يا للعجب. واندسوورث، وبارنيت، ووستمنستر. [وكلها تضم] بعض أغلى العقارات على هذا الكوكب، وتغص بالمصرفيين والمحامين وأعضاء حزب المحافظين طوال الشطر الأكبر من الوقت الذي كنا جميعاً فيه على قيد الحياة. لقد انتقلت [المجالس البلدية للمناطق الثلاث] إلى حزب العمال.
انتُزعت الجواهر من تاج حزب المحافظين وأُلقي بها عند قدمي كير ستارمر. إنها لحظة محرجة إلى درجة أنك تكاد تشعر بالأسف من أجل رئيس الوزراء، وهو الرجل الذي خسر لندن.
صادق خان، عمدة لندن الذي خلف بوريس جونسون، يصفها [ليلة فوز العمال بمجلس واندسوورث البلدي] بأنها تاريخية، وهو على حق. بصرف النظر عن مدى رداءة الطريقة التي اعتاد المحافظون أن يخوضوا بها الانتخابات المحلية، فقد كان بوسعهم أيضاً أن يردوا على منتقديهم بكلمة واحدة، هي "واندسوورث".
وفي يوم من الأيام، خلال فترة ما قبل ثاتشر، كانت [واندسوورث] حينذاك منطقة نموذجية لأبناء الطبقة العاملة موالية لحزب العمال قريبة من مركز المدينة وتعاني من مشاكل اقتصادية؛ وكانت مكاناً رثاً [مهملاً] صوروا فيه، في أنحاء منطقة كلابهام جانكشن، أعمال درامية من نوع "حوض المطبخ" [دراما واقعية معنية بالحياة اليومية للطبقة العاملة]. كانت مليئة بمساكن عامة يؤمنها المجلس البلدي، وبمقاهٍ ومطاعم بخسة الثمن تقدم أطعمة مقلية، وتدار من قبل مؤسسة عمالية متحفظة عاملتها بتعالي وبطريقة أبوية. وكانت واندسوورث مكاناً يمكن لحزب العمال أن يعتمد عليه من أجل إعادة انتخاب نوابه، وأيضاً ممثليه من أعضاء المجلس البلدي.
ثم أتى التغيير الاجتماعي في سبعينيات القرن الماضي، وحلول طبقات وسطى محل الطبقات العمالية في هذه المناطق، وبدء تدفق أولى حالات لما صرنا نسميه "ذا يوبي" [مهني شاب يعمل في المدينة له دخل جيد ونمط حياة عصري يسرف في الإنفاق على كماليات الموضة]، وحزب المحافظين كان جاهزاً للاستفادة من شعور وطني عام بالضيق، والوعد بشراء المرء شقة المجلس البلدي حيث يسكن بسعر أقل بكثير من قيمتها السوقية.
وكان جمهور الناخبين الذي يميل إلى الزبائنية على وشك أن يقع في شباك المال المجاني (الإنفاق العام الكبير). وفي انتخابات عام 1979، خسر نواب جيدون من حزب العمال مقاعدهم البرلمانية. كان ذلك نذيراً بالقادم في سنوات ثاتشر العشر، وللمرونة التي تحلى بها حزب المحافظين بعد وقت طويل. وحتى حين أثارت "بول تاكس" [توحيد الضريبة مهما كانت العائدات] قرف بقية البلاد في عام 1990، أدى حادث تعرض له نظام التصنيف المحلي، و[وجود] بعض أعضاء المجلس البلدي الحصيفين من حزب المحافظين، إلى جعل واندسوورث قادرة على تصفير ضريبة المجلس البلدي بالنسبة لسكانها.
وكان كين بيكر، رئيس حزب المحافظين في تلك الأيام، قادراً على التلويح بنسخة من صحيفة "إيفنينغ ستاندارد" حملت عنواناً مساعداً حول منطقتهم المفضلة. وجاء في ذلك السطر [العنوان] أن المجالس البلدية التي يقودها المحافظون توفر عليك المال. وقد أعطى ذلك مارغريت ثاتشر المحاصرة شيئاً من الراحة، مع أنها كانت قد صارت خارج السلطة بحلول نهاية ذلك العام.
وعلى المنوال نفسه، فإن "واندسوورث"، وهو المجلس البلدي الذي قاده المحافظون منذ عام 1978، أصبح الآن رمز صحوة حزب العمال؛ كما أنه شيء يمكن التلويح به كلما اقترح أحدهم أن كير ستارمر يفتقر إلى الجاذبية الانتخابية بعض الشيء. إنه العامل إكس [أكثر العوامل تأثيراً]، إذا صح التعبير، حيث يشير إكس إلى ما يوضع على ورقة الاقتراع إلى جانب شعار الوردة الحمراء [لحزب العمال].
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
و"واندسوورث" هي مدار دعاية سياسية ممتازة، حتى حين تكون الحقيقة أن حزب العمال سيحتاج أن يفعل أكثر من ذلك بكثير من أجل أن يعود إلى الحكم خارج لندن وفي أجزاء الجنوب الأكثر ثراء. إن من الغريب أن حزب العمال قد صار بدرجة أكبر حزب أبناء الطبقات المتوسطة المهنية الميسورة، أي أرباب العمل، وحزب المحافظين بات يستقطب العمال أكثر فأكثر. وهذا ما تبدو عليه الأحوال.
إن سياستنا قبلية كما كانت في سابق عهدنا بها، لكن معالم القبائل تحدد ثقافياً أكثر منها عن طريق الدخل أو الثروة. وتثبت واندسوورث ذلك، تماماً كما رمزت في وقت سابق إلى تحوّل سياسي لجيل برمته.
ومما يمكن رؤيته حتى الآن، فإن الشطر الأكبر من البلاد، لا سيما العاصمة، قد طفح كيلهم من الجيل الحالي لحزب المحافظين وقد وجدوا عذراً ما من أجل البقاء في البيت أو التصويت لحزب معارض، ليس بالضرورة حزب العمال، كما يجب أن يُقال هنا بلا غضاضة، لكن بالتأكيد [حرصوا على عدم التصويت] لحزب المحافظين الذي يقوده رئيس الوزراء هذا.
وهذا دليل على أنه صار عبئاً انتخابياً، حتى ولو لم يكن كير ستارمر نوعاً من المغناطيس [قوة جذب] الذي يجتذب الناخبين، كما كان توني بلير ذات يوم. إن لدى جونسون مشكلة خاصة مع لندن، من الممكن جداً أن تكون ناتجة من موقفها المؤيد للاتحاد الأوروبي، ومعارضتها الغريزية لـ"بريكست". إن هذا صدى آخر لاستفتاء عام 2016 الذي لا يزال يتردد في الجسم السياسي للبلاد.
إن حزب العمال هو الآن من جديد الحزب الخاص بالناس الذين يعيشون في واندسوورث؛ وكل ما في الأمر هو أن الناس قد أصبحوا أكثر ليبرالية على الصعيد الاجتماعي ويشعرون أنهم أوروبيون. ويبدو الجنوب الغربي من المدينة الذي يهيمن عليه حزب الديمقراطيين الليبراليين، وحيث اندثر تقريباً أعضاء المجالس البلدية المحافظين، وكأنه لا يزال موجوداً ضمن الاتحاد الأوروبي، فهذه هي العقلية السائدة هناك.
يبدو من الصعب أن يصدق المرء أن بوريس جونسون كان في وقت غير بعيد، عمدة لندن. وفي الواقع، هو هزم عمدة شهير وماكر من حزب العمال كان على رأس عمله هو كين ليفنغستون، في الوقت الذي لم يرغب فيه أي شخص آخر من حزب المحافظين في مواجهته. ثم مضى جونسون ليفوز بولاية ثانية.
في تلك الأيام، لم يجد المحافظون أي صعوبة في الاحتفاظ بواندسوورث، في السنوات الخيرة والعجاف على حد سواء. لكن في تلك الأيام، كان "بوريس" ليبرالياً ولطيفاً وسخياً، ومدركاً تماماً أن لندن مدينة عالمية، وأنها مدينة ينبغي أن تكون منفتحة على بقية العالم، وأنها استفادت بشكل هائل وغير متناسب، من كونها المركز المالي للاتحاد الأوروبي.
كان العمدة جونسون مهرجاً، ولكن من نوع تقدمي، أي مؤيد للاتحاد الأوروبي ومؤيد للهجرة ومؤيد للتعددية الثقافية، وكان مسلياً في هذا. واستحسن سكان لندن ذلك.
أما في الوقت الحالي، فهو الرجل الذي ألحق كارثة "بريكست" الفاشلة بالعاصمة، وهو يقود حزباً يلصق بلندن وصمة تتمثل في اعتبارها بمثابة فقاعة تحظى بامتيازات مبالغ فيها (مع أن بعض أسوأ جيوب الفقر يمكن العثور عليها هنا).
لندن، المكان الذي عاش فيه الشطر الأكبر من حياته، هي هدف الحروب الثقافية التي يجيزها جونسون والمواقف الرافضة التي يثيرها. يبدو أن المحافظين يكرهون لندن وكل ما تمثله، حالياً. وينبغي ألا يشعر جونسون بالدهشة حين ترفض حتى واندسوورث ووستمنستر التصويت له.
© The Independent