يبدو أن الجزائر لم تتخذ موقفاً واضحاً من مسألة البنوك الافتراضية، على الرغم من الإصلاحات التي باشرتها على مستوى مختلف القطاعات والمجالات، الأمر الذي فتح المجال أمام شد وجذب كانت مواقع التواصل الاجتماعي والفضاء الإعلامي والأكاديمي مسرحاً لهما، ما استدعى تدخل الحكومة.
ونفى الوزير المنتدب المكلف الشركات الناشئة، ياسين وليد، أنباءً تم تداولها حول منع نشاط البنوك الافتراضية في الجزائر. وقال، "أؤكد لكم أن الحكومة لم تتخذ أي إجراء في هذا الاتجاه"، مضيفاً أنه "على العكس من ذلك، هناك مجهودات كبيرة من أجل عصرنة القطاع البنكي والمصرفي وتسهيل تصدير الخدمات الرقمية".
وأوضح وليد، أن بنك الجزائر سيشرع في مراجعة قانون النقد والصرف لإدراج وسطاء الدفع الإلكتروني، بعد مشاورات واسعة مع البنك المركزي، في إطار مخطط عمل الحكومة.
تصريحات الوزير تبين أن الحكومة تواجه ضغطاً رهيباً بخصوص مسائل البنوك الافتراضية والعملات المشفرة والتعاملات الإلكترونية، لا سيما مع توسع دائرة تعامل الجزائريين مع أطراف خارجية فيما يتعلق بالتجارة الإلكترونية وتحويل الأموال.
اهتمام حكومي... ولكن
وكان الوزير المنتدب المكلف الشركات الناشئة قد صرح في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، بأن الحكومة تسعى لإدراج تعديل يسمح بإنشاء البنوك الافتراضية في الجزائر. وقال إن هذه البنوك ستقدم الخدمات البنكية التقليدية، على غرار إصدار بطاقات الدفع وفتح الحسابات المصرفية، لكن عبر الخط ومن دون الحاجة إلى الوقوف في الطوابير. أضاف أن التعديلات الجديدة، التي سيتم إدراجها على قانون النقد والصرف، تسمح بظهور نشاط موفري خدمات الدفع.
كما أعلن الوزير الأول، أيمن بن عبد الرحمن، في وقت سابق، أن تعديلات ستمس قانون النقد، وتشمل إدراج مبادئ الحوكمة في تسيير البنوك والمؤسسات المالية، والترخيص لمزودي خدمات الدفع للدخول إلى نظام الدفع الوطني كـ"مساهم مستقل" من أجل ترقية الاقتصاد الرقمي، مشيراً إلى أن "الحكومة تراهن على إدماج المؤسسات الناشئة المبتكرة في خطة البنوك الافتراضية".
لا بنوك افتراضية قريباً
في السياق ذاته، يعتبر أستاذ الاقتصاد أحمد الحيدوسي، أن إصلاح النظام البنكي وعصرنته بإدخال تكنولوجيات الدفع لا يعني بالضرورة إنشاء بنوك افتراضية، لأن البنوك الافتراضية لها معنى آخر، وهذا ما يتعارض مع فلسفة البنك المركزي الجزائري.
وبخصوص تصريحات المسؤول الحكومي، قال الحيدوسي في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن الوزير لم يوضح جيداً، واختلط عليه الأمر، ربما يقصد عصرنة القطاع البنكي بإدخال أساليب الدفع الحديثة، موضحاً أن الانتقال إلى البنوك الافتراضية، التي لا توجد مادياً على أرض الواقع، وإنما في العالم الافتراضي، يتطلب أولاً تغيير قانون النقد والقرض ووجود إطار بشري مؤهل للمراقبة والإشراف على هذا النوع من البنوك، وكذلك يجب تحضير إمكانات تكنولوجية قوية.
ويستبعد الحيدوسي أن تتمكن الحكومة من التأسيس للبنوك الافتراضية على المديين القريب والمتوسط، "لكن في المستقبل أكيد ستكون في الجزائر بنوك افتراضية، فهي أكثر تنافسية"، مضيفاً أن البنوك التقليدية في الجزائر باتت مكلفة، ولا تغطي كل أرجاء البلاد، على عكس البنوك الافتراضية التي يمكنها تقديم خدمة أفضل وأسرع بتكاليف أقل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مشكلات عديدة ومعقدة
ويجمع أهل الاختصاص على أن الانتقال من التعاملات المالية التقليدية نحو التعامل الرقمي والدفع الإلكتروني، يجب أن يمر بمراحل معينة، والبداية تكون بتعديل المنظومة القانونية التي تحكم الأداء المالي والاقتصادي للمؤسسات المصرفية، وتعميم الدفع الإلكتروني، لأنه لا يمكن الذهاب نحو خلق بنوك افتراضية من دون العمل على تعميم الدفع الإلكتروني، وبصفة عامة توفير بيئة رقمية مُهيّأة للتعاملات المالية الرقمية.
البنوك الجزائرية ما زالت تعيش مشكلات عديدة ومعقدة تظهر أثناء تقديم الخدمات، وتتمثل في نقص الخبرة والكفاءة وضعف السرعة في الأداء، وهي متأخرة كثيراً فيما يتعلق باستعمال الإنترنت، ويرجع كل ذلك إلى غياب المنافسة الفعالة، ونقص ثقافة تكنولوجيا المعلومات، والوعي الكافي لإطارات البنوك، كما يغيب الوعي الكافي لدى العملاء، وعليه يجب على البنوك الجزائرية أن تسعى بخطوات متسارعة نحو تطوير جودة الخدمات حتى تستطيع الارتقاء إلى مستوى التحديات للعمل المصرفي.
مخاوف من مخاطر
كشفت دراسة لصندوق النقد العربي عن أن الجزائر تبقى من بين الدول العربية التي لا تمتلك أي مشروع لإطلاق عملات رقمية ولا حتى مبادرات لاستكشاف هذه الإمكانية، مقارنة بدول أخرى، على الرغم من توفر بنك الجزائر على كل متطلبات ذلك، بخاصة من حيث التشريعات واللوائح حول خصوصية البيانات وحمايتها وأطر عمل قوية للمرونة السيبرانية ولوائح نظام الدفع، التي تتوافق والمعايير الدولية.
وأرجعت الدراسة موقف الرفض إلى مخاوف من مخاطر إعاقة انتقال أثر السياسة النقدية والتنافس مع الودائع المصرفية وتقويض وساطة البنوك، وكذا الانتقال من الودائع المصرفية إلى العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية خلال الأزمات المصرفية، إضافة إلى وجود مخاطر في مجال أمن الفضاء الإلكتروني وفقدان البيانات أو تسربها والاستعانة بمصادر خارجية.