أكد محافظ المركزي المصري طارق عامر عزم البنك على مواصلة كبح جماح التضخم خلال الفترة المقبلة، مؤكداً أنه لا تردد في اتخاذ كل الإجراءات اللازمة بهذا الصدد في المستقبل، ومتعهداً بأن يكون الاستثمار في الجنيه المصري أكثر ربحية من العملات الأخرى على المدى المتوسط.
وقال عامر في كلمته خلال المؤتمر المصرفي العربي لعام 2022 الذي عقد بالقاهرة، الأربعاء، بعنوان "تداعيات الأزمة الدولية وتأثيرها في الأوضاع الاقتصادية في المنطقة العربية"، إن "المركزي" اتخذ إجراءات خلال مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضيين بهدف تحقيق الاستقرار للنقد الأجنبي، مشيراً إلى أن البنك وافق لبنكي الأهلي ومصر على إصدار شهادة الادخار بنسبة 18 في المئة لدعم المواطن المصري.
خفض الفائدة 10 في المئة منذ 2016
عامر أشار إلى أن المنطقة العربية تعرضت خلال السنوات الماضية لصعوبات وتحديات اقتصادية غير مسبوقة، مما أتاح الفرصة لإعادة تشكيل السياسات المالية والنقدية لمواجهة تلك التحديات، لافتاً إلى أن القطاع المصرفي العربي قادر على تجاوز الأزمة الحالية المستوردة من الخارج، بفضل الخبرات الكبيرة التي جرى بناؤها على مدى العقود الماضية.
وأوضح أن "المركزي" واجه التضخم بكل قوة خلال عامي 2016 و2017 بخفض أسعار العائد بنحو 10 في المئة عندما وصل معدل التضخم إلى مستوى غير مسبوق، إذ سجل نحو 33 في المئة لينخفض التضخم إلى نحو 3.5 في المئة بعد الخفض.
وأشار إلى أن الاقتصاد العالمي، خصوصاً دول الأسواق الناشئة حالياً، يتعرض لصدمات خارجية متزامنة تتمثل في ارتفاع أسعار كل السلع والخدمات بشكل غير مسبوق، وارتفاع كلفة التمويل في ضوء قيام بنوك مركزية عالمية بزيادة أسعار الفائدة لديها لكبح جماح التضخم المتزايد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد عامر أن "بعض المراقبين في كثير من الأحيان يكونون غير موفقين في تقدير المفهوم من وراء الإجراءات، ربما لأن نظرتهم تكون قصيرة الأجل، ولا تأخذ في الاعتبار الدورة النقدية ونتائجها عندما تكتمل"، مشيراً إلى أن "تلك الآراء تبث القلق في المجتمعات، والسياسة النقدية أمر معقد يحتاج إلى كثير من الأدوات والعشرات من الخبراء الممارسين، وهذه إمكانات لا يمتلكها سوى البنوك المركزية".
وفي ما يتعلق بالضغوط التضخمية، قال عامر إن البنك اتخذ خطوة سريعة لتهدئة ارتفاع الأسعار الناجم عن العوامل الخارجية مرة أخرى برفع سعر الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس في مارس 2022، وساعد هذا التصحيح البسيط في سعر الصرف في زيادة إيرادات النقد الأجنبي 30 في المئة.
وأضاف أن أولويات البنك المركزي خلال المرحلة الحالية تتمثل في سرعة اتخاذ كل السياسات والإجراءات التي تضمن الاستقرار النقدي والمالي بدعم من قوة وصلابة القطاع المصرفي الذي تعكسه المؤشرات.
48.3 في المئة نسبة القروض إلى الودائع
قال محافظ البنك المركزي المصري إن أبرز مؤشرات صلابة القطاع المصرفي ارتفاع نسبة السيولة بالعملة المحلية لدى بنوك الجهاز المصرفي، إذ بلغت نحو 45.4 في المئة في آخر ديسمبر (كانون الأول) 2021، كما ارتفعت نسبة السيولة بالعملات الأجنبية لدى بنوك الجهاز المصرفي لنحو 67.9 في المئة خلال ديسمبر 2021، وبلغت نسبة القروض إلى الودائع لدى الجهاز المصرفي نحو 48.3 في المئة خلال ديسمبر 2021.
وأشار عامر إلى أن مستلزمات ومدخلات الإنتاج للقطاعات الصناعية شهدت ارتفاعات قياسية وصلت في بعض البلدان إلى 122 في المئة، وهو ما لم يحدث في القاهرة، لافتاً إلى أن أسعار الطاقة التي تباع إلى القطاع الصناعي أقل بنحو خمس مرات من نظيرتها في دول أخرى، بما يعكس حرص الحكومة على دعم الصناعة، كما تمت أيضاً حماية الصناعة بدعم أسعار الفائدة على القروض.
عامر أكد أن التسهيلات الائتمانية المخصصة للقطاع الصناعي والتجاري والزراعي بلغت نحو 2.5 تريليون جنيه (138 مليار دولار أميركي) حتى الآن.
وقال إن القاهرة تسير في طريق الشمول المالي بشكل صحيح، إذ سجلت نسبته 56.2 في المئة بنهاية العام 2021 مقارنة بـ 33 في المئة بنهاية 2017.
