فيما يواصل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية فرض عقوبات على روسيا بسبب تدخلها عسكرياً في أوكرانيا، نجحت العملة الروسية في أن تقفز بنسبة 54 في المئة مقابل الدولار الأميركي، منذ أن سجلت أدنى مستوياتها في مارس (آذار) الماضي حينما بلغ سعر صرف الدولار الأميركي مستوى 140 روبلاً. في مذكرة بحثية حديثة، كشفت وكالة "بلومبيرغ" عن أن الروبل الروسي يعد صاحب الأداء الأفضل مقارنة بالعملات الأخرى، وأنه يتقدمها في القائمة خلال العام الحالي بعد الارتفاع الأخير الذي حققه سعر الروبل في التداولات سعر الروبل في التداولات الأخيرة مقابل الدولار ليصل إلى 64.75 روبل للدولار الواحد، لتصل مكاسب العملة الروسية مقابل نظيرتها الأميركية إلى أكثر من 54 في المئة.
ووفقاً لتقرير، استأنف الروبل تقدمه مقابل الدولار مع إعادة فتح بورصة موسكو بعد يومين من العطلة الرسمية. وبعد تعويضه الخسائر العنيفة التي طالته في مارس الماضي، سجل الروبل ارتفاعاً بأكثر من 11 في المئة مقابل الدولار الأميركي منذ بداية العام، ليصبح الرابح الأكبر من بين 31 عملة رئيسة.
وأوضحت الوكالة أن مكاسب الروبل جاءت نتيجة سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة للدفاع عن العملة المتداعية في أعقاب العقوبات الغربية، بالإضافة إلى فرض ضوابط على رأس المال، أجبرت روسيا المصدرين على بيع العملات الأجنبية وتطالب بدفع ثمن الغاز الطبيعي بالروبل.
على الجانب الآخر، يقول المحللون الاستراتيجيون في "بلومبيرغ"، إن الارتفاع ليس ذا مصداقية، لأن العديد من متاجر تداول العملات توقفت عن التعامل في الروبل على أساس أن قيمته التي تظهر على الشاشات ليست السعر الذي يمكن تداوله به في العالم الحقيقي.
4 أسباب دفعت الروبل إلى مكاسب قياسية
ويرى المحللون أن هناك أربعة أسباب دفعت الروبل الروسي إلى تعويض الخسائر العنيفة التي تكبدها مقابل الدولار منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. وقبل الحرب كان يجري تداول الدولار عند مستوى 68 روبلاً، لكن العقوبات الغربية التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية التي طالت القطاع المالي الروسي، تسببت في أن تسجل العملة الروسية أكبر خسائر في تاريخها مقابل الدولار.
أما أسباب عودة صعود الروبل وتحقيقه مكاسب قياسية خلال التداولات الأخيرة فترجع بشكل مباشر إلى مجموعة من القرارات التي أعلنتها الحكومة والبنك المركزي الروسي. أهم هذه القرارات هو الانتقال إلى الروبل الروسي في صادرات الغاز إلى الدول غير الصديقة، بما في ذلك إلى دول الاتحاد الأوروبي. وبالفعل أعلنت بعض الدول الأوروبية قبول التعامل بالروبل في الواردات من روسيا، وذلك لتفادي أزمات الطاقة التي تعد روسيا من أكبر مورديها إلى دول الاتحاد الأوروبي.
القرار الثاني تمثل في إلزام المصدرين في روسيا بييع 80 في المئة من عائدات النقد الأجنبي في بورصة موسكو. فيما تمثل القرار الثالث في إعلان البنك المركزي الروسي مجموعة من الإجراءات لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي في البلاد، الأمر الذي حد من الطلب على العملات الأجنبية في السوق المحلية. ويتعلق السبب الرابع باتجاه الحكومة الروسية إلى تقليص وارداتها من البضائع، حيث توقع تقرير لموقع "أر بي كا" الاقتصادي، أن فائض ميزان المدفوعات الروسي قد يصل هذا العام إلى مستوى تاريخي يتراوح بين 200 و300 مليار دولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن المتوقع أن يشهد الروبل الروسي مكاسب جديدة مقابل الدولار خلال الفترة المقبلة، بخاصة بعد حديث الحكومة الروسية عن إمكانية ربط العملة الروسية الروبل بالذهب، الأمر الذي سيدعم العملة الروسية ويضمن استقرارها بل وصعودها مقابل الدولار الأميركي واليورو الأوروبي.
إجراءات تجعل من الصعب بيع الروبل
وتأثر الروبل بنمو أسعار النفط والغاز العالمية، إضافة إلى توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قراراً يتعلق بوفاء الشركات الروسية بالتزاماتها تجاه الدائنين الأجانب بالروبل. وقبل أيام قال بوتين إن بلاده تعمل على زيادة ميزانية الدولة وتعزيز قيمة الروبل، مشدداً على أن العملة الروسية أظهرت أداءً جيداً خلال الفترة الأخيرة.
وأضاف "نتعامل مع التحديات الاقتصادية بسبب العقوبات ونعمل على إحداث توازن اقتصادي من خلال تعزيز قيمة الروبل"، موضحاً أن الحكومة الروسية تسعى إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات لدعم فرص العمل في روسيا. وتابع الرئيس الروسي "هدفنا تأمين الظروف الاقتصادية المناسبة في مختلف الأقاليم الروسية".
وكانت الحكومة الروسية قد وضعت حداً للدولارات التي يمكن للمقيمين سحبها من الحسابات المصرفية، كما منعت البنوك من بيع العملات الأجنبية للعملاء خلال الأشهر الستة المقبلة. فيما لا يسمح لشركات السمسرة الروسية أيضاً بتمكين العملاء الأجانب من بيع الأوراق المالية، وجميع هذه الإجراءات جعلت من الصعب بيع الروبل، وبالتالي الحد من خسائره ودفعه نحو الصعود مقابل سلة العملات العالمية، وفقاً لما ذكرته "وول ستريت جورنال".
العقوبات الغربية
وحيدت العقوبات الغربية ضد روسيا قطاع الطاقة الذي تعتمد عليه أوروبا بشكل خاص، مما أدى إلى استمرار تدفق الدولار واليورو إلى البلاد. وقال كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي، روبن بروكس "من العدل القول إن الروبل ليس مسعراً عند مستواه الحقيقي، وإذا كان هناك تدفق حر في كلا الاتجاهين، فسنرى روبلاً أضعف بكثير".
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد قرر بيع الغاز الروسي إلى الدول الأوروبية بالروبل بدلاً من الدولار واليورو، وبالفعل أعلنت بعض الدول الأوروبية قبول التعامل بالروبل في سداد مقابل وارداتها من روسيا. وقال رئيس الدخل الثابت في شركة "يونيون إنفستمنت" لإدارة الأصول، كريستيان كوبف، إن ذلك سيعكس التدفق الحالي للأموال، مما يجعل الدول التي تفرض عقوبات على روسيا، تدعم العملة الروسية، كما يضمن لروسيا دعم الروبل من مبيعات الطاقة.