في محاولة لضبط التوتر الأمني الذي تشهده الأراضي الفلسطينية، والتهديدات المتبادلة بين الفصائل في غزة وإسرائيل، يعمل الوسطاء في جهاز الاستخبارات المصرية على محاولة التوصل إلى صيغة تفاهمات بين الطرفين، لمنع تدهور الأوضاع الأمنية وانجرارها لعملية عسكرية صعبة.
ومن المقرر أن يوجّه المسؤولون عن الملف الفلسطيني في جهاز الاستخبارات المصرية، دعوات وُصفت بـ"العاجلة" إلى وفود فلسطينية، بينها حركة "فتح"، وأخرى إلى قيادات الفصائل في قطاع غزة، من أجل التباحث في ملفات أمنية وسياسية، والتوصل إلى صيغة تفاهمات توقف موجة العنف والتهديدات. ووجهت القاهرة دعوات مماثلة إلى مسؤولين كبار في إسرائيل على المستويين السياسي والأمني.
تدخلات مكوكية مكثفة
وتأتي تلك الدعوات المنفصلة، بعد أن أجرى الوسطاء المصريون إلى جانب الأمميين وآخرين أميركيين، اتصالات مكثفة مع قيادة حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة وخارجه، ومن جهة أخرى مع المسؤولين السياسيين والأمنيين في تل أبيب من أجل تحييد غزة عن الأحداث الدائرة في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
ويُعدّ هذا التدخل الثالث من جميع الوسطاء، تحديداً المصريين، منذ نحو شهر، على خلفية التطورات في الأراضي الفلسطينية، وما تبعها من تهديدات أطلقتها فصائل غزة بأنها جاهزة للتصدي لإسرائيل، وأيضاً بعدما فرضت حكومة نفتالي بينيت عقوبات إنسانية على سكان غزة.
وخلال هذه الفترة، أجرى المصريون الذين يتحركون بدعم من الإدارة الأميركية نحو 150 اتصالاً مع الفصائل الفلسطينية، نجح خلالها الوسطاء "بشكل مؤقت" في الحصول على ضمانات من طرفي الصراع بعدم الانجرار لتصعيد.
تفاهمات الهدوء
لكن تلك الجهود الكبيرة لم تسفر حتى الآن عن إزالة التهديدات بانتقال التصعيد الساخن إلى قطاع غزة، لذلك من المتوقع أن يزور الفلسطينيون القاهرة الأسبوع المقبل لبحث ملفات سياسية وأمنية واقتصادية حساسة.
وعلمت "اندبندنت عربية" من مصادر فلسطينية أن الاتصالات المصرية، بعد أن حصلت على ضمانات جيدة بعدم الانجرار لتصعيد، توصلت مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، إلى أرضية جيدة لتفاهمات من شأنها إعادة الهدوء إلى كامل الأراضي الفلسطينية، على أن تجري مناقشتها ثم الإعلان عنها في اجتماع القاهرة المقبل.
ومن بين الملفات الموجودة على طاولة اجتماع القاهرة مع الفلسطينيين، سبل تهدئة الأوضاع الميدانية في غزة بالتحديد، وكذلك محاولة تحييد إسرائيل عن فكرتها تنفيذ تهديداتها بالعودة لعمليات الاغتيال لقيادة الفصائل في الداخل والخارج، إلى جانب التوقف عن كل ما من شأنه أن ينقل شرارة المواجهات من الضفة الغربية إلى القطاع، بما يشمل تحفيز أو تحريك الشبان في الشق الثاني من الأراضي الفلسطينية لتنفيذ عمليات ضد إسرائيليين.
ووفقاً لصحيفة "إنتلي تايمز" العبرية، فإن قيادات إسرائيلية قبل عقد اجتماع معها، طلبت من الوسطاء أن يبلغوا الفصائل في غزة، أنهم ملتزمون وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه عام 2021، برعاية أممية ومصرية وأميركية، وفي الوقت ذاته مستعدون لتصعيد عنيف وصعب إذا لزم الأمر.
الطرفان مستعدان للتصعيد
وحول تدهور الأوضاع الأمنية في غزة، واجتماع القاهرة الذي دار بين الإسرائيليين ومسؤولي جهاز الاستخبارات هناك، قال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس "أبلغنا الجميع أننا لسنا معنيين بالتصعيد في غزة، ولا نسعى إليه، لكن أشعرنا الوسطاء بأننا مستعدون بشكل عملي لأي معركة تجبر تل أبيب عليها"، مشيراً إلى أن "أي مواجهة سيكون ثمنها باهظاً جداً ولا يمكن تحمّله لأن جيش إسرائيل أقوى من جميع الأعداء".
وأضاف غانتس "على الفلسطينيين أن يدركوا أنه من دون توافر الاستقرار الأمني، سيتضرر اقتصادهم، وتنهار الخطوات التي بنيناها أخيراً وخلالها سمحنا لعمال غزة بالدخول إلى أراضينا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، يقول عضو المكتب السياسي في حركة "حماس" زاهر جبارين، "أبلغنا الوسطاء بالخطوط الحمراء، وباتت إسرائيل تدركها، وكان طلبنا الأساسي أن نعيش بأمن وسلام، لكن ليس على حساب كرامتنا أو مقدساتنا، ولذلك باتت ساحة الضفة الغربية والقدس موحدة مع غزة، وأي اعتداء على شعبنا يقابله رد عسكري من الفصائل، وغزة مستعدة للمواجهة في أي لحظة".
ويضيف "علمنا أن إسرائيل تحاول حلحلة ملف الجنود الأسرى، لكن ذلك لتشتيت الفصائل، وهذا غير ممكن، وهي أيضاً غير جادة في تنفيذ صفقة تبادل، وفي الوقت ذاته هناك عهد ووعد من قيادة حماس بالسعي لإنهاء هذا الملف وبطريقة خاصة".
ملخص التوتر في غزة
يأتي التدخل المصري بعد توتر كبير شهدته المنطقتين، إذ قررت حكومة تل أبيب فرض عقوبات إنسانية على سكان غزة، ومنع العمال من مغادرة القطاع إلى أراضيها، وكذلك أغلقت معبر إيريز الحدودي لفترة غير محددة، فيما تفرض قيوداً على معبرها كرم أبو سالم التجاري مع القطاع، وأيضاً لم تتوقف قيادة الجيش الإسرائيلي عن التهديد بعملية عسكرية واسعة وغير مسبوقة، إلى جانب الحديث عن عودة الاغتيالات لعناصر فاعلين في الفصائل الفلسطينية داخل القطاع وخارجه.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى حركة "حماس"، إذ قالت إنها ستحرق مدن المركز الإسرائيلي وتنوي توجيه ضربات كبيرة من الصواريخ تفوق تصور تل أبيب، وأنها جاهزة لعودة العمليات التفجيرية، وكذلك لم تتوقف قياداتها عن تحفيز الشباب في الضفة الغربية على تنفيذ عمليات ضد المستوطنين. ويقول القيادي في الحركة إسماعيل رضوان إنهم حققوا وحدة وطنية بين القدس والضفة وغزة و48 ومخيمات اللجوء والشتات، ولن تنجح إسرائيل في فصل هذه الساحات عن بعضها، وهذا يعني أنه على الشبان تصعيد وسائل الاشتباك مع إسرائيل وأدواتها في جميع الميادين، وإذا حاولت تل أبيب ارتكاب أي حماقة بحق أي منطقة، سيكون هناك رد عسكري قوي من غزة.