ملخص
الانتصار والصمود اللذان تحدث عنهما الأمين العام الجديد لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم بمنع الإسرائيلي من الدخول إلى الشرق الأوسط من البوابة اللبنانية، باتا حقيقة قائمة هذه المرة من البوابة السورية.
ما زال المرشد الأعلى للنظام الإيراني علي خامنئي يمارس سياسة الإنكار في التعامل والتعاطي مع الحدث السوري والتغيير الذي حصل في هذا البلد وانهيار النظام الحليف وفرار رئيسه بشار الأسد.
مواقف المرشد الأعلى في الخطابين الأخيرين ما بعد سقوط النظام السوري، على رغم أنها حملت اعترافاً باطنياً أو غير مباشر بالهزيمة التي أصابت أو لحقت بالمشروع الإيراني في الإقليم، نتيجة خسارته رأس الجسر الاستراتيجي لهذا المشروع الذي يربط بين عمق الهضبة الإيرانية بسواحل البحر الأبيض المتوسط، وما يعنيه ذلك من فرصة في التحكم أو الشراكة من موقع القوة والتأثير القوي في المعادلات الإقليمية والاقتصادية والممرات التجارية وأنابيب النفط والغاز التي من المفترض أن تقوم الجغرافيا السورية بدور محوري في خطوط النقل من وإلى العالم المستهلك لهذه الثروات الطبيعية.
إضافة إلى هذه الخسارة، فإن خسارة أخرى ذات بعد عقائدي وأيديولوجي لحقت بالمشروع الإيراني، بدأت مع رفعها شعارها الديني والعقائدي والأيديولوجي "اليوم إيران وغداً فلسطين"، وسعت على مدى العقود الماضية من عمر "الثورة الإسلامية" إلى الاستثمار في القضية الفلسطينية، وتقديم نفسها الحاملة والمدافعة عن قضيتها العقائدية والدينية، ومحاولة مصادرتها وتحويلها إلى محور استراتيجيتها ومدخل لممارسة نفوذها وتدخلها في السياسات الإقليمية على حساب دول الإقليم.
قد تكون إيران قادرة على تحمل الخسارات التي لحقت بمشروعها بدءاً باغتيال قائد "قوة القدس" قاسم سليماني مطلع عام 2020، ومن ثم الضربة القاسية التي تلقتها باغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، في حال استطاعت الحفاظ على استمرارية النظام السوري وبقاء الأسد في السلطة لأن ذلك يسمح لها بإمكان التعويض والترميم السريع، إلا أن سرعة التحولات السورية والصدمة التي نزلت بها جراء قرار الأسد التخلي عن كل شيء والنجاة بنفسه من دون أي تنسيق معها، أدخلها في حال انعدام الوزن ودفعها إلى القبول بالتسوية التي وضعت أمامها على الطاولة في اجتماع الدوحة لوزراء خارجية مسار "أستانا" الذي عقد ليلة الهروب الكبير، وأن تدرك أنها غير قادرة على إحداث تغيير في المعادلة الجديدة، بالتالي القبول بالفتات الذي قدّم لها، والمحصور في توفير الأمن والسلامة للأقلية الشيعية والمراقد الدينية والمذهبية، من دون أي إشارة إلى مستقبل ومصير الاستثمارات الاقتصادية الكبيرة التي أنشأتها على الأراضي السورية، ناهيك عن الخسائر التي تكبدتها جراء دعمها الائتماني والعسكري للأسد ونظامه على مدى 14 عاماً من عمر الأزمة والتي قد تصل إلى نحو 100 مليار دولار .
وعلى رغم كل التحذيرات الداخلية التي صدرت عن عدد من كبار مسؤولي النظام والثورة وفي مقدمهم الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني من مغبة الدعم المفتوح للأسد في عملية القمع التي مارسها ضد المتظاهرين في بداية الحراك السوري، وأن حجم الجرائم لا يمكن السكوت عنه، إلا أن رد فعل النظام وقيادته تمسك بهذا الدعم ورفع من درجته وأهميته باعتبار الدفاع عن بقاء النظام ومنع سقوط دمشق بأيدي معارضي النظام دفاع عن طهران، وأن خسارة محافظة خوزستان بما تمثله من أهمية استراتيجية في الاقتصاد والثروات النفطية لإيران لن يكون لها التأثير نفسه والأخطار ذاتها في حال خسرت إيران والنظام النفوذ والدور في سوريا ونظامها.
