"انتبه جيداً، الجنود يطلقون الغاز بكثافة بالقرب من كلّ تجمّع للمتظاهرين، ارفع شارتك الطبيّة عالياً، وامشِ بها، إلى أن تصل إلى المصاب"، هذه العبارة الأخيرة التي قالها المسعف الفلسطيني خليل، إلى زميله عبد الله قبل أن يشاهده يسقط قتيلاً بنيران جنود الجيش الإسرائيلي أثناء تأدية عمله كمسعف ضمن فرق الطواقم الطبية التي تعمل في مسيرات العودة، والتي تنطلق أسبوعياً بالقرب من الحدود الشرقية الفاصلة بين غزّة وإسرائيل، وبدأت في 30 مارس (آذار) من العام الماضي، ومستمرة في أسبوعها الـ 61.
وخلال 15 أسبوعاً على بدء مسيرات العودة، يُمعن الجيش الإسرائيلي في استهداف المشاركين في التظاهرات، من دون تمييز بين الفرق العاملة (من صحافيين، ومسعفين، ولجان توثيق حقوقية) والمشاركين المدنيين، وراح ضحية اعتداءاته ما لا يقل عن 305 قتلى مدنيين، وإصابة حوالى 31 ألف مواطن، وكان للطواقم الطبية نصيب كبير.
تزايد منظّم للانتهاكات
من بين إجمالي الاعتداءات الإسرائيلية على مسيرات العودة، حصلت "اندبندنت عربيّة" على إحصاء من وزارة الصحة تفيد بمقتل أربعة مسعفين، ثلاثة منهم أثناء تأدية عملهم في الميدان، والآخر متأثراً بجروحه، وإصابة 685 مقدم خدمة طبية، وتضرر 120 سيارة إسعاف، كلّهم نتيجة الاستهداف المباشر. وبالملاحظة، فإنّ الاعتداء على الطواقم الطبية من قبِل الجيش الإسرائيلي في تزايد مستمر، فكلّ أسبوعٍ يستهدف الجنود النقاط الطبيّة الميدانية بقنابل الغاز المباشر وأعيرة الرصاص الحيّة، ويشعلون النار فيها، في حين أنّ الجنود يمتلكون أفضل الأجهزة التكنولوجية العسكرية ليستطيعوا تركيز استهدافهم من دون إلحاق أيّ ضرر بالمسعفين.
استهداف المدنيين
ووفق تقريرٍ لمنظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية (منظمة غير حكومية) فإنّ الجيش يتباهى بقدرات تكنولوجيّة واستخباراتيّة عالية، وعلى الرغم من ذلك يستهدف المدنيين، وهذا الأمر مدان حتى داخل المجتمع الإسرائيلي، ويُعد خرقاً للقانون الدولي الإنساني.
الأمر ذاته، الذي استنكره المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان (مؤسسة حقوقية فلسطينية دوليّة)، واعتبر أنّ استهداف الطواقم الطبية مدان، داعياً اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر إلى العمل على توفير الحماية اللازمة لأفراد المهمات الطبية في قطاع غزة، المكلّفين بمهام إسعاف جروح المصابين المشاركين وتطبيبهم في مسيرات العودة السلمية على الحدود الشرقية لقطاع غزة.
غير قانوني ومخالف للمواثيق الدولية
نائب مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان حمدي شقورة يقول "نقوم بالمتابعة ونحقق بكلِ الجوانب في مسيرات العودة، وخلصت النتائج التي توصلنا إليها، وكذلك نتائج لجنة التحقيق الدولية التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع لهيئة الأمم المتحدة إلى أنّ المسيرات التي تنظّم في غزّة أسبوعياً سلمية وتأتي في أماكن محددة، احتجاجاً على الحصار والعقاب الجماعي الإسرائيلي للمواطنين هناك، وهو غير قانوني ولا إنساني".
