أقرت لجنة تابعة لمجلس الشيوخ الأميركي، الخميس الخامس من مايو (أيار)، مشروع قانون من شأنه أن يعرض الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وشركاءها للمساءلة بموجب قوانين مكافحة الاحتكار، وذلك لتنسيقها خفضاً في الإمدادات بما يرفع أسعار النفط العالمية. ويهدف مشروع قانون "لا لتكتلات إنتاج وتصدير النفط" المعروف اختصاراً باسم "نوبك" إلى حماية المستهلكين والشركات في الولايات المتحدة من الارتفاع المتعمد في أسعار البنزين وزيت التدفئة.
لكن بعض المحللين، بحسب تقرير لوكالة "رويترز"، يحذرون من أن تطبيقه قد يكون له بعض التداعيات الخطيرة غير المقصودة، ولا تقتصر تلك المخاطر على تأزيم العلاقات بين الولايات المتحدة وبعض حلفائها المقربين، بل قد تعني رد فعل عكسياً يضر بشركات الطاقة الأميركية وبوضع العملة الأميركية، الدولار، كعملة احتياط رئيسة في العالم.
ويدخل مشروع القانون تعديلات على "قانون مكافحة الاحتكار" الأميركي تلغي الحصانة السيادية التي تحمي "أوبك" وشركات النفط الوطنية في دولها الأعضاء من الدعاوى القضائية، ولطالما شنت جماعات ضغط ونشطاء حملات في الولايات المتحدة تتهم دول "أوبك" بالمسؤولية عن ارتفاع أسعار البنزين في محطات الوقود للمستهلك الأميركي.
وزادت تلك الحملات بعد تحالف منظمة "أوبك" مع عدد من المنتجين والمصدرين من خارج المنظمة، تتقدمهم روسيا، لضبط توازن العرض والطلب في سوق النفط بداية أزمة وباء كورونا. ويواجه الحزبان الأميركيان الرئيسان، الديمقراطي الحاكم والجمهوري المعارض، غضباً شعبياً بسبب ارتفاع أسعار الطاقة للمستهلكين، ويخشى الحزبان من تصويت احتجاجي من الناخبين في انتخابات التجديد النصفي لمجلسي الكونغرس في وقت لاحق من هذا العام.
محاولات سابقة
وسبق أن طرحت مشروعات مماثلة من مشرعين أميركيين، كشكل من أشكال الضغط على منتجي ومصدري النفط بخاصة في منطقة الخليج، لكن تلك المحاولات فشلت في المرور من مجلسي النواب والشيوخ بالكونغرس الأميركي بسبب معارضة قوية من جهات عدة في الإدارات الأميركية المتعاقبة وأيضاً رفض شركات الطاقة الأميركية لاعتماد مثل هذا القانون.
ويعد مشروع قانون "نوبك" الحالي مقدماً من الحزبين الرئيسين، إذ يرعاه النائب الجمهوري تشاك غراسلي والنائبة الديمقراطية إيمي كلوبوشار وغيرهما، وأقرت اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ أحدث نسخة من مشروع القانون، الخميس، في تصويت بتأييد 17 عضواً مقابل رفض أربعة، لكن كي يصبح مشروع القانون سارياً يتعين إقراره أولاً من قبل مجلسي الشيوخ والنواب في الكونغرس الأميركي، ثم يوقعه الرئيس جو بايدن ليصبح قانوناً ساري المفعول.
وإذا أصبح "نوبك" قانوناً سارياً، سيكون بمقدور المدعي العام الأميركي مقاضاة "أوبك" أو أعضائها، مثل السعودية، أمام محكمة اتحادية، كما سيمكنه كذلك من مقاضاة منتجين آخرين متحالفين مع "أوبك"، مثل روسيا، يعملون مع المنظمة على خفض الإمدادات ضمن اتفاق مجموعة "أوبك+" للحفاظ على توازن السوق، ولم يتضح كيف يمكن لمحكمة اتحادية تنفيذ أحكام قضائية لمكافحة الاحتكار على دولة أجنبية، لكن العديد من المحاولات لسن قانون "نوبك" على مدى أكثر من 20 عاماً أثارت قلق السعودية، الزعيم الفعلي لـ"أوبك"، ما دفعها لممارسة ضغوط قوية في كل مرة تطرح فيها نسخة من هذا القانون.
ولم يوضح البيت الأبيض، بحسب تقرير وكالة "رويترز"، ما إذا كان بايدن يؤيد مشروع القانون، ولم يتضح ما إذا كان يحظى بتأييد كاف في الكونغرس للوصول إلى هذه المرحلة، لكن تقارير الإعلام التي صاحبت الحملات السابقة لتمرير مشروع قانون "نوبك" تحدثت عن تجميد أصول الدول المصدرة التي ستتم مقاضاتها بموجب القانون في حال إدانة المحاكم الأميركية لها، وأيضاً احتمال مصادرة تلك الأصول لتعويض المتضررين من ارتفاع أسعار النفط.
