لطالما اعتبرت فينيكس في ولاية أريزونا الأميركية، التي تتباهى بحرارة صيفها التي تبلغ 120 فهرنهايت (49 درجة مئوية)، المدينة الكبيرة الأسرع نمواً في البلاد على امتداد العقد الماضي، وفق "مكتب تعداد الولايات المتحدة". ويظل ذلك صحيحاً على الرغم من حقيقة مفادها بأن أريزونا تواجه عواقب وخيمة نتيجة أزمة تغيّر المناخ وتوقعات بزيادة الوفيات الناجمة عن الحرارة وتدهور جودة الهواء وحالات نقص متكررة في المياه.
في الحقيقة، صار النقص الخطير في المياه أمراً واقعاً. كذلك صارت أريزونا الولاية الأميركية الأولى التي تلتزم تدابير عدة بسبب الانخفاض في مياه نهر كولورادو، الناجم عن موجات الجفاف. ما برحت الولاية تحافظ على إمداداتها من المياه منذ أكثر من 40 عاماً، وبدأت خطتها طويلة المدى لحفظ هذا المورد الحيوي في 1980 عن طريق سن قانون إدارة المياه الجوفية. وكُرّس الأخير من أجل إجراء خفض تدريجي في كمية المياه التي يستخدمها المستهلكون الرئيسون في "مناطق الإدارة النشيطة" التي تشمل المناطق التي تغطيها شبكة المترو، حيث يعيش 80 في المئة من السكان.
ووفق مدير إدارة الموارد المائية في أريزونا توم بوشاتزكي، "ينصب تركيزنا اليوم على الحال التي آلت إليها شبكة مياه نهر كولورادو، وفي المقام الأول الانخفاض المتسارع في مستويات سطح المياه في الخزانين الأكبر لهذه الشبكة، أي بحيرتَي "باول" Powell و"ميد" Mead". وأضاف أن البحيرتين "كلتيهما وصلتا إلى أقل من ثلث السعة، والتوقعات المستقبلية ليست مشجعة".
فيما يتدفق بعض الناس إلى الولاية، غادرها آخرون بحثاً عن درجات حرارة منخفضة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحَزَمَ أحد هؤلاء، هو الدكتور تشاد آرثر، أحد سكان أريزونا الأصليين واختصاصي في تقويم الأسنان، متعلقاته وانتقل إلى مدينة إل سيغوندو في كاليفورنيا. يعيش آرثر وعائلته الآن بمحاذاة المحيط، ولا ينوون الرجوع إلى أريزونا. أخبرني أنه "قبل عشرة أعوام، قررت وزوجتي ترك وسائل الراحة الاقتصادية، والأنظمة الحكومية القليلة، والتكاليف المعيشة المنخفضة، ونمط الحياة السهل الذي توفره أريزونا، وشد الرحال نحو كاليفورنيا". وأضاف أن عائلته كانت "تبحث طوال عام عن نمط عيش يمكّنهم من الخروج إلى الهواء الطلق طوال أشهر السنة، وليس في مواسم بعينها حصراً، بحيث يستمتعون بدرجات حرارة مثالية وضوء الشمس ونسيم المحيط".
وحالياً، يمضي سكان أريزونا أسابيع طويلة محاصرين داخل بيوتهم بسبب الحرارة الشديدة. "ارتأينا أنه لما كان الكوكب يزداد احتراراً من دون أي اتجاه معاكس، ولأن الحياة قصيرة، نريد الاستفادة من شبابنا والتوجه إلى الساحل".
ومع ذلك، ليست كاليفورنيا في مأمن من نوع المخاوف البيئية التي سبق أن ضربت ولاية أريزونا بشدة، إذ تواجه الولايتان كلتاهما شحاً في المياه، ما سيجبر سكان جنوب كاليفورنيا على التقيّد بتدابير غير مسبوقة بدءاً من 1 يونيو (حزيران) المقبل. من المنتظر أن يحدّ السكان من استهلاكهم للمياه حتى 80 غالوناً للفرد يومياً، لينخفض الاستخدام العادي بذلك نحو 35 في المئة. وبشكل محدد، طُلب منهم أن يحدّوا من استخدام المياه في الخارج، كسقي المروج والنباتات، يوماً واحداً في الأسبوع. يقول أحد المسؤولين تعقيباً على ذلك، "ليس في مقدورنا تحمل تكلفة ري المروج الخضراء".
ولكن في جعبة مايكل شلنبرغر، مؤلف كتاب "نهاية العالم أبداً"Apocalypse Never ، ورئيس منظمة البحوث "التقدم البيئي" غير الهادفة للربح والمرشح المستقل لمنصب حاكم ولاية كاليفورنيا، نهجاً مختلفاً تماماً لحل مشكلة المياه من دون فرض أي قيود. وأوضح في مقابلة هاتفية أجريتها معه أن لا داعي للتقتير في المياه. ربما يبدو هذا التصريح غريباً، لا سيما أنه في 2014، أدلى سكان كاليفورنيا بأصواتهم لإنفاق 2.7 مليار دولار على تخزين المياه.
