يتولد زخم الآن خلف خطة دولية تقضي بمصادرة مئات المليارات من الدولارات من المصرف المركزي الروسي لتغطية كلف "تعويضات الحرب" لمصلحة أوكرانيا.
وتدخل جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، لدعم المقترحات التي من شأنها أن تزيد الضغوط المالية على فلاديمير بوتين.
وقال السيد بوريل لـ "فايننشال تايمز" إنه "مؤيد إلى حد كبير [للأمر]"، مشيراً إلى استيلاء الولايات المتحدة أخيراً على أصول للمصرف المركزي الأفغاني خُصصت لتعويض ضحايا الإرهاب وتقديم مساعدات إنسانية.
لكن المصرف المركزي الروسي يمتلك من الأصول ما يزيد كثيراً على ما لدى نظيره الأفغاني، وهل يعتبر الاستيلاء احتمالاً واقعياً؟
لقد جمد نحو نصف احتياطات روسيا من الذهب والعملات الأجنبية والبالغة 300 مليار دولار (243 مليار جنيه استرليني)، مما يعني أن الكرملين غير قادر على الوصول إلى هذه الأصول، وهذا لا يرقى إلى الاستيلاء الذي قد يعني مصادرة حكومات أجنبية في واشنطن ولندن وباريس وبرلين وأماكن أخرى الأصول الروسية وربما بيعها.
وتتصدر واشنطن حالياً الحملة، لكن ثمة خلافاً بين خبراء قانونيين أميركيين حول ما إذا كان إجراء كهذا ممكناً أو قانونياً.
وينص التعديل الخامس للدستور الأميركي على ضمانات ضد استيلاء الحكومة على الأملاك "من دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة"، لكن ذلك لا ينطبق إلا على "الأشخاص".
وفي حين أن اليخوت والطائرات الخاصة التابعة لأوليغارشيين مملوكة لأشخاص، فإن أصول المصرف المركزي الروسي ملكية تخص دولة أجنبية، وهذا يعني أنها غير مغطاة بحماية الملكية الخاصة من الاستيلاء من قبل حكومة الولايات المتحدة، وفق مقالة رأي بقلم لورانس إتش ترايب، أستاذ القانون السابق في جامعة هارفارد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبرر السيد ترايب موقفه قائلاً "لا شك في أن الحكومة الروسية ستشكو بمرارة من أن تصفية احتياطاتها من العملات كانت سرقة، تماماً كما فعلت مع العقوبات القائمة، لكن انتهاك روسيا المستمر للمبادئ الأساس للقانون الدولي وحقوق الإنسان والحاجات الضرورية للشعب الأوكراني، لا بد من أن يواجه بأكثر من خطابها الذي يخدم المصلحة الذاتية".
ليس الاستيلاء على أصول المصارف المركزية بالأمر غير المسبوق. عام 2003 أمر [الرئيس الأميركي] جورج بوش بالاستيلاء على 1.7 مليار دولار من الأموال العراقية المودعة في مصارف أميركية، وخصصت هذه المبالغ لمساعدة الشعب العراقي ولتعويض ضحايا الإرهاب.
وعام 2012، بعد اقتحام السفارة الأميركية في طهران، سمح الكونغرس باستخدام أصول المصرف المركزي الإيراني المجمدة لتسوية دعاوى قضائية مع عائلات أشخاص قتلوا في هجمات إرهابية إيرانية.
وفي فبراير (شباط) 2022 وقع الرئيس بايدن أمراً تنفيذياً للمساعدة في الحفاظ على نحو سبعة مليارات دولار من أصول المصرف المركزي الأفغاني المجمدة والمحتفظ بها في الولايات المتحدة، لاستخدامها في تقديم مساعدات إنسانية.
أما العمل في شأن روسيا فسيكون مختلفاً لأن القوانين الأميركية الحالية تسمح بالاستيلاء على أصول تخص بلداناً تنخرط أميركا معها في "أعمال عدائية مسلحة".
ويعتقد بعض علماء القانون أن المصادرة لن تكون قانونية بموجب القوانين القائمة، ولذلك يلزم سن تشريع جديد. ويجري التحضير حالياً لمشروع قانون في الكونغرس بعنوان "قانون الاستيلاء على الأصول من أجل إعادة بناء أوكرانيا"، يهدف إلى منح الصلاحيات اللازمة.
وحتى إذا تمكنت الولايات المتحدة من الاستيلاء قانوناً على أصول الدولة الروسية فسيكون الأثر محدوداً، فالمؤسسات الأميركية كانت تحتفظ بنحو ستة في المئة فقط من إجمالي أصول المصرف المركزي الروسي، أو نحو 39 مليار دولار بداية عام 2022، وفق بيانات لم يجر التحقق منها، صادرة عن المصرف المركزي الروسي في الـ 11 من أبريل (نيسان)، فيما امتلكت ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة أكثر من ذلك كثيراً، بإجمال نحو 188 مليار دولار، في حين امتلكت اليابان 57 مليار دولار أخرى.
ويجادل غاري كلايد هوفباور وجيفري جاي سكوت من "معهد بيترسون للاقتصاد الدولي" بأن التحرك من جانب واشنطن من شأنه أن يشكل سابقة تتبعها دول أخرى، إلا أن خسائر أوروبا واليابان ستكون كبيرة إذا انتقمت موسكو بقطع إمدادات الطاقة عنهما.
وأشار رئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا الإثنين إلى أنه غير راغب في إنهاء فوري لواردات النفط الروسية، وقال إن تنفيذ حظر على واردات النفط الروسية سيستغرق وقتاً.
وقال كيشيدا لصحافيين، "بالنسبة إلى بلد يعتمد بشدة على واردات الطاقة، فهذا قرار بالغ الصعوبة".
بيد أن قطع هذه الإمدادات قد لا يكون كارثياً لليابان، فروسيا مثلت نحو أربعة في المئة من واردات النفط اليابانية العام الماضي، أما بالنسبة إلى أوروبا فالأثر سيكون أكثر حدة، فالعواقب التي قد يتحملها الاتحاد الأوروبي نتيجة الانخفاض الهائل في واردات الطاقة الروسية ستكون كارثية، ولم يتمكن الاتحاد الأوروبي حتى الآن من الاتفاق على خطة لفرض حظر على النفط الروسي، لأن بعض الدول الأعضاء ترى أن هذا الحظر مدمر للغاية.
لكن القطع المفاجئ من إمدادات غاز موسكو سيكون أسوأ بكثير، إذ ستعاني أوروبا من ضربة مباشرة بالغة الضرر لاقتصادها، وسيكون تقنين الإمدادات ضرورياً والركود العميق حتمياً.
وارتفعت حصة احتياطات روسيا في ألمانيا من 11 في المئة خلال يناير (كانون الثاني) 2021 إلى 16 في المئة خلال يناير 2022، مما يشير إلى أن بوتين ربما يعتقد بأن اعتماد ألمانيا على واردات الطاقة الروسية من شأنه أن يقنع برلين بعدم دعم عقوبات صارمة.
وحتى الآن فاجأت العواصم الأوروبية العديد من المراقبين بنهجها الأكثر صرامة من المتوقع في التعامل مع العقوبات، بيد أن المخاوف تظل قائمة من أن يكون مفعول هذه العقوبات أقل كثيراً من مستوى الخطاب، مما يحد من جدواها كسلاح ضد بوتين، لكن لحين بذل أوروبا جهوداً صادقة للحد بسرعة من اعتمادها على الطاقة الروسية، تبدو هذه المخاوف منطقية.
© The Independent