وبيّن شقورة أنّ إسرائيل تمارس انتهاكات بحق مقدّمي الخدمات الطبية في غزّة بشكلٍ منظم ومتعمد ومباشر، وتعرقل عملها، وهذا عمل عنيف، ومخالف للقوانين الدولية، في حين أنّ نتائج التحقيق تبيّن أنّ جميع المسعفين يعلّقون شارات متعارفاً عليها، مظهراً أنّه كان على الجنود التمييز بين الفرق الطبية، ومنع استهدافها.
وأكّد أنّ استهداف الطواقم الطبيّة غير قانوني، ومخالف لمواثيق القانون الدولي الذي يوفر الحماية للطواقم الطبية ويعطيها رعاية خاصة، وقال إن إسرائيل لا تكترث لهذه القوانين، لذا يتطلب من اللجنة الدولية للصليب الأحمر التدخل لإنقاذ المسعفين، من خلال التواصل مع الجانب الإسرائيلي، والجهات الدوليّة المختلفة، للحد من المس بالفرق الطبية.
جرائم حرب
وأوضح شقورة أنّ استهداف الطواقم الطبية بشكلٍ متكرر، يعد انتهاكاً وعملاً منظماً قد يصل إلى جرائم حرب، في حين أنّ القانون الدولي خصّص لهم رعاية ومعاملة خاصة، لكل من يعلّق إشارة للعمل الإنساني، وطالب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان المدعيّة العامة للمحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق رسمي في هذه الجرائم، وصولاً إلى ملاحقة كل من تورط في إصدار أوامر استهداف الطواقم الطبية ومحاسبتهم.
وأكّد شقورة أنّ جنود إسرائيل يستخدمون القوّة المفرطة والمميتة ضد هؤلاء المسعفين، في حين لا يشكل أفراد الطواقم الطبية أيّ خطر على حياة جنود قوات إسرائيل، مشدداً على ضرورة إخضاع إسرائيل للمساءلة والمحاسبة عبر التحقيق في ما ترتكبه من جرائم بحق المدنيين الفلسطينيين المشاركين في مسيرات العودة السلمية.
شارات طبيّة
في المقابل، يقول المتحدث باسم وزارة الصحة في قطاع غزّة أشرف القدرة إنّ استهداف الطواقم الطبية كان مباشراً ومركزاً، على الرغم من تعليق جميع العاملين في الميدان شارات طبيّة متعارفاً عليها وفق القانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة، ويمكن رصدها من مسافات بعيدة. وأوضح القدرة أنّ استهداف الطواقم الطبية كان بإطلاق الرصاص الحيّ والمتفجّر داخل الجسم، والأعيرة المطاطية المدبّبة الرأس، وقنابل الغاز المجهولة السامة والموجّهة، ويهدف الجيش الإسرائيلي من ذلك إلى إيقاف أو عرقلة عمل مزوّدي الخدمات الطبيّة، في إسعاف مصابي مسيرات العودة.
قنابل الغاز المباشر
وبيّن القدرة أنّ إسرائيل تستهدف النقاط الطبية الميدانية كلّ أسبوع بقنابل الغاز وأعيرة الرصاص المباشرة، في حين أنّ الجنود الذين يمتلكون أجهزة عسكرية متقدمة يستطيعون عدم إلحاق أيّ ضرر في المسعفين، لافتاً إلى أنّ الانتهاكات تكون بشكل متعمد، ليس لأشخاص، ولكن لفرق عمل.
ويُقيم مزوّدو الخدمات الطبيّة (وزارة الصحة، الهلال الأحمر، الخدمات الطبية، المؤسسات الأهلية، المتطوعون، لكلّ منهم شارة طبيّة مميّزة متعارف عليها)، في مستشفيات صغيرة ميدانية، لتقديم خدمات الإسعاف الأولي، والرعاية الصحية، لمصابي مسيرات العودة، سواء بالغاز أو الرصاص الحي، وتنتشر هذه النقاط الطبية في مختلف مخيّمات العودة الخمسة بالقرب من الحدود الإسرائيلية للقطاع.