في رأي شلنبرغر، "أخفق حاكم [كاليفورنيا] غافين نيوسوم في بناء مشروع تخزين مياه واحد جديد آنذاك"، معتبراً أن الحاكم ربما يتأثر بآراء "دعاة حماية البيئة المؤيدين للندرة ممن يخشون أن المياه الوفيرة ستجذب مزيداً من الناس إلى كاليفورنيا". ويضرب شلنبرغر مثلاً بإسرائيل التي تبني محطات عدة لتحلية المياه إلى حد أنها تعمل الآن على تجديد منسوب مياه بحيرة طبريا من المياه [بمياه محلاة من البحر]. "تسعة مرافق فقط لتحلية المياه بحجم ’محطة كارلسباد‘ لتحلية المياه قرب مدينة سان دييغو ستكون كافية لتعويض فقدان المياه من نهر كولورادو في 2022. إذا حذت كاليفورنيا حذوها، ستحظى بكثير من المياه، بل سيكون لديها كميات لتصديرها إلى الولايات المجاورة لها كأريزونا". إنه هدف طموح لا ريب إنما تكلفته عالية. ولكن لدى شلنبرغر قناعة بأن المشروع جدير بذلك.
في سياق متصل، تورد الممثلة الكوميدية المقيمة في لوس أنجليس شون بيلوفسكي أنها سبق أن لاحظت آثار الجفاف وشح المياه. "في رحلتي الأخيرة إلى بحيرة ’الدب العظيم‘ Big Bear، رأيت بحيرات يجتاحها الجفاف، وحيوانات ونباتات برية تكابد الحرارة، وبقعاً بنية من الأرض تخلو من أي نبات". وأضافت أنه "يتعين علينا أن نصون مواردنا الطبيعية. اتخذ خطوات صغيرة، ابدأها بإغلاق صنبور المياه عند تنظيف أسنانك. أقول لأصدقائي في لوس أنجليس أن حافظوا على المياه كما لو أنها الحقنة الأخيرة من البوتوكس لديكم".
في سياق متصل، يملك كلينت سميث، عضو مستقل ترشح للكونغرس في المنطقة الخامسة في ولاية أريزونا، بعض الحلول الإبداعية لحل مشكلة الجفاف. أوضح في مقابلة عبر الهاتف أن أزمة المياه ذات أوجه عدة، وينبغي علينا معالجتها كلها. "تغيّر المناخ حقيقة واقعة. كثيرون ما زالوا ينكرون وجودها، حتى في وقت نشهد المياه في بحيرة ’ميد‘Lake Mead تبلغ مستويات متدنية غير مسبوقة. نقترب من جفاف هائل. بينما يواجه جنوب غربي الولايات المتحدة برمّته تقريباً نقصاً في المياه، تنعم أجزاء أخرى من البلاد بوفرة من هذا المورد الحيوي". بالنسبة إلى كلينت، "يكمن الحل في التكنولوجيا، بمعنى أن نستفيد بذكاء من القدرات التكنولوجية التي في متناولنا أصلاً، بدلاً من بناء وسيلة جديدة. إن التكنولوجيا المطلوبة لنقل تلك المياه موجودة، ويجب أن نستكشف جميع الخيارات بينما نتخذ أيضاً خطوات لتعزيز كفاءة استخدام المياه".
هل يملك سكان أريزونا الوقت الكافي للتفكير بحلول طويلة الأجل على غرار إنشاء أنابيب خطوط المياه ومنشآت لتخزين المياه؟ ومع الإنشاءات الجديدة عبر مقاطعة ماريكوبا وملاعب رياضة الغولف التي لا تنتهي عبر "وادي الشمس" (كما تُسمّى فينيكس)، وكلها تحتاج إلى مياه، هل ستنفد أريزونا من هذا المورد الثمين؟
لن يحصل ذلك في ظن بوشاتزكي، مدير إدارة الموارد المائية في أريزونا، إذ يرى أن التحديات التي تواجهها شبكة مياه نهر كولورادو تتسم بالخطورة، فسيكون مفيداً في رأيه أن لدى مجتمعات أريزونا حافظات مياه متنوعة غير نهر كولورادو، تشمل إمدادات المياه السطحية والمياه الجوفية المخزنة.
ووفق رأيه، "علينا أن نتقبل التوقعات التي تقول إن مستقبلنا الأكثر حرارة وجفافاً في الجنوب الغربي سيعني الحصول على مياه أقل من شبكة نهر كولورادو. حريّ بنا أن نتأقلم مع هذا الوضع".
لقد نشأتُ في أريزونا وأعيش فيها الآن. ورأيتُ التغيّر في الأنماط المناخية هنا. صار الصيف أكثر حرارة وجفافاً، وتتفاقم الحال سوءاً بسبب طغيان الإسمنت الناجم عن مشاريع البناء الجديدة عاماً تلو آخر. حتى أشجاري باتت تزهر وتحمل الفاكهة في أوقات مختلفة من السنة عما كانت عليه سابقاً. مثلاً تبدأ شجرة التين بإنتاج الفاكهة في ديسمبر (كانون الأول)، وتزهر أشجار الحمضيات في يناير (كانون الثاني) بدلاً من مارس (آذار). المناخ يتغيّر قطعاً، وليس على المرء أن يكون عالماً كي يرى التأثيرات في حديقته الخاصة.
لطالما مثّلت أريزونا المكان الذي يقصده الناس طمعاً بجرعة من هواء نقي تخفف عنهم وطأة الربو والحساسية. ولكن الآن، تصدر تحذيرات منتظمة بشأن جودة الهواء. ويُعتقد أن عدم إيجاد حلول لتغيّر المناخ ومشكلات المياه، في المئة عام المقبلة، سيجعل من أريزونا غير صالحة تماماً للعيش.
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 7 مايو 2022
© The Independent