تنتشر ظاهرة الوشم بشكل واسع بين الشباب في الجزائر، وبات لافتاً للمتجول في أزقة وشوارع المدن الكبرى الاهتمام الذي توليه فئة من المجتمع لتصرفات كانت حتى وقت قريب من "التابوهات" التي "يُحرم" الانخراط فيها، ما يكشف عن انسياق باتجاه العولمة على حساب التقاليد.
ظاهرة تتوسع
وأخذ الوشم في التوسع منذ انتشار صور وفيديوهات، عن قصد أو من دونه، لعدد من المشاهير الجزائريين سواء في مجال الرياضة أو السينما أو الغناء والفن، على مواقع التواصل الاجتماعي وأيضاً على القنوات التلفزيونية، الأمر الذي أزال غطاء "الخوف" من نظرة المجتمع الذي كان يرى في الوشم ظاهرة غير سوية مرتبطة بالغرب والانحلال الخلقي، وجعل هذا التصرف عادياً لا يحتاج إلى تفكير في التقاليد ولا يخضع لطلب الأولياء وإنما حرية شخصية لا تقبل التدخل أو المساس.
وعلى الرغم من أن نساء الجزائر، ليس الوشم غريباً عليهن، بخاصة كبار السن اللواتي كنّ يلجأن إلى ذلك في إطار الزينة وضمن سياق تقاليد القبيلة، إذ يرمز كل شكل ورسم إلى أمر ما، سواء تاريخي أو إشارة لغوية، أو رسالة مجتمعية، لكن الظاهرة المعروفة حالياً بـ"التاتو"، باتت مرتبطة بالتقليد الغربي والموضة أكثر من شيء آخر إلا في أحيان ضيقة حيث يبقى له معنى لدى صاحبه، وبات يشمل الذكور والإناث.
موضة ولغة صامتة
بين وشم اسم حبيبته أو حبيبها، ورمز يعبر عن شخصيته، واسم شخص عزيز متوفى، ورسم لذكرى سعيدة أو خائبة، أو فراشة صغيرة أو قلب حتى يفتن أزواجهن بجمالهن، تختلف هوية وشم الشباب الجزائري، وفي ذلك يقول أستاذ علم الاجتماع، يوسف شاطري، أن "الوشم إحدى وسائل التعبير، وهو ما كانت عليه الحال خلال فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر، وربما يعود إلى ما قبل ذلك، حين كان السجناء يستعملونه للتعبير عن الاضطهاد الذي يعيشونه أو المطالبة بالحرية، لكن تحولت الظاهرة إلى موضة يواكبها الشباب". ويضيف أن "غالبية الشباب اليوم يحبذون رموز القوة مثل القراصنة والسهام والجماجم، بينما تلجأ الفتيات إلى شعارات ورسومات العاطفة في شكل فراشات أو قبل أو أعين أو دموع أو قلب يقطر دماً أو حتى التعبير العنيف مثل الجنس"، مبرزاً أن "الوشم بات لغة صامتة لكن رسائل ضمنية تكشف عن رغبة في التحرر من القيود الاجتماعية والفكرية والثقافية والدينية، والتمرّد على التقاليد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بين التأثر بالنجوم والتعبير عن حالة
في المقابل، ترى الكاتبة السياسية الجزائرية، بسمة لبوخ، أنه "في الغالب يسعى الشباب إلى تقليد المشاهير ولاعبي كرة القدم، وهذا هو الإشكال". وتلفت إلى أن "الوشم أصبح من المظاهر الرائجة بين شباب اليوم، في تحول غريب ودخيل على الثقافة المجتمعية والدينية"، مشيرةً إلى أن "الأسباب تختلف بين التأثر البالغ بالمشاهير ونجوم الكرة والميل إلى التشبه بهم وتقليدهم في أبسط التفاصيل، إلى التعبير عن حالة نفسية أو اجتماعية قد لا يجد الشاب أو الشابة طريقاً لتنفيسها إلا عن طريق رسوم يخط بها جسده، تتراوح بين تعابير القوة والتخويف كرسم السلاسل والجماجم إلى رسم الحيوانات المفترسة أو قلوب وعيون تقطر دماً أو رسوم وأسماء غريبة تبعث رسائل مشفرة قد لا يفهم معانيها إلا هم، معتقدين أنها تعكس حرية فردية وشخصية تجعلهم يفعلون بجسدهم ما يشاؤون".
وتتابع لبوخ أنه "بقدر ما تعبّر هذه الرسوم عن حالة نفسية عابرة لدى الشباب غير أنها تترك آثاراً وندوباً دائمة على الجسم يصعب إزالتها لاحقاً، كما تهدد بأخطار صحية بسبب المواد المسرطنة التي تُستخدم بعيدة من أعين الرقابة"، معبرةً عن اعتقادها بأن "غياب التوعية الدينية بكون هذه الأوشام والرسومات مخالَفة صريحة للدين الإسلامي، بالإضافة إلى تراجع دور المدرسة في التنبيه والتوعية في الوقت المناسب من هذه المظاهر المرفوضة مجتمعياً ودينياً والتي تسهم إلى حد كبير في انتشارها شبكات التواصل الاجتماعي، وتعززها في عقول الشباب عبر كثرة مشاهدتها". وتشدد على أن "الأسرة تتحمل المسؤولية بالدرجة الأولى، على اعتبار أنها مطالبة برقابة الأبناء والتوعية بمخاطر هذه الظواهر وأضرار الانسياق خلف الموضة العالمية".
رأي الدين
لكن ماذا يقول الدين في ظاهرة الوشم؟ سؤال يجيب عنه أستاذ العلوم الإسلامية، محمد عبد الكافي قديد، فيقول إنه "قبل سنوات لم يكن هناك إقبال جزائري على الوشم، إلا من فئة السوابق العدلية والمساجين، وفي حين كان أغلبهم يخفيها تجنباً لنظرة المجتمع واحتراماً للعادات والتقاليد، تغيرت الأوضاع في الفترة الأخيرة مع الإقبال اللافت على الظاهرة من قبل الشباب بمَن فيهم الفتيات، تحت عنوان الموضة والحداثة، وتقليد مشاهير كرة القدم والفنانين الذين يظهرون على شاشات القنوات بشكل واسع"، مضيفاً أن "الوشم حرام في الإسلام، استناداً إلى الحديث الشريف: لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة المغيرات خلق الله".
ويشير قديد، إلى أن "الوشم الذي يقوم على مصالح طبية مطلقة كإزالة التشوهات والتداوي فلا ضرر منه"، مبرزاً أن "الكثير من الشباب وصلوا إلى قناعة تامة وإيمان مطلق بأن جسدهم خاص بهم، ويحق لهم أن يفعلوا به ما يشاؤون، بعيداً من نظرة الدين الإسلامي الذي يحرم الوشم. وعلى الرغم من اعتبارها شكلاً من أشكال العصيان المجتمعي، إلا أنها ممارسات انتشرت، للأسف، وسط المجتمع الجزائري".