية تيسير الحصول على مسكن أفضل لأعضائها في ولاية غوجارات.
واليوم، تتعاون المنظمة، التي تضم أكثر من 200 موظف ومستشار ومسؤولة في مختلف أنحاء الهند، مع الفئة الأفقر من النساء اللاتي يعشن في المدن من أجل تمكينهن من التصدي للإجهاد الناجم عن الحر الشديد الذي يطوق منازلهن وأحياءهن، وذلك عبر تبني تقنيات غير مكلفة نسبياً طورها علماء ومهندسون.
من بين التقنيات العمرانية التي يتوسلونها كي يحافظ السكان على برودة أجسامهم استخدام طلاء أبيض عاكس لأشعة الشمس، الهدف منه الحد من الإشعاع الذي تمتصه أسطح المنازل وجدرانها في الأحياء الفقيرة، حرصاً على انتقال كمية أقل من الحرارة إلى داخل المبنى. وقد أثبت الطلاء جدواه في خفض درجات الحرارة في الأماكن الداخلية بمقدار أربع إلى خمس درجات مئوية، كما تشرح "رابطة ماهيلا للإسكان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تمد المنظمة يد العون إلى سكان الأحياء الفقيرة أيضاً، والمدارس والمستشفيات كذلك الأمر، من أجل تركيب أسقف مصنوعة من ورق ومخلفات زراعية من قبيل قشور جوز الهند.
تذكر المنظمة أن تلك الأسطح وحدات مستقلة تسمح بالتركيب السهل، وفي مقدورها خفض درجات الحرارة داخل المساكن بما يصل إلى ست درجات مئوية مقارنة مع الأسقف المصنوعة من صفائح معدنية.
كذلك تساعد المجموعة غير الربحية الناس في بناء أسقف من خيزران، عبارة عن حصائر مصنوعة من سيقان هذه النباتات ومطلية بالراتنج (الصمغ)، وقد ضغطت معاً لتشكل ألواحاً قوية، لكنها خفيفة الوزن ومقاومة للماء. وقد تبين أيضاً أنها تقلل درجات الحرارة في الأماكن المغلقة بنحو خمس درجات مئوية، كما تقول "رابطة ماهيلا للإسكان".
وتوضح المجموعة الأهلية أنها تستعين بأموال من جهات مانحة، من بينها مؤسسة "بيل وميليندا غيتس" والحكومة الأميركية، للمساعدة في تمويل التجهيزات والمعدات والإنشاءات، بينما تدفع العائلات بدورها مبلغاً رمزياً لتعزيز الشعور بالملكية.
تقول ماهريا، المسؤولة عن مواجهة آثار تغير المناخ في "رابطة ماهيلا للإسكان"، إن صب التركيز على المنزل يكتسب أهمية كبيرة لأنه المكان حيث تعمل نساء كثيرات، ويتولين رعاية أسرهن.
وفي الواقع، يتهدد الإجهاد الحراري النساء الأكثر فقراً بشكل خاص، ذلك أنهن يعملن عادة من المنزل، حيث لا وجود لمكيفات الهواء، بينما يطهون الطعام أيضاً، وهو عمل يتطلب استخدام النار ويرفع الحرارة، ويجمعن المؤن والمياه من خارج المنزل، تضيف ماهريا.
ومعلوم أن ارتفاع درجات الحرارة يقلل الإنتاجية في العمل أيضاً، ما يعني أنه يتهدد بقطع سبل عيش الناس.
وتكشف ماهريا عن أنه في غمرة موجات الحر التي شهدتها الأسابيع الأخيرة، ازداد طلب الناس على الخدمات التي تقدمها المنظمة. وللأسف أسعار الكهرباء آخذة في الارتفاع أيضاً، ما يعني أن تشغيل المراوح مكلف جداً، كذلك ازدادت أسعار المشروبات الباردة لدى الباعة في الشوارع.
ولكن كيف يتحمل الناس في مدينة أحمد آباد بولاية غوجارات تلك المصاعب ويصمدون في وجهها؟ أجابت ماهريا أنه لم يكن أمامهم مناص سوى مواصلة حياتهم اليومية على أفضل وجه ممكن.
"ليس لديهم أي خيار. عليهم البقاء على قيد الحياة"، تقول ماهريا.
ولكن الرجال، شأن النساء، ليسوا بمنأى عن الخطر أيضاً، لا سيما من يشتغلون بأجور يومية، ولا خيار أمامهم غير أن يقصدوا العمل في الخارج خلال الفترة الأكثر قيظاً من اليوم.
يندرج سائقو عربات النقل "ريكشا" وعمال البناء والباعة المتجولون ضمن لائحة الأشخاص الذين يتخذون مكرهين القرار الصعب بين حماية صحتهم أو كسب لقمة العيش، وفق ما جاء في كلام روب سينغ، مستشارة المخاطر المناخية في "مركز المناخ التابع للصليب الأحمر والهلال الأحمر.
هكذا، "يواجه أفقر الناس وأكثرهم تهميشاً مشقة بالغة، لا سيما عندما لا تشهد درجات الحرارة أي انخفاض في ساعات الليل، ما يجعل من الصعب على الناس التعافي"، تذكر سينغ في رسالة إلكترونية.
وتضيف أن الجانب الإيجابي الصغير أن الحرارة جافة في الغالب، ما يسمح للناس باستخدام بعض الأساليب الأقل تكلفة كالتبريد التبخيري، مثلاً من طريق وضع لوح مبلل أمام مروحة.
تقول ماهريا إن إقناع المجتمعات التي تتعاون معها المنظمة بأن تغير المناخ الناجم عن أنشطة الإنسان يفاقم موجات الحر لم يتحقق بين ليلة وضحاها.
"في البداية اعتقدوا أنها إرادة الله، وأن عليهم التعامل معها"، تقول ماهريا و"لكننا ننشر الوعي بأن هذا الواقع ليس مقدراً، وأننا نواجه تغير المناخ".
وفي الوقت نفسه، أشار بعض العلماء والنشطاء في مجال المناخ إلى أن الطريقة الأفضل للتكيف مع تغير المناخ تكمن في أن يعمل العالم على خفض مستويات انبعاثات الكربون التي تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب، وأن تقلص البلاد ذات الانبعاثات المرتفعة من حجم بصمتها الكربونية بسرعة أكبر.
وتعرب ماهريا عن قلقها من التهديدات التي تطرحها موجات الحر المقبلة التي يؤججها تغير المناخ، في بلد ينوء أصلاً تحت وطأة القيظ طوال ثلاثة أشهر في السنة على أقل تقدير.
"نعمل من أجل خير المجتمعات المحلية الشعبية. تلك المجتمعات مسؤولة أقل [كثيراً] عن [تغير المناخ]، بيد أنها تقاسي أضراراً كثيرة"، تختم ماهريا.
© The Independent