موقف عربي موحد لتخطي الأزمة
وتقرر لجنة السياسة النقدية التابعة للبنك المركزي المصري البت في أسعار الفائدة، الخميس، بعدما رفعت اللجنة أسعار الفائدة في جلسة استثنائية عقدتها في الـ 21 من مارس الماضي بمقدار 100 نقطة أساس، ما يعادل واحداً في المئة، بعد قرارات مماثلة من "الفيدرالي الأميركي".
وتوقع نائب رئيس اتحاد المصارف العربية ورئيس مجلس إدارة "بنك مصر" المملوك للدولة، أن تتجه لجنة السياسة النقدية إلى رفع أسعار الفائدة في اجتماع الخميس، مضيفاً في تصريحات صحافية أن بنكه لن يقدم وعاء ادخارياً جديداً تزيد معدل فائدته عن الـ 18 في المئة مهما كان قرار "المركزي المصري"، مشيراً إلى أن كلفة إصدار شهادة الادخار بمعدل عائد 18 في المئة التي أطلقها البنك عقب قرار رفع أسعار الفائدة عالية للغاية.
وأكد أن التقلبات العالمية أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع عجز الدين العام وتراجع موارد بعض الدول من العملات الأجنبية واضطراب سلاسل الإمداد وارتفاع كلف الشحن. وأشار إلى ضرورة بلورة موقف عربي موحد لتخطي هذه الأزمة، وتعزيز الإصلاحات الهيكلية في الدول العربية ودعم دور القطاع المصرفي العربي للخروج من الأزمة الحالية بأقل خسائر، والتوسع في استخدامات الطاقة المتجددة.
رفع أسعار الفائدة واحداً في المئة
وفي استطلاع أجرته "رويترز" توقع رفع أسعار الفائدة بمقدار 175 نقطة أساس أو ما يعادل الـ 1.75 في المئة في اجتماع الخميس، بعد رفع مجلس الاحتياط الاتحادي الأميركي أسعار الفائدة وارتفاع أسعار واردات السلع الأساس بسبب أزمة أوكرانيا.
وأشار متوسط التوقعات في استطلاع شمل 18 محللاً إلى رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة على الودائع إلى 11 في المئة، في الاجتماع الدوري للجنة السياسة النقدية، وتوقعوا رفع فائدة الإقراض بمتوسط 200 نقطة أساس إلى 12.25 في المئة.
من جانبه، توقع نائب رئيس البنك الأهلي المصري المملوك للدولة، أن يرفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بما لا يقل عن واحد في المئة، موضحاً لـ "اندبندنت عربية" أن البنك "ليس أمامه سوى رفع أسعار الفائدة نتيجة موجات التضخم المرتفعة، وحتى لو كانت مستوردة من خارج البلاد فإن لها تأثيراً سلبياً بالداخل".
وارتفعت معدلات التضخم في مصر بمقدار سبعة في المئة خلال 120 يوماً فقط، بعدما قفز المؤشر من ثمانية في المئة خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، ليصل إلى 14.9 في المئة خلال أبريل (نيسان)، متأثراً بالتداعيات السلبية للحرب الروسية على أوكرانيا.
وأعلن الجهاز المركزي المصري للتعبئة والإحصاء خلال الشهر الحالي ارتفاع معدل التضخم السنوي في مصر خلال أبريل الماضي إلى 14.9 مقابل 12.1 في المئة في مارس (آذار)، و10.5 في المئة في فبراير (شباط)، في الوقت الذي صعد معدل التضخم الشهري لإجمالي الجمهورية إلى 3.7 في المئة الشهر الماضي مقابل 2.4 في مارس.
وبذلك المعدل يتخطى التضخم في مصر مستهدفات البنك المركزي الذي يضع نطاقاً مستهدفاً لمعدل التضخم السنوي عند مستوى سبعة في المئة (بزيادة أو نقصان اثنين في المئة) في المتوسط حتى الربع الأخير من 2022.
فجوة في النظام الغذائي العربي
من جهة أخرى، أشاد رئيس اتحاد المصارف العربية الشيخ محمد الجراح الصباح، الأربعاء، بتجربة مصر في توفير القمح وسط أزمة إمداد دولية، وارتفاع أسعار السلع العالمية وتراجع التصدير.
وقال خلال المؤتمر، "نأمل بأن تحقق مصر الاكتفاء الذاتي من القمح خلال السنوات المقبلة"، مؤكداً أن القاهرة سارعت إلى تدبير حاجاتها من القمح وسط استمرار الأزمة الدولية، وشدد على ضرورة تأسيس تعاون عربي في قطاع الاستثمار الزراعي لمواجهة أية أزمات دولية، وأهمية تعزيز الأمن الغذائي العربي، مطالباً صناع القرار في الدول العربية بضرورة استشراف المرحلة المقبلة.
وأوضح رئيس اتحاد المصارف العربية تأثيرات الحرب الروسية -الأوكرانية السلبية، ومنها تعطل سلاسل الإمدادات العالمية وزيادة أسعار السلع وقلق المستثمرين، مشيراً إلى أن "الأوضاع الحالية تفرض علينا وضع استراتيجية عربية زراعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي لمواجهة أية تداعيات، خصوصاً أن الأزمة كشفت عن فجوة كبيرة تعاني منها دولنا العربية وخصوصاً في نظامها الغذائي".