مقتفية أثر البورصات وأسواق المال العالمية، غيرت البورصة السعودية اتجاهها الصعودي، وانتقلت إلى المربع الأحمر، بعد موجة صعود قوية حققت خلالها قفزة قياسية سواء على مستوى أسعار الأسهم المدرجة أو على القيمة السوقية الإجمالية، وقال محللون ومتخصصون لـ"اندبندنت عربية"، إنه في مقابل مجموعة المحفزات، التي دفعت أكبر أسواق الأسهم في المنطقة إلى مستويات قياسية خلال الفترة الأشهر الماضية، جاءت مجموعة من الضغوط لتقود السوق السعودية إلى خسائر، أهمها تراجع أسعار النفط وزيادة الضبابية بشأن تصاعد الأزمة الأوكرانية الروسية.
وبعد تسجيلها أسوأ إغلاق في العام الحالي ليوم الأربعاء 11 مايو (أيار)، عمقت الأسهم السعودية خسائرها لتداولات الأربعاء متراجعة للجلسة الرابعة على التوالي، وسجل المؤشر العام أسوأ جلسة له منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وسط ضغوط بيعية قادتها أسهم البنوك، التي تراجعت بأعلى وتيرة منذ مايو 2020.
وتراجع المؤشر العام بنهاية الجلسة 544 نقطة والتي تعادل 4.1 في المئة ليغلق دون مستوى 13 ألف نقطة عند مستوى 12835 نقطة كأدنى مستوى في سبعة أسابيع، في وقت بلغت السيولة مستوى 10.2 مليار ريال (2.72 مليار دولار)، وبإغلاق المؤشر، عمقت السوق خسائرها لتصل إلى أكثر من 980 نقطة في آخر أربع جلسات.
وحدد محللون ماليون ستة أسباب رئيسة وراء التراجعات المتوالية، التي سجلتها السوق السعودية، أبرزها عمليات جني الأرباح المستوجبة من الناحية الفنية والتي تزامنت مع تجدد المخاوف بشأن تداعيات الأزمة الروسية - الأوكرانية، إلى جانب تراجع أسعار النفط، وتوالي ارتفاع أسعار الفائدة، وعودة إغلاقات كورونا للصين، إلى جانب تأخر نتائج أعمال الشركات للربع الأول من العام الحالي.
وكانت الأسواق العالمية، وبخاصة الأميركية، قد شهدت تراجعاً بعد بيانات التضخم التي أثارت مخاوف من الاستمرار في تشديد السياسة النقدية من قبل الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية العالمية، وكانت السوق المالية السعودية "تداول" قد سجلت مكاسب كبيرة منذ بداية هذا العام بدعم من عديد من المحفزات، مثل تحسن أسعار النفط وجذب الاستثمارات الأجنبية مع استكمال مراحل ترقية السوق على المؤشرات العالمية للأسواق الناشئة.
حذر المستثمرين
وقال رائد دياب، نائب رئيس إدارة البحوث والاستراتيجيات الاستثمارية في "كامكو إنفست"، إن التراجعات الحادة التي تشهدها سوق الأسهم السعودية تعود إلى وجود حذر من قبل المستثمرين في الوقت الراهن وسط المخاوف من ارتفاع أسعار الفائدة عالمياً للسيطرة على معدلات التضخم المرتفعة، إضافة إلى حالة عدم اليقين بالنسبة إلى النمو الاقتصادي العالمي نتيجة الصراع العسكري الدائر بين روسيا وأوكرانيا، وأوضح دياب أن من تلك الأسباب التذبذبات القوية المائلة إلى التراجع في الأسواق العالمية على معنويات المستثمرين مع ارتفاع الدولار إلى مستويات لم يشهدها منذ ما يقرب من 20 عاماً، لافتاً إلى أن من تلك العوامل ما تشهده أسعار النفط من تذبذبات قوية في الفترة الماضية في ظل المخاوف من تراجع الطلب نتيجة الإغلاقات الحاصلة في الصين، وهي أكبر مستورد للنفط في العالم، والذي قد يؤثر سلباً على الأسعار، بينما مناقشات الاتحاد الأوروبي حول حظر النفط الروسي تدريجياً تدعمها.