هذا الموقف الذي ذهب إليه النظام الإيراني في دعم النظام السوري، غضّ النظر عن كل الجرائم والظلم اللذين مارسهما بحق الشعب السوري، وشكّل تعارضاً واضحاً مع المبادئ الدستورية التي قامت عليها "الجمهورية الإسلامية" التي تدعو إلى دعم الشعوب المظلومة بوجه الأنظمة الظالمة، بالتالي فإن هذا الخيار جعل النظام الإيراني يراجع مصالحه الاستراتيجية وتحالفاته مع الأنظمة، بغض النظر عن مدى الظلم الذي تمارسه وبعيداً من التزام المبادئ الدستورية على حساب الشعوب ومطالبها.
من هنا، وانطلاقاً من هذه الاعتبارات، أو ما يمكن وصفه بترجيح المصلحة الاستراتيجية على المسألة العقائدية، والتي رفعت المصلحة إلى المستوى الأيديولوجي، يمكن فهم المسار الطويل للعلاقة التي ربطت وتربط النظام في طهران بالنظام في دمشق. وانطلاقاً من ذلك أيضاً، يمكن فهم مقاومة المرشد الأعلى للاعتراف بحجم الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه في المراهنة على النظام السوري ورئيسه، خصوصاً أن مؤشرات كثيرة كان قد لمسها خلال الأعوام الماضية، كانت تؤكد خطورة الثقة به وبعدم الانقلاب عليه، وأن الحديث عن هذا الانقلاب بعد الانهيار والهروب قد يكون جاء متأخراً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الانعطافة الإيرانية التي ذهبت إليها قيادة النظام والحكومة في التعامل مع القوى التي تسلمت السلطة والحكم في سوريا، وما أبدته من استعدادها للتعامل والتنسيق مع السلطة السورية الجديدة وانفتاحها على التعاون في المستقبل، بناء على أن هذه السلطة تمثل إرادة الشعب السوري، هي انعطافة تسعى إلى الالتفاف على خطأ الخيار الاستراتيجي الذي اعتمدته في علاقتها مع دمشق منذ أربعة عقود، بخاصة أنها تعرف وتعلم أن لا فرق بين حكم الأب وحكم الابن لجهة السياسات القمعية والظلم الذي مورس بحق الشعب السوري. فهي لا تزال تصرّ على عدم الاعتراف بعدم صوابية هذا الخيار وأنها كانت قادرة على اعتماد موقف مغاير منذ بداية الحراك الشعبي السوري وفتح قنوات تعاون معه، مما كان سيوفّر عليها الوصول إلى حال العداء الشعبي التي تولدت ضدها وضد حلفائها في الإقليم، تحديداً "حزب الله" اللبناني.
لا شك في أن النظام بقيادته وكل مفاصله المعنية بالقرار الاستراتيجي مشغولة الآن بتقويم التداعيات السلبية للحدث السوري المقترن بالحدث اللبناني وما لحق بالمحور الذي تقوده من خسائر، خصوصاً أن هذه التداعيات تجعل الجغرافيا الإيرانية مفتوحة على جميع الاحتمالات وإمكان انتقال المعركة إلى الداخل الإيراني، مما لا يتردد الجانب الإسرائيلي في الإعلان عنه والتخطيط له لأن انعدام الوزن الاستراتيجي الذي يواجهه النظام في طهران يشكل فرصة لتل أبيب لاستكمال مشروعها في ضرب رأس المحور وتحجيمه بصورة نهائية ولمرة واحدة، وأن الانتصار والصمود اللذين تحدث عنهما الأمين العام الجديد لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم بمنع الإسرائيلي من الدخول إلى الشرق الأوسط من البوابة اللبنانية، باتا حقيقة قائمة هذه المرة من البوابة السورية.