معارضة قوية
وفشلت النسخ السابقة من مشروع قانون "نوبك" بسبب مقاومة مجموعات داخل قطاع الطاقة الأميركي مثل معهد البترول الأميركي، الذي يعد ممثلاً لمصالح معظم شركات الطاقة الأميركية، ويرى المعهد أن مشروع قانون كهذا قد يضر بمنتجي النفط والغاز في الداخل، فمن بين مخاوف القطاع أن يؤدي مشروع قانون "نوبك" في نهاية المطاف إلى زيادة إنتاج "أوبك" عن حاجة السوق ما قد يخفض الأسعار بدرجة تجد معها شركات الطاقة الأميركية صعوبة في تعزيز الإنتاج. ولدى السعودية ودول أخرى من أعضاء "أوبك"، بحسب متخصصين في الطاقة الأميركيين، بعض من أرخص الاحتياطات النفطية وأسهلها في الاستخراج، كما أنها تملك مرونة كبيرة في الإنتاج والتصدير.
وقال بعض المحللين، إن الإسراع في سن القانون قد يؤدي إلى انتكاسة غير مقصودة تشمل إمكانية أن تتخذ دول أخرى خطوات مماثلة ضد الولايات المتحدة لخفضها إمدادات منتجات زراعية لدعم الزراعة المحلية على سبيل المثال، ونقلت "رويترز" عن مارك فينلي الزميل بمعهد "بيكر" بجامعة "رايس" المتخصص في شؤون الطاقة والنفط العالمية والمحلل والمدير السابق بوكالة الاستخبارات المركزية قوله، "إنها خطوة سيئة أن تضع السياسات وأنت في حالة غضب"، وفي ذلك إشارة إلى موقف الإدارة الأميركية من عدم استجابة دول "أوبك" لطلب الرئيس جو بايدن بزيادة إنتاج النفط مع بداية حرب أوكرانيا بهدف تخفيف الضغط الشعبي عليه نتيجة ارتفاع أسعار البنزين في الولايات المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن بين ما يراه المحللون الذين تحدثت إليهم الوكالة أن دول "أوبك" قد ترد بأشكال أخرى في حال تمرير القانون من الكونغرس. ففي عام 2019، على سبيل المثال، "هددت السعودية ببيع نفطها بعملات غير الدولار إذا ما أقرت واشنطن نسخة سابقة من مشروع قانون نوبك"، بحسب ما ذكر تقرير "رويترز"، وقالت مجموعة "كلير فيو إنرجي بارتنرز" البحثية في مذكرة لها، إن أي ضخ إضافي للنفط من منتجي "أوبك"، حتى في وقت تهيمن عليه المخاوف من نقص إمدادات روسيا، "قد يجمد أنشطة الحفر في الولايات المتحدة ما قد يعرض للخطر أمن الطاقة المحلي وكذلك انتعاش الاقتصاد المحلي".
ومن شأن ذلك تقويض وضع الدولار كعملة احتياط رئيسة في العالم ما يخفض من نفوذ واشنطن على التجارة العالمية ويضعف من قدرتها على فرض عقوبات على دول أخرى، وأضاف التقرير، "وقد تقرر السعودية كذلك شراء ولو بعض أسلحتها من دول غير الولايات المتحدة ما يضر بتجارة رائجة لشركات الدفاع الأميركية"، وإضافة إلى ذلك، يمكن للسعودية وغيرها من الدول المنتجة للنفط أن تقلص الاستثمارات في الولايات المتحدة، أو حتى ترفع أسعار بيع النفط للولايات المتحدة ما يقوض الهدف الأساسي لسن القانون، وقال بول سوليفان محلل شؤون الشرق الأوسط والزميل غير المقيم بمركز الطاقة العالمي في المجلس الأطلسي، إن "الولايات المتحدة وحلفاءها يواجهون بالفعل تحديات كبرى في تأمين إمدادات من الطاقة يعول عليها، إن آخر ما نحتاج لفعله هو إلقاء قنبلة كهذه".
حرب أوكرانيا
وقد ترى الإدارة الأميركية فرصة لكسب التأييد الشعبي في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وامتصاص الغضب من تحقيق إدارة بايدن أياً من أهدافها المعلنة بعد أكثر من عام من وجودها في البيت الأبيض بفتح مناقشات النواب والشيوخ حول قانون "نوبك"، بخاصة أن إدارة بايدن لم يعد في جعبتها ما يمكنها فعله بعد للحد من معدلات التضخم ووقف ارتفاع أسعار الوقود للمستهلكين، فقد قررت السحب من المخزون الاستراتيجي بكميات هائلة حتى وصلت احتياطاتها من النفط في المخزونات إلى أدنى مستوى، لكن ذلك لم يؤثر كثيراً في السوق.
وتجاهلت "أوبك" مطالب الولايات المتحدة وحلفائها بزيادة ضخ النفط بأكثر من الزيادة التدريجية التي تطبقها المنظمة، في ظل ارتفاع الأسعار الشديد مع خروج المستهلكين على مستوى العالم من قيود جائحة فيروس كورونا وغزو روسيا لأوكرانيا، وقد تشهد روسيا، التي عادة ما تنتج نحو 10 في المئة من النفط العالمي، انخفاضاً في إنتاج الخام بنسبة 17 في المئة هذا العام بسبب عقوبات غربية، لكن إدارة المعلومات والأبحاث في "أوبك" ترى أن السوق العالمية في حال توازن، لذا قررت "أوبك" وحلفاؤها الإبقاء على زيادة الإنتاج، الشهر المقبل، بالمعدل ذاته المتفق عليه ضمن تحالف "أوبك+" بأكثر قليلاً من أربعة آلاف برميل يومياً.