جني الأرباح
من جهته، قال الاقتصادي السعودي، والمستشار المالي محمد الشميمري، إن التراجعات تأتي في إطار عمليات جني الأرباح الطبيعية والمستوجبة والتي أتت بقيادة أسهم قيادية في مقدمها سهم مصرف الراجحي، وأوضح أن هناك عمليات جني أرباح تأتي بعد ارتفاعات قوية استمرت فترة طويلة، مشيراً إلى أن هناك محفزات قوية ستعيد السوق السعودية إلى مسارها الصاعد مع اقتراب الإعلان عن نتائج أعمال شركة "أرامكو" التي من المتوقع أن تكون أكبر أرباح بالنسبة لشركات النفط والشركات الأكثر من حيث القيمة السوقية عالمياً، وأشار إلى أن استمرار وجود سعر خام برنت فوق مستوى 100 دولار من العوامل التي تبقي النظرة الإيجابية للسوق السعودية على المدى المتوسط.
هبوط النفط
في هذا الشأن، قال عضو جمعية الاقتصاد السعودية والمحلل الاقتصادي سعد آل ثقفان، إن عمليات جني الأرباح جاءت بالتزامن مع ما تمر به الأسواق العالمية من انخفاض بسبب رفع الفائدة على أثر بالسلب على أسواق المال الخليجية والسعودية، وأشار إلى أن من العوامل التي أسهمت هي انخفاضات أسعار النفط في الفترة الأخيرة، لافتاً إلى أن الهبوط القوي للسوق السعودية حالياً يأتي بعد صعوده خلال أبريل (نيسان) الماضي بنسبة خمسة في المئة بدعم من ارتفاعات القطاع البنكي بنسبة قاربت 31 في المئة.
أساسيات السوق
بدوره، أكد المحلل المالي السعودي ماجد الشبيب، أنه على الرغم من التراجعات التي تشهدها السوق السعودية خلال تعاملات الأسبوع الحالي والتي كانت حادة، فإن أساسيات السوق ما زالت قوية، وأكد الشبيب أن فرصة التراجع بالسوق ما زالت قائمة من الناحية الفنية إلى مستوى 12000 و12500 نقطة، مشيراً إلى أنه إن حدث ذلك ربما تكون فرصة جيدة لدخول سيولة جديدة للسوق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح الشبيب أن ما حدث لقطاع البنوك هو استغلال المستثمرين لأخبار رفع الفائدة وبيعهم الأسهم، موضحاً أن غالبية أسهم قطاع البنوك تتداول عند مكررات ربحية مرتفعة حتى وإن أخذ في الحسبان الأرباح المستقبلية لها، متوقعاً أن تشهد السوق خلال الفترة المقبلة سيولة لقطاعات مختلفة كتجزئة الأغذية وإنتاج الأغذية، وربما قطاع التأمين، لافتاً إلى أنه لدى تلك القطاعات بعض العوامل الإيجابية ستنعكس على الأرباح، إضافة إلى ما شهدته أسهم تلك القطاعات من تراجع خلال الفترة السابقة.
نظرة إيجابية
من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لشركة تقنيات "مكيال" المالية هشام أبو جامع، إن مراجعة مؤشر الأسواق الناشئة "أم أس سي أي" والتوقعات بشأن خروج الأسهم الروسية منه يعزز النظرة الإيجابية للسوق السعودية إذ إن من المتوقع أن تكون لها النصيب الأكبر من السيولة الموجهة لتلك الأسهم الروسية التي من المتوقع أن تخرج من ذلك المؤشر الجاذب لرؤوس الأموال الأجنبية.
ضغوط بيعية
إلى ذلك، قال المحلل المالي والمختص لتداول الأسهم محمود عطا، إن السوق السعودية تواجه ضغوطاً بيعية لجني الأرباح، لا سيما مع مستويات دعم عند 13370 نقطة، وأشار عطا إلى أن الانخفاض تزامن مع تراجع النفط الذي فقد نحو 10 في المئة من قيمته خلال الجلستين السابقتين، وقال إن الجلسات المقبلة تظهر مدى تحسن السوق بالحفاظ على مستوياتها القائمة وخصوصاً مع النتائج المرتقبة للشركات الكبرى، موضحاً أن السوق أمامها فرصاً طبيعية للتراجع حتى مستويات 12810 نقاط.