لم يتم اتخاذ قرار انتخابي رسمي في تركيا، لكن جميع الأحزاب والقادة بدأوا الاستعداد تحسباً لأي اقتراع مبكر أو مفاجئ. وفي هذا السياق، ستكون مقالتي استمراراً لما كتبه سابقاً تحت عنوان "هل يضحي أردوغان باللاجئين السوريين من أجل الانتخابات؟". وسننظر في كيفية استخدام السياسيين للاجئين السوريين كورقة انتخابية خلال الأسابيع الأخيرة.
إضافة إلى ذلك، يطرق أسماعنا أن هناك سيناريو مظلماً يسعى البعض إلى تحقيقه من خلال المهاجرين، مما سيؤثر سلباً، ليس فقط على السوريين، ولكن أيضاً على الشعب التركي. بالطبع لا أستبعد أن يكون لهذا السيناريو أيضاً علاقة بالانتخابات. وبات التساؤل الأهم: كيف وصل خطاب الكراهية ضد المهاجرين السوريين إلى هذه النقطة؟
كانت أحزاب المعارضة على مدى العامين الماضيين تحاول جلب الانتباه إلى فشل حكومة حزب العدالة والتنمية، لا سيما في التعامل مع الأزمة الاقتصادية الخانقة. ويمكننا القول إنها نجحت في لفت أنظار الناخبين إلى هذه الأزمة.
الكراهية أكثر وضوحاً
لكن على مدار الشهرين الماضيين، بدأ الأتراك من جميع الأطياف يتحدثون عن اللاجئين في تركيا، ويركزون على وجه الخصوص، على السوريين الذين يشكلون غالبية المهاجرين.
وفي الأيام الأخيرة بدأت ردود الفعل السلبية ضد اللاجئين تتجاوز الحدود، التي يمكن السيطرة عليها، وأصبحت الكراهية ضد الأجانب أكثر وضوحاً ولافتة للأنظار.
والواقع أن أحد الأسباب الرئيسة، التي أدت إلى وصول مشكلة اللاجئين إلى هذه النقطة، هو أن سياسة الهجرة واللجوء كانت خاطئة وغير مخطط لها، وغير محسوبة، ولم يتم إجراء دراسة جدوى جيدة.
وقد كانت الدوافع في البداية إلى فتح الأبواب أمام هذا الكم الهائل من اللاجئين والمهاجرين متعددة، وغير محددة الإطار، مثل شعار "الأخوة"، إضافة إلى الحسابات الشخصية المؤطرة بـ"الخلافة الإسلامية"، وإرسال رسائل إلى العالم تحت شعار "الإنسانية".
لكن الحرب لم تتطور كما كانوا يتوقعون، ولم يتمكنوا من إغلاق الأبواب أيضاً في وجه اللاجئين، ما أدى بنهاية المطاف إلى فوضى في المجتمع التركي.
ورقة ضغط
وبعد أن تفاقمت المشكلة، وتحولت إلى أزمة حقيقية، بدا واضحاً أن السلطات التركية لم تكن مستعدة للتعامل مع هذه المشكلة، وأنها كانت تراهن على سقوط نظام الأسد في وقت قريب.
ومما زاد الطين بلة، أن المشكلة التي تمخضت عن سلسلة الأخطاء السياسية والإدارية أصبحت الآن ورقة ضغط انتخابية بيد السياسيين، ويمكن أن تؤدي إلى إلحاق أضرار كبيرة يدفع ثمنها اللاجئون السوريون على وجه الخصوص، حيث باتت المعارضة تستغل هذا الجانب للضغط السياسي. ومن المحتمل أن يكون ذلك نذيراً بفوضى جديدة تؤجج نارها عناصر عميقة يستخدمون مشاعر الغضب التي تراكمت في أذهان المجتمع التركي بسبب الأزمات المتتالية التي عاشوها في السنوات الأخيرة.
من ناحية أخرى، ليس لدى الرئيس رجب طيب أردوغان سياسة هجرة ولا رؤية محددة لتمكين اللاجئين من العودة إلى أوطانهم، خلافاً لما أعلنه أمام الجماهير من التخطيط لإعادة مليون سوري إلى بلادهم.
نفعية أردوغان
أردوغان سياسي يتصف بالمصلحية والنفعية ولا يلزم نفسه بالمبادئ الثابتة، بل إنه يتبدل بين ليلة وضحاها إذا اقتضى الأمر، وتتحول لديه السلبيات إلى إيجابيات وبالعكس. ولذلك فإني لا أستبعد أن يستخدم السوريين، الذين احتضنهم حتى الأمس، لصالحه، حتى وإن أدى ذلك إلى الأضرار بهم. والدليل على ذلك عندما صرح قبل شهر قائلاً: "لن نرسل السوريين"، ثم بعد ذلك بأيام رجع ليؤكد: "سنرسلهم إلى بلادهم"، وذلك عندما تبين له من خلال استطلاعات الرأي العام مدى تأثير هذا الملف على ميول الناخبين.
والسبب الرئيس لغياب سياسة حكومة حزب العدالة والتنمية هو أنها كانت تركز في بداية الحرب على "سوريا من دون الأسد"، فلم يفكروا فيما يجب عليهم فعله مع المهاجرين، لأنهم لم يفكروا في أي خيارات أخرى.
نعم، لا تزال الحكومة متهاونة بشأن المهاجرين، لكن الجو العام في المجتمع مشحون بالكراهية ضد اللاجئين السوريين، وذلك يعنى أن القضية وصلت إلى مستوى أكثر إثارة للقلق.
أصوات المعارضة تتعالى
وبدأت أصوات المعارضة المناهضة للسوريين تتعالى، خصوصاً بعد التصريحات المتتالية التي أطلقها رئيس حزب النصر، أوميت أوزداغ، ولقيت تجاوباً لدى الشارع التركي، مما يذكر بهتافات أيام هتلر المعادية للسامية في ألمانيا. وهناك من يعتقد أنهم يتواطؤون مع السلطة، وكلاهما يفسح المجال لبعضهما البعض.
في هذه المرحلة بالذات، سألت أحد أصدقائي، الذي كان رئيس تحرير إحدى القنوات الأخبارية المهمة عن مدى حقيقة ما سمعت أن "هناك خطة عميقة لإثارة الفوضى فيما يتعلق باللاجئين في تركيا"، فأجاب: لسوء الحظ، هذا صحيح".
ومهما كانت هذه الأحزاب الصغيرة تبدو وكأنها تعارض الحكومة، لكن ليس من المستبعد أن تتواطأ مع الحكومة في الفناء الخلفي من أجل تمرير خطط تستفيد منها هذه الأطراف.
نعم، إن احتمالية خسارة حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات عالية أكثر من أي وقت مضى. وإذا تأكدوا من خلال الاستطلاعات أنهم سيخسرون في الانتخابات فلربما يحتاجون إلى تنفيذ خطة فوضوية كبيرة تعطى الفرصة لإلغاء الانتخابات، بحجة عدم إمكانية إجرائها في أجواء مناسبة.
خطة لإراقة الدماء
للأسف، هناك من يمهد في هذه الخطة لإراقة الدماء من خلال الاشتباك مع المهاجرين والشباب السوريين من خلال بعض الجمعيات التركية والأحزاب القومية الصغيرة، وتدور حالياً في الكواليس اسم مجموعة قومية تسمى "أتامان" على وجه الخصوص.
ومن المثير للاهتمام أن مجموعة "أتامان" هذه معروفة بقربها من وزير الداخلية سليمان صويلو، المدعوم من رئيس حزب الحركة القومي.
وعلى الرغم من أن الكل يعلم أنه من غير المحتمل إجبار ملايين من السوريين على العودة إلى بلادهم، يحاول بعض السياسيين تعمد التحريض على العداء من خلال زيادة الضغط في الداخل، وكأن هذا ممكن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ليسوا السبب الوحيد
وعلى عكس ما يثار بشأن السوريين، فإنهم ليسوا السبب الوحيد للأزمة الاقتصادية والتضخم في تركيا. وتتعمد بعض الجهات تصويرهم وكأن أغلبهم يتورطون في أعمال إجرامية، لكن الحقيقة هي أن تلك اللقطات أعمال فردية يتم تضخيمها في بعض القنوات الإعلامية وحسابات التواصل الإعلامية المحسوبة على القوميين، بل أصبح عدد كبير من السوريين جزءاً من نظام الإنتاج والتوظيف في تركيا.
نعم، إذا كان هناك حل إنساني لتأمين رجوعهم إلى أوطانهم فبها ونعمت، ولكن المشكلة هي أن الأمر يفوق ذلك، والحكومة والمعارضة كلاهما يعلم مدى صعوبة تحقيق ذلك وعدم واقعية هذا الأمر.
لكن تضخيم الأمر إلى هذا الحد لا يهدف إلا إلى تحقيق مكاسب سياسية، حيث تريد المعارضة أن تتعامل مع ملف اللاجئين السوريين كورقة رابحة للفوز في الانتخابات ضد الحكومة. وفي المقابل ستحاول الحكومة استخدام فوضى تثار حول السوريين من أجل إلغاء الانتخابات إذا احتاجت إلى ذلك.
بكل أسف، كل هذه الحسابات غير أخلاقية وغير إنسانية. وفي كلا الاحتمالين سيكون السوريون هم الضحية بنهاية المطاف.