في اتفاقية وقف إطلاق النار بين غزة وإسرائيل عام 2014، شملت البنود إقامة ميناء بحري يربط القطاع بالعالم الخارجي، وحينها لم تنفذ تل أبيب هذا البند، الذي طالبت به الفصائل مرة أخرى في التفاهمات التي جرت مع حكومة بنيامين نتنياهو السابقة، برعاية أممية ومصرية عام 2018.
في ذلك الوقت، قال كميل أبو ركن، الذي كان يشغل منصب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، إنهم ملتزمون تقديم تسهيلات لسكان غزة، وفق ما جاء في الاتفاق الذي أشرفت عليه الأمم المتحدة، وستعمل حكومة تل أبيب على تطبيق بنوده كاملة من دون أي اعتراض.
لكن إسرائيل التي تعهدت بذلك، وشرعت حكوماتها في دراسة مقترحي إقامة ممر مائي يربط غزة بالعالم الخارجي، أو تفعيل العمل في ميناء القطاع، لم تفعل شيئاً، وكذلك لم تسمح لأي سفينة بمغادرة ميناء القطاع أو الدخول إليه.
تعهد حمساوي
تجاهل إسرائيل الطويل ملف الممر البحري بين غزة والعالم، وجعله حبيس أدراج حكومات تل أبيب، دفع حركة "حماس" إلى الإعلان عن تنفيذه من جانب واحد، من دون الحاجة إلى إذن أو موافقة من حكومة تل أبيب، في خطوة جدية لكسر الحصار المفروض على القطاع منذ 16 عاماً.
في لقاء فصائلي حضره قيادات بالزي العسكري، برئاسة حركة "حماس"، قال مسؤولها في غزة يحيى السنوار، إن الحصار على القطاع طال كثيراً، لذلك نعمل على التنسيق مع دول العالم لكسر هذا القيد، من خلال تشغيل الخط البحري بين غزة ودول العالم وكسر الحصار بشكل كامل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الواقع، هذا الحديث ليس جديداً، بل طالبت به الفصائل الفلسطينية والجهات الحكومية إلى جانب لجان كسر الحصار عن غزة الدولية، نحو عشر مرات خلال الأعوام العشر الماضية، لكن هذا الملف أعاد حصار غزة إلى الواجهة من جديد، بخاصة أن إسرائيل تفرض طوقاً أمنياً على القطاع يشمل إغلاق جميع منافذه بما فيها المعابر والبحر، بسبب التوتر الأمني الذي تشهده الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك غزة التي انطلقت منها ثلاث مرات قذائف صاروخية تجاه البلدات الإسرائيلية القريبة من الحدود.
رفض إسرائيلي
هذه الفكرة رفضتها إسرائيل بشكل كامل، واعتبرت تنفيذ ذلك ضرباً من الخيال لأنه يعني إسقاط الحكومة الحالية، وقال رئيس الوزراء نفتالي بينيت، "لن نسمح لحركة حماس بأن تنتصر، وكذلك نرفض جميع الأفكار التي يروجون لها، إن هذه الحركة ترغب في إسقاط حكومتنا وهذا لن يحدث".
وأيضاً قال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، إنه يعارض بناء ميناء في غزة أو ممر بحري لأن هذه الخطوة لصالح "حماس" التي تتحمل مستقبل القطاع، وليس لإسرائيل.
في أي حال، يعتقد المراقبون السياسيون أن فكرة الممر المائي جيدة لسكان غزة، لكن تطبيقها من دون موافقة إسرائيل قد لا يكتب لها النجاح، بخاصة أن بحرية تل أبيب هي التي تشرف على المياه الإقليمية، ولا يمكن أن تسمح للسفن سواء المنطلقة من غزة أو تلك الراغبة في الوصول إليها بالمرور.
ممر يحتاج ضمانة دولية
يقول الباحث السياسي أحمد العجلة، إن "حماس" أعادت ملف الحصار إلى الواجهة، ويبدو أنها لن تتخلى عن فكرة إقامة ممر مائي يربط غزة مع العالم الخارجي، وهذه المرة أظهرت أنها تستند إلى قوتها العسكرية، إذ جاء هذا الوعد في ظل حضور قيادات عسكرية، ولنكن واقعيين، فهذه الخطوة لا يمكن أن يجري تطبيقها بعيداً عن ضمانات دولية وموافقة إسرائيلية.
ويضيف العجلة "الممر المائي مهم لغزة، والعمل به قد يعود بآثار جيدة على القطاع، لكن ذلك يحتاج إلى خطة وتنسيق رسميين تقودهما السلطة الفلسطينية، وليس الفصائل، حتى يجري تطبيقه بطريقة نظامية، ويحصل على ضمانات دولية لحمايته من انتهاكات إسرائيل، وهذا الأمر قد ترفضه السلطة في الضفة الغربية على اعتبار أنها لا تسيطر على غزة".
قوافل أم ممر تجاري؟
في الحقيقة، لم توضح "حماس" طبيعة تدشين الممر المائي، إذا كانت تقصد به ممراً يستقبل سفناً وقوافل دولية لكسر الحصار، أو ممراً تجارياً ولأغراض السفر، لكن بحسب المتداول فإن الفكرة الأولى هي التي تسعى الحركة لتطبيقها. بخاصة أن رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية طلب من الدول العربية استئناف تسيير قوافل كسر الحصار للقطاع.
وتوقفت القوافل التي حاولت الوصول إلى غزة عام 2012، بعد أن نجحت ستة منها في الوصول، فيما منعت السلطات الإسرائيلية 11 أخرى من عبور مياه غزة. والآن يبدو، بحسب العجلة، أن هناك تحريكاً إقليمياً لهذا الملف، لذلك تحدثت عنه قيادات